في اليوم الثّالث، خُصّص منبر الدّورة الـ71 للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة للخصوم والأعداء. فبينما كرّس الرّئيس الإيرانيّ حسن روحاني جزءاً من خطابه للحديث عن الاتّفاق النّووي الّذي «شكّل نهجاً جدیداً وأسلوباً مبدعاً للتّعاطي البنّاء من أجل حلّ وتسویة الأزمات»، وقف رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ليؤكّد أنّ «إيران هي الخطر الأكبر على العالم».
وشن روحاني كذلك هجوماً على السعودية داعياً اياها إلى الكف عن مواصلة سياستها المثيرة للتفرقة وترويج ايديولوجيا الكراهية.
ومن على المنبر ذاته، دعا الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس الأمم المتّحدة لاعتبار العام 2017 «عاماً لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ»، مطالباً بريطانيا بالاعتذار عن «وعد بلفور». ليقابله هجومٌ حادّ واستهزاء من قبل نتنياهو الّذي دعا عبّاس لإلقاء خطابٍ في الكنيست، والتّخلّي «عن بثّ الكره».
روحاني
وشن الرّئيس الإيرانيّ هجوماً قاسياً على السّعوديّة، إذ دعاها إلى «الكفّ عن مواصلة سياستها المثيرة للتّفرقة وترويج إيديولوجيا الكراهية وانتهاك حقوق الجيران، وتنظيم علاقاتها على أساس الاحترام المتبادل والمسؤوليّة تجاه شعوب المنطقة إذا كانت ترنو إلى تحقيق أفقٍ جديدٍ في تنميتها وأمن المنطقة».
واستغرب روحاني المنحى «المتسارع للعنف» في المنطقة، ملقياً باللّوم على «الاستراتيجيّات الأمنيّة للقوى الكبرى» في تنامي ظاهرة الإرهاب، ومؤكّداً، في الوقت ذاته، أنّ «توفير الأمن في نقطةٍ ما في العالم ليس ممكناً على حساب زعزعة الأمن في مناطق أخرى في العالم».
وأكّد أنّ «مستقبل منطقتنا رهنٌ بمواجهة تحدّیات مثل الأزمات الأمنیّة الناجمة عن غیاب الشّرعیّة وعدم کفاءة الحكومات»، موضحاً أنّه «من دون استقطاب المشارکة الشّاملة، لا یمكن مكافحة مختلف أشكال الشّبكات الإجرامیّة والإرهابیّة»، معرباً عن ثقته بأنّ «دول المنطقة، وفی ظلّ الاعتماد علی تاریخها وثقافتها المشترکة، یمكنها صنع مستقبلها المتناغم وفرض العزلة علی التّیّارات الإرهابیّة».
واستغلّ الرّئيس الإيراني مكان إلقاء الكلمة للتّأكيد على أنّ «القرن الّذي بدأ بالإرهاب والعنف فی نیویورك (في إشارةٍ إلى أحداث 11 أيلول) لا ینبغي أن یستمرّ بمنافسات عدائیّة والتّأجیج المتزاید لنیران الحروب فی منطقة الشّرق الأوسط».
وقال: «في ذلك الیوم، لم یكن أحدٌ یتصوّر بأنّ هذه الحادثة ستكون هي نفسها أرضیّة لوقوع کوارث أکبر وتؤدّي إلی حربٍ مدمّرة في الشّرق الأوسط واتّساع نطاق زعزعة الأمن في العالم»، مضيفاً: «هذه الحرب زرعت بذور الإرهاب بلا حدودٍ في مختلف أنحاء العالم».
وعرّج روحاني على أزمات وحروب المنطقة، من سوريا «وتشرّد الملايين من أبنائها في البراري والبحار ومقتل وإصابة عشرات الآلاف منهم»، ثمّ العراق «وشعبه القلق على وحدة أراضيه ومستقبل بلاده»، فالشّعب اليمني «الأعزل الّذي يتعرّض یومیّاً لغارات القصف المدمّر»، مروراً بأفغانستان «الّتي ما زالت بعد عقودٍ عدّة من الاحتلال والإجرام لم تتخلّص من معاناة العنف والإرهاب»، وصولاً إلى الفلسطينيّين «المظلومين، الّذين ما زالوا یعانون من أغلال التمییز العنصري للكیان الصّهیوني الغاصب».
وكان للاتّفاق النّووي الإيراني حصّة من خطاب روحاني، إذ اعتبر أنّه «شكّل نهجاً جدیداً وأسلوباً مبدعاً للتّعاطي البنّاء من أجل حلّ وتسویة الأزمات والتّحدیات سلمياً»، محذّراً الولايات المتّحدة من أنّ «أيّ انتهاك للعهد من جانبها في تنفیذ الاتفاق سیؤدّي إلى المزيد من عدم مصداقیّتها علی المستوی العالمي».
