كان لحضور تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية قمة مجلس التعاون الـ 37 في البحرين كضيف شرف، أهمية كبيرة، ودلالات كثيرة، وهذا الحضور جاء في الوقت المناسب، لأسباب عديدة، في مقدمتها التأكيد على الشراكة البريطانية - الخليجية في ظل فوضى صنع القرار العالمي، التي دامت ما يقرب من ثمانية أعوام، مرتبطة مباشرة بالتراخي المخيف لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حيال قضايا محورية دقيقة، كما أن حضور ماي، يبعث رسائل واضحة للمجتمع الدولي كله، بأن المملكة المتحدة التي تستعد للخروج من الاتحاد الأوروبي، تسير بخطوات موازية للخروج نحو تعزيز علاقاتها الخارجية وفي مقدمتها الخليجية بالطبع؛ فبريطانيا - بعد الانسحاب - عليها أن تعقد اتفاقيات منفصلة مع بقية دول العالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي نفسه.
والأهم من هذا كله، جاء على لسان تيريزا ماي والمسؤولين المرافقين لها، حيث أكدت أن أمن منطقة الخليج العربي هو في الواقع من أمن المملكة المتحدة؛ أي أن الشراكة الأمنية تبقى في المقدمة، خصوصا في ظل التداعيات التي تشهدها المنطقة من جراء استراتيجية الخراب الإيرانية، والاضطرابات التي تحدث في غير بلد عربي حاليا. فبريطانيا تعرف أن الاضطراب العالمي أخل بالتوازن الذي كان قائما لعقود في المنطقة وخارجها، فضلا عن أن بلدان الخليج العربية تلتزم سياسة واضحة، تهدف أساسا إلى حل المشكلات "مهما كانت كبيرة" بالحوار وعبر أدوات السلام لا الحروب، وبالتالي وجدت لندن أن مثل هذه التوجهات، بل القيم، تستحق المشاركة في الدفاع عنها، والعمل على تكريسها على المدى البعيد جدا إقليميا.
اللقاء المهم الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيسة الوزراء البريطانية على هامش القمة الخليجية، أثبت مرة أخرى مدى قوة ومتانة العلاقات بين الرياض ولندن، ولا سيما أن السعودية والمملكة المتحدة عضوان مؤسسان لمجموعة العشرين التي اتخذت زمام المبادرة العالمية بعد الأزمة العالمية عام 2008. وفي الأشهر القليلة الماضية، أظهر المسؤولون البريطانيون اهتماما بل اندفاعا كبيرا للحصول على حصص في المشاريع التنموية السعودية التي تضمنتها "رؤية المملكة 2030"، وبالفعل أقدمت مجموعة من الشركات والأفراد أيضا على دخول السوق السعودية وفق المنظور الاقتصادي السعودي الجديد. وتسعى تيريزا ماي إلى أن تدعم هذه المسيرة الاستثمارية التنموية أكثر في مرحلة التحضير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فلندن تحتاج إلى شركاء جدد، وتمتين الشراكات التاريخية القائمة، في أعقاب الانسحاب.
وفي كل الأحوال، حضور رئيسة الوزراء البريطانية القمة الخليجية، له من الرمزيات ما له من الحقائق الموجودة على الأرض فعلا. فالمنطقة "كما يعرف الجميع" تمر بمخاطر متصاعدة بأسرع وتيرة، والتحرك الخليجي من خلال مجلس التعاون يتطلب تدعيم أواصر العلاقات المفيدة لهذا المجلس على المدى البعيد، وبريطانيا تشكل أفضل مثال لمثل هذه العلاقات التي ترجع لقرون سابقة. دون أن ننسى أن البلدان الأوروبية بشكل عام وبريطانيا بصورة خاصة، تنظر بعين الشك والريبة إلى إيران سواء على صعيد المنطقة أو الساحة الدولية. فقد أثبت النظام الإيراني أنه لا يمكن أن يمضي قدما إلا إذا نشر تخريبا هنا وآخر هناك. لكن المجتمع الدولي "كما العربي" يعرف تماما هذه المخططات وآثارها الخطيرة على العالم أجمع.
العلاقات المتطورة بين مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا، تصب في مصلحة أطرافها، وعلى هذا الأساس فإنها قابلة للاستمرار بأعلى معايير الجودة إلى ما لا نهاية.
كلمة الاقتصادية السعودية-