الخليج أونلاين-
عام مضى على قمة الرياض الأمريكية - السعودية، عندما جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الممكلة قبل "إسرائيل" في أول زيارة خارجية له، وما تزال المنطقة تعيش تداعيات هذه الزيارة، لا سيما أن حصار قطر والأزمة الخليجية اندلعت بعدها بأيام معدودة.
ففي 20 و21 مايو من العام الماضي عقدت قمة الرياض بمناسبة زيارة ترامب إلى المملكة، وتضمنت اجتماعاً ثنائياً بين الولايات المتحدة والسعودية، واجتماعين آخرين، أحدهما مع دول مجلس التعاون الخليجي والآخر مع الدول العربية والإسلامية بمشاركة 56 دولة، حاضر فيها ترامب عن "السلام والمحبة ومكافحة التطرف".
وخلال الزيارة التاريخية وقع البلدان سلسلة عقود اقتصادية هي الكبرى في تاريخ البلدين، بقيمة 460 مليار دولار، بينها 110 مليارات دولار صفقات عسكرية، مقابل- وفق ما اعتبره ترامب- "حماية بلاده للمملكة طيلة العقود الماضية".
وكان واضحاً منذ بدايتها أن المنطقة بعدها ليست كما كانت قبل القمة، حيث أشار حينها البيان الخاص بالقمة إلى "تغيير قواعد اللعبة"، كإحدى النتائج التي ستسفر عنها.
- البوصلة.. من إيران إلى قطر
وكانت كل وسائل الإعلام والتصريحات الرسمية تشير إلى أن القمة ستستهدف نفوذ إيران في الشرق الأوسط، الذي أرق الرياض وحلفاءها، خاصة أنها تثير الكثير من المشاكل، لا سيما في العراق وسوريا واليمن؛ عبر دعم المليشيات التابعة لها لزعزعة أمن هذه البلدان.
فقد سبق القمة توتر حاد بالعلاقات بين السعودية وإيران منذ إعلان الرياض، في 3 يناير 2016، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها سفارة المملكة بالعاصمة الإيرانية، وقنصليتها بمدينة مشهد، شمالي إيران، وإضرام النار فيهما.
أيضاً، يخيم التوتر على العلاقات بين أمريكا وإيران بسبب عدد من الملفات، أبرزها الملف النووي الإيراني.
لكن المفاجأة كانت أن الهدف المعلن ليس كما أخفته النوايا، فقد تم حصار قطر بعد 15 يوماً من القمة فقط! في خطوة وصفت بغير المبررة، خاصة أن سبل الحوار كانت مفتوحة، فضلاً عن مشاركة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في القمة نفسها وإجرائه حوارات مع مسؤولي العالم، وعلى رأسهم ترامب والملك سلمان.
حسن الدقي، أمين عام حزب الأمة الإماراتي قال: "إذا استذكرنا العوامل الأساسية التي تحكم المنطقة قبل مجيء ترامب وهي مستمرة في التأثير فإن في مقدمة تلك العوامل هي ثورة الشعوب العربية التي أسقطت نصف الأنظمة العربية الرئيسة، والتي تأسست في ظلها الثورة المضادة بقيادة أضعف نظام عربي وهو نظام الإمارات، حتى تمكنه من دمج أجندته الخاصة بأجندة الثورة المضادة، وعلى رأسها القضاء التام على كل الهوامش التي يتنفس منها الثوار العرب، على المستوى الإعلامي والاقتصادي على وجه الخصوص".
وتابع قائلاً لـ "الخليج أونلاين": "وجد محمد بن زايد بمجيء ترامب الفرصة سانحة، أو هكذا اعتقد، للسيطرة على ثروة قطر النفطية وتقاسمها مع الحكومة السعودية، بعد أن يأخذ ترمب حصته منها بالطبع، وهذا الذي يفسر الحصار وارتفاع وتيرة الردح الإعلامي، وشراء ذمم الحكومة الأمريكية في واشنطن".
وبعد عام على قمة الرياض زادت الأزمات في المنطقة تفاقماً واتخذت أبعاداً أخطر؛ بسبب حصار قطر الذي كان سيتطور لنزاع عسكري لولا جهود أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي تبنى تطويق الأزمة والسعي إلى حلها.