وأوضح الرّئيس الإيرانيّ أنّ «إیران، وبعد ثمانية أشهرٍ من رفع الحظر الظّالم، تمكّنت، بثبات حكومتها وشعبها والحضور المتزاید للشّرکات الدّولیة، من تحقیق نموّ اقتصادي بنسبة أربعة في المئة وخفض التّضخّم إلی رقم أحاديّ»، مشيراً إلى أنّ «نموّ إيران، نهاية العام الحاليّ، سيصل إلى حوالي خمسة في المئة»، ومضيفاً: «وفقاً لجمیع التّوقّعات الدّاخلیة والدولیة ستحظی إیران في العام الحاليّ بأعلی نموّ متوقّع بین الدّول النّفطيّة».
عباس
ودعا الرّئيس الفلسطينيّ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة إلى اعتماد العام 2017 عاماً لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة، وكذلك إلى «تبنّي قرارٍ جديدٍ بعد قرار رفع مكانة دولة فلسطين في العام 2012، وذلك بإعطاء حقّ تقديم وتبنّي القرارات للدّول المراقبة».
وأعلن عن توجّه «القيادة الفلسطينيّة إلى طرح مشروع قرارٍ حول الاستيطان وإرهاب المستوطنين على مجلس الأمن»، مشيراً إلى أنّهم يقومون «بمشاوراتٍ مكثّفة مع الدّول الصديقة بهذا الشّأن»، وآملاً أن «لا يستخدم أحدٌ الفيتو ضدّ المشروع».
وأكّد عبّاس استمرار الالتزام «بالاتّفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل منذ العام 1993، وكذلك الاعتراف السّياسيّ بوجود دولة إسرائيل»، داعياً «إسرائيل»، في الوقت ذاته، إلى «مبادلتنا هذا الالتزام، والاعتراف بفلسطين». كما طالب بريطانيا بالاعتذار «من الشّعب الفلسطينيّ لما حلّ به من نكباتٍ» بسبب «وعد بلفور»، داعياً إيّاها إلى «استخلاص العبر والدّروس».
نتنياهو
وبعد عبّاس، اعتلى نتنياهو المنبر ليلقي خطاباً اتّسم بالهجوم الحادّ على الرّئيس الفلسطينيّ والقيادة الفلسطينيّة متّهماً إيّاها بـ «تحريض الأطفال الفلسطينيّين وتسميم أفكار الشّباب».
واعتبر نتنياهو أنّ الصّراع الأساسيّ بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين ليس «على الإطلاق في المستعمرات، بل في رفض الفلسطينيّين الاعتراف بإسرائيل ضمن أيّ حدودٍ كانت».
واستهزأ نتنياهو من مطالبة عبّاس بريطانيا بالاعتذار عن «وعد بلفور»، متسائلاً: «مطالبة ومقاضاة بريطانيا على أمرٍ وقع قبل مئة عام؟ أتمازحني؟ ماذا يمكن أن نصف ذلك؟ أتنظرون إلى هذه الأقوال بجدّيّة؟».
وأبدى رئيس وزراء الاحتلال استعداده الشّخصيّ وكذلك الكيان الإسرائيليّ لـ«التّفاوض»، قائلاً: «لكن هناك شيئا لن أناقشَ فيه مطلقاً، وهو حقّنا في دولةٍ يهوديّةٍ واحدة».
ودعا نتنياهو الرّئيس الفلسطينيّ إلى «إلقاء خطابٍ في الكنيست»، مبدياً، في الوقت نفسه، استعداده لـ «الذّهاب إلى البرلمان الفلسطينيّ في رام الله».
وتوجّه نتنياهو إلى عبّاس بالقول: «لديكَ خيارٌ لتقوم به: يمكنكَ الاستمرار ببثّ الكره، كما فعلتَ اليوم، أو العمل معي كي نقوم ببناء السّلام»، الّذي اعتبر أنّه «يمرّ في القدس ورام الله وليس في نيويورك».
وهاجم رئيس وزراء العدوّ، في خطابه، الأمم المتّحدة بشدّة، معتبراً أنّها «بدأت كقوّة أخلاقيّة، لكنّها انتهت كمهزلةٍ أخلاقيّة».
وأكّد أنّ «المواقف تجاه إسرائيل تتغيّر في العالم العربي»، الّذي أصبح يراها «حليفاً في وجه إيران»، الّتي اعتبرها «الخطر الأكبر لبلدي ولمنطقتنا والعالم».
السفير اللبنانية-