على الرغم من المسمّى، إلّا أنّ مجلس التعاون الخليجي ليس غريبًا عن التوترات والمنافسة بين أعضائه. وبعض هذه الاختلافات بلا شك تظهر على طاولة القمّة السنوية رقم 37 لمجلس التعاون الخليجي، والتي انطلقت يوم الثلاثاء في المنامة بدولة البحرين.
وعلى الرغم من اجتماع زعماء دول الخليج في عشرات المقابلات عالية المستوى كل عام، إلّا أنّ مهمات القمّة السنوية تأتي كنوعٍ من الاتحاد الذي يعطي الفرصة للمجموعة لتجسيد أولويات السياسة المشتركة. وسيعرض هذا الاجتماع فكرة اتحاد الكتلة، وهي الفكرة التي تصوّر بعناية العلاقات التي تربط المجموعة معًا. وفي الوقت نفسه، سيلقي الضوء على الانقسامات الكامنة الموجودة دائمًا في مجلس التعاون الخليجي.
ليسوا على قلب رجل واحد
وتدل العلاقات بين السعودية والإمارات أن دول المجلس ليست على قلب رجل واحد، حتّى وإن كان أعضاؤه متحالفين استراتيجيًا. وعلى الرغم من أنّ الدولتين قد حاربتا جنبًا إلى جنب ضدّ متمرّدي الحوثي في اليمن، على سبيل المثال، فهما على خلافٍ حول أفضل السبل في التفاوض من أجل إنهاء الصراع. وفي حين تستمر الإمارات في إحراز تقدم بشأن الجهود الرامية للتنوع الاقتصادي، يمكنها أن تطمع في الهور كزعيمة للكتلة، حتّى في الوقت الذي تعترف فيه بالمملكة العربية السعودية علنًا كحجر للزاوية في المجلس.
وأصبحت مصر مؤخرًا محل خلاف جديد بين أبوظبي والرياض. وبعد فترة من العلاقات المتوترة، كان من المتوقع أن يتقابل الرئيس «عبد الفتاح السيسي» مع الملك السعودي في عطلة نهاية الأسبوع لإصلاح العلاقات، بوساطة إماراتية. وأشارت مصادر «ستراتفور»، مع ذلك، أنّ المقابلة قد انهارت بعد رفض «السيسي» تنفيذ شروط الملك «سلمان» من أجل المصالحة، وهي الإدانة العلنية للرئيس السوري بشار الأسد، والتعهّد بوقف الدعم لجيش النظام السوري.
ومن وجهة نظر الملك «سلمان»، فإنّ عناد «السيسي» يعني أنّه أكثر اهتمامًا ببقاء الحكومة السورية من المساعدات المالية المستمرة من المملكة. وكما ذكر، فالملك منزعج أيضًا من معاملة القاهرة للرياض كآلة صرّاف آلي أكثر منها حليف. وفي الحقيقة، فإنّ تعبيره ليس بعيدًا عن واقع الأمر. وللمرة الأولى في عديد السنوات، يكون لمصر الفسحة المالية التي تسمح لها بتحقيق أهداف سياستها الخارجية، بغض النظر عن موقف الرياض.
وفي إطار شروط اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، على مصر البحث عن مصادر أخرى كذلك للمساعدات الاقتصادية. وعلى الرغم من أنّ مجلس التعاون الخليجي قد ساهم بالجزء الأكبر من هذا التمويل، ناشدت مصر عددًا واسعًا من المقرضين الدوليين في محاولة لإقامة تحالفات اقتصادية جديدة. وبين صرف الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي والمساعدات التي حصلت عليها من كل أنحاء العالم، بلغ احتياطي القاهرة من النقد الأجنبي 23.1 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو الأعلى في 5 سنوات. وفي الوقت نفسه، يدرك الرئيس المصري أن استقرار بلاده أولوية لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا، على الرغم من تذمّر الملك «سلمان»، يعني أنّ الرياض ستستمر في إنقاذ مصر من ضائقتها المالية.
وفي الأشهر القليلة القادمة، ستضاف قضايا عديدة أخرى للفتنة بين مصر والسعودية، تاركةً الإمارات وباقي دول المجلس للحفاظ على تحالف الكتلة مع القاهرة. وفي أبريل/نيسان، وقّع «السيسي» اتفاقًا بنقل ملكية جزيرتين بالبحر الأحمر إلى السعودية كالتزام من قبل القاهرة نحو الرياض. ولكن مع تحسّن الوضع الاقتصادي لمصر، بدأ «السيسي» في إعادة النظر في هذا الأمر. والأمر الذي يشكل له أولوية الآن، أن يتمكّن من جمع الدعم الشعبي من أجل المضي قدمًا في الإصلاحات التي اقترحها، بدلًا من استجداء الرياض للحصول على المساعدة. وكان القضاء حليفًا مفيدًا في هذا السعي، وإن كان ربّما عن غير قصد. فمنذ أبطل القضاء الصفقة في 21 يونيو/ حزيران، أجّلت المحاكم العليا باستمرار الحكم النهائي في القضية، الأمر الذي يساعد «السيسي» على إزعاج الملك السعودي واسترضاء الجمهور في نفس الوقت.
وسيكون للقاهرة أيضًا فرصة كبيرة في «كشكشة ريش» الرياض بسياستها في سوريا. ففي حين تكسب الحكومة والقوات الموالية لها الأرض في سوريا، ستعمل مصر لضمان أنّها في الجانب المنتصر، وخاصةً مع تلاقي وجهات النظر السياسية بين مصر و«نظام الأسد» في مواجهة الحركات الإسلامية، وموقف سوريا من الحكم العسكري في مصر. ومع كل إظهار لدعمها للحكومة السورية، سواء بالتدريب العسكري المشترك أو بشحنات الأسلحة، ستثير مصر غضب السعودية أكثر وأكثر، إلى القدر الذي يثير قلق الإمارات.
وخلف رسالة الوحدة والوفاق الذي سيسود خلال قمّة مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع، لا تزال الفتنة والمنافسة قائمة بين بعض أعضائه، ولكن بهدوء. وبعد ختام الاجتماع، ستستمر قضايا مثل مصر واليمن، مع الوقت، في اختبار مدى تماسك المجلس.
ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-