تقارير صحفية أمريكية عدة ذكرت أن القمة ومخرجاتها كان مخططاً لها سلفاً، وجاءت نتيجة تفاهمات بين جاريد كوشنير صهر دونالد ترامب، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأيضاً ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
ويشير تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في يوليو من العام الماضي، إلى أن كوشنر عقد مشاورات طويلة مع ولي العهد السعودي قبل قمة الرياض لإدارة الملفات الداخلية والخارجية.
وكشف موقع "إنترسبت" الأمريكي أن كوشنر كان من المؤيدين للحصار، بعد رفض قطري لطلب والده، في نهاية أبريل 2017، تمويل شركته العقارية المتعثرة.
واللافت للانتباه أن موقف ترامب كان متأرجحاً في موضوع حصار قطر، لكن طول أمده، والفشل في تحقيق أهدافه، جعله يطالب بإنهائه بوقت سريع، خاصة أنه يرغب في حشد الجبهة الخليجية لمواجهة إيران، عقب إلغائه الاتفاق النووي معها في مايو 2018.
ولا يخفى على أحد أن الأزمة ضربت أمن مجلس التعاون الخليجي في الصميم، وهددت وحدته للمرة الأولى منذ نشأته، في حين كانت العديد من المشاريع الاتحادية تسير على قدم وساق؛ كالعملة الموحدة والسوق المشتركة.
- وداعاً للقدس
ومن الأمور اللافتة للانتباه أن فترة ما بعد القمة شهدت تراجعاً ملحوظاً بنبرة الخطاب العروبي والإسلامي المعادي لـ "إسرائيل"، ما لبث أن تحوّل إلى خطاب مهادن، بل ومنادٍ بالذوبان مع المحتلّ، تحت شعارات من قبيل "السلام" و"المصالح المشتركة"، وقد انتهى باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في ديسمبر 2018، وسط رد فعل سعودي وعربي بارد.
وبينما كانت قوات الاحتلال تقتل الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة الكبرى، قال ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، لمجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، الاثنين 2 أبريل 2018: إن "الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية أو في جزء من موطن أجداده على الأقل، وإن كل شعب بأي مكان له الحق في العيش بسلام".
وقبل هذا الحديث وذاك، فتح الأمير السعودي الباب واسعاً أمام الإعلاميين والساسة المؤيّدين له لكي يغذّوا العقلية السعودية بمواد التطبيع، ويكفّروهم بقضية فلسطين، التي باتوا يعتبرونها سبباً في خسائر المملكة.
وبلغ الأمر أن دشنت الجيوش الإلكترونية بالمملكة وسماً على "تويتر" حمل عنوان "#الرياض_أهم_من القدس"، فيما بدا واحداً من نشاطات مركز "اعتدال" الذي دُشن خلال قمة الرياض لـ"محاربة التطرف"، وخصوصاً الإلكتروني منه.
وبدا أن وليّ العهد السعودي يجتهد لزرع "إسرائيل" في جسد العرب بوصفها الدعامة التي ستساعده على مواجهة خطر ما يراه الفوضى التي خلقها الربيع العربي، الذي يرى بن سلمان أنه زاد من نفوذ تركيا وإيران بالمنطقة عبر إعلاء خطاب الطائفية.
ويسوّق بن سلمان، عبر أذرعه الإعلامية والسياسية، لنظريّة تقول إن لليهود حقوقاً تاريخية في أرض فلسطين، وإن وجودهم على هذه الأرض لا يمكن اعتباره عدواناً أو احتلالاً، وإنما إحقاقاً لحق أرادت الأنظمة العربية القديمة طمسه طوال عقود.
وفي هذا الصدد قال الدقي، وهو معارض إماراتي يقيم في الخارج، إن الرئيس الأمريكي منذ دخوله البيت الأبيض وهو يعمل على وضع برنامجه الانتخابي قيد التطبيع، مضيفاً، في حديث لـ "الخليج أونلاين": "بمراجعة ذلك البرنامج نجد أن على جدوله هاتين المسألتين: الأولى العمل على توريد مبالغ ضخمة من حكومات الخليج مقابل حمايتها، كما قال ترامب، والثانية: سعيه لتغيير وجه المنطقة عبر صفقة أسماها صفقة القرن، تشمل تهويد بيت المقدس، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وفتح الباب لعلاقات مباشرة بين الكيان الصهيوني والحكومات العربية، وفي مقدمتها حكومة السعودية".
واعتبر الدقي أن جمع دول العالم الإسلامي في قمة الرياض كان مناورة لتمرير مخططات ترامب والسعودية، موضحاً أن "هذه الاستراتيجية ليست جديدة في تاريخ الأداء الأمريكي في المنطقة، فقد عقد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، عام 1996، قمة شرم الشيخ لكي يحقق بها هدفين رئيسيين: الأول مواجهة تصاعد الأداء الجهادي في فلسطين، والثاني جمع السعوديين باليهود، حيث حضر تلك القمة سعود الفيصل وشمعون بيريز، ولكنها ذهبت أدراج الرياح، فإذا أضفنا ما أحدثته الثورة العربية من وعي لدى الجماهير العربية فإن مثل هذه الألعاب ليست إلا حفر قبور لبعض الأنظمة".
- هل لـ"إسرائيل" حق في بلاد العرب!؟
الكاتب السعودي عبد الحميد حكيم كان أحد الأقلام التي تروج لذلك، وبإذن حكومة الرياض، فقد نشر مقالاً عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال فيه إن جميع الكتب السماوية (التوراة والإنجيل والقرآن الكريم) تؤكّد أن اليهود جزء أصيل وشريك في تاريخ المنطقة، وأنهم "ليسوا دخلاء كما تم تصويرهم في الثقافة العربية".
ويعزو الكاتب أسباب كراهية العرب لإسرائيل، و"إنكارهم حقّها التاريخي" في الأرض، إلى رغبة "الأنظمة الديكتاتورية" في إحكام قبضتها على البلاد وتبرير قمعها للشعوب؛ تحت غطاء معاداة "إسرائيل" وبمعاونة الإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين.
ويؤكّد الكاتب أن "القدر أرسل وليّ العهد السعودي في لحظة فاصلة لكي يعيد تصحيح المفاهيم الخاطئة منذ عقود، وليفتح أبواب السلام ويغلق أبواب الفوضى التي خلقتها تركيا وإيران في ظلّ ما عُرف بالربيع العربي"، بحسب تعبيره.
الدعوات العلنيّة سبقها، في أكتوبر 2017، قول مسؤول إسرائيلي لوكالة الصحافة الفرنسية إن وليّ العهد السعودي زار "إسرائيل" سراً، في شهر سبتمبر الماضي.
كما أن وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو الكنيست عن "حزب الليكود"، أيوب قرا، قال لوكالة الصحافة الفرنسية في فبراير 2018: إن دولاً عربية وخليجية "تشترك مع إسرائيل في الخشية من إيران"، ورأى أن أغلب دول الخليج مهيّأة لعلاقات دبلوماسية مكشوفة؛ لأنها تشعر بأنها مهدّدة من إيران لا من "إسرائيل".
والفارق بين ما يحدث اليوم وبين ما حدث قبل 40 عاماً، هو أن الرياض وهي في طريقها نحو التطبيع لا تجد من الجيران من يوقفها أو يهدّدها بالمقاطعة على غرار ما حدث مع مصر.
بل إن من يدورون في فلك المملكة كالبحرين، أو تدور السعودية في فلكهم كالإمارات، يحثّون الخُطا وتكاد أنفاسهم تنقطع سعياً إلى اللحظة التي يتم فيها الإعلان أن "إسرائيل" باتت جارة وليست عدواً ولا محتلاً، وهم كلهم اشتركوا معها في حصار قطر وأطلقوا الزعاريد احتفالاً بقمة الرياض-الأمريكية.
- عقبات أفشلت مخططات القمة
رغم زخم ما أنتجته من أزمات للمنطقة، واجهت مخططات القمة توابع ألقت بها في خانة الفشل، بحسب المعارض الإماراتي، حسن الدقي.
حيث يرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن تلك التوابع تتمثل في "انهيار عاصفة الحزم في اليمن، وقدرة طهران على توسيع جراح السعودية والإمارات" من خلال ذراعها في اليمن المتمثل بالحوثيين.
ويضيف: "انهيار تقاسم النفوذ بين طهران وواشنطن في المنطقة يهدد بتحول مسارات الحرب القادمة لكي تشمل مناطق جديدة، وأول المناطق المهددة هي دول الخليج".
وفي شأن القضية الفلسطينية اعتبر أن "التحرك السريع والمفاجئ الذي قام به الفلسطينيون في مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ المتمثل بمسيرة العودة الكبرى، أبطل فعل السحر الذي ينبغي أن يصاحب عملية