حددت الجولة الخليجية الأولى للملك سلمان بن عبد العزيز ومحطاتها الأربع، جدول اعمال القمة الخليجية التي ستبدأ في المنامة غدا الثلاثاء، مثلما حددت طبيعة التحالفات، والصورة الجديدة لمنظومة مجلس التعاون الخليجي في المستقبل القريب.
هناك عدة ملاحظات على درجة كبيرة من الأهمية يجب التوقف عندها، اذا اردنا استقراء المستقبل الخليجي، وطبيعة العلاقات بين دوله، وكذلك الجوار الإقليمي:
الأولى: تجاهل العاهل السعودي في جولته هذه سلطنة عمان، العضو المؤسس في مجلس التعاون، واسقطها من جولته الخليجية متعمدا، مما يعني ان ما تحدث عنه السيد غانم البوعيني، وزير مجلس الشورى البحريني الى صحيفة “الحياة” السعودية، وقال فيه “ان ملف الاتحاد الخليجي سيكون حاضرا للمناقشة في القمة، وان هذا الاتحاد قد يتم دون سلطنة عمان، سيكون المحور الرئيسي لهذه القمة المقبلة، وعدم زيارة الملك سلمان لمسقط يؤكد استبعادها من هذا الاتحاد، مثلما يعكس هذا الاستثناء ازمة صامتة بين الرياض ومسقط، وكانت عُمان رفضت هذا الاتحاد قبل عدة سنوات عندما طرحت سعوديا في ندوة في المنامة.
الثانية: اختيار العاهل السعودي لمدينة ابو ظبي عاصمة دولة الامارات لكي تكون المحطة الأولى في جولته هذه، لم يكن اعتباطا، وانما خطوة اتخذت بعناية كبيرة، لايصال رسالة سياسية مفادها ان الامارات التي تلعب الدور الأكبر الى جانب السعودية في “عاصفة الحزم” وحرب اليمن عموما، هي الدولة الخليجية الأقرب الى قلب القيادة السعودية، وتتقدم على ما عداها من عواصم أخرى، فالامارات قدمت اكبر عدد من الضحايا في هذه الحرب، وشاركت بأكبر عدد من الطائرات.
الثالثة: حرص العاهل السعودي على حل الازمة النفطية بين بلاده والكويت، واستئناف ضخ النفط من حقل الخفجي الواقع في المنطقة المشتركة، اثناء زيارته للكويت (الطاقة الإنتاجية لهذا الحقل 400 الف برميل يوميا تتقاسمها البلدان مناصفة)، يعكس رغبة سعودية في تصفية احد آخر الخلافات الحدودية بين دول الاتحاد الخليجي الجديد المقترح.
الرابعة: وصول العاهل السعودي الى ابو ظبي بعد ساعتين من مغادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بدد الآمال في إمكانية حدوث مصالحة مصرية سعودية، يؤكد تركيزه على دول الخليج فقط، كتحالف استراتيجي في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وطلاق بائن مع مصر، وتبدد كل آمال التفاؤل بحدوث مصالحة مصرية سعودية في المستقبل المنظور.
الخامسة: لوحظ ان امير قطر الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كان الى جانب ابنه الأمير تميم على رأس مستقبلي العاهل السعودي على ارض مطار الدوحة، مما يعني ان المصالحة القطرية السعودية باتت اعمق، واكثر جدية، مما يتوقعه الكثيرون، فمن المعروف ان العلاقة بين الأمير القطري السابق والعاهل السعودي الحالي، لم تكن جيدة قبل تولي الأخير العرش، والكيمياء بين الرجلين لم تكن منسجمة بسبب اتهام الأمير سلمان في حينها بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة للإطاحة بالامير حمد بن خليفة (عام 1996)، وإعادة الده المرحوم خليفة بن حمد الى الحكم.
لا نعرف كيف ستتصرف السلطات العُمانية إزاء هذه المحاولة السعودية لتهميشها، فالعمانيون يفضلون دائما الصمت، وعدم الدخول في مهاترات سياسية او إعلامية، ويميلون الى الهدوء، وربما يعكس مستوى مشاركتهم في قمة المنامة غدا بعض ردود فعلهم في هذا المضمار.
حرب اليمن، وحجم المشاركة فيها، ومدى الالتفاق حول القيادة السعودية في مواجهتها لإيران في سورية والعراق، ستشكل معيار، او شروط العضوية في أي اتحاد خليجي جديد، ولعل اقتصار جولة العاهل السعودي على اربع دول، واستثناء العضو السادس في مجلس التعاون هي قوائم المنظومة الخليجية الجديدة او هكذا نعتقد.
السعودية لم تستطع تقبل الحياد العماني في حرب اليمن، وكانت تتوقع ان تشارك بفاعلية فيها، ولكنها كظمت الغيظ لاكثر من عام فقط، ثم نفذ صبرها، خاصة ان وجهة النظر العمانية في هذه الحرب ثبت صوابها، وانعكس نفاذ الصبر هذا في نشر تقارير في الصحافة السعودية تتهم سلطنة عمان بفتح أراضيها لتسريب أسلحة إيرانية الى التحالف “الحوثي الصالحي”، وهي اتهامات نفتها السلطنة وتحدت أصحابها، او الذين يقفون خلفها، تقديم الأدلة.
قمة المنامة الخليجية تنعقد في وقت لم تكسب فيه القيادة السعودية أي من حروبها في سورية واليمن والعراق، وتواجه ازمة مالية طاحنة، وتململ شعبي بسبب سياسات التقشف الناجمة عن فرض ضرائب مباشرة او غير مباشرة، ورفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات الضرورية والاساسية، ودون اي مقابل واحداث إصلاحات سياسية تعزز مشاركة المواطن في دائرة الحكم ومحاسبة السلطة التنفيذية ومراقبتها من خلال برلمان منتخب او صحافة حرة.
من الطبيعي ان يكون هناك جدول اعمال حافل بالقضايا امام القادة الخليجيين، ولكنها ستكون قضايا اقل أهمية، بالمقارنة مع القضية الطاغية الأبرز، وهي حرب اليمن التي تدخل شهرها العشرين دون تحقيق “عاصفة الحزم” الهدف الذي انطلقت من اجله، وهو استعادة صنعاء، وفرض الاستسلام غير المشروط على انصار الله الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح.
قمة المنامة ستكون ايضا قمة الاستعداد لمواجهة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي يريد فرض “الجزية” على دول مجلس التعاون، والسعودية بالذات، ومقدارها ربع دخلها من العوائد النفطية كثمن للحماية، ويعتبر الرئيس السوري بشار الأسد شريكا في الحرب على “الإرهاب” الوهابي الإسلامي على حد وصفه، أي ترامب.
على ضوء كل ما تقدم، يمكن القول ان القمة الخليجية المقبلة في المنامة، ستكون قمة مختلفة كليا عن القمم التي سبقتها منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، ان لم تكن اخطرها جميعا، بسبب الظروف والتهديدات والأزمات التي تعيشها الدول الخليجية المشاركة فيها، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان- رأي اليوم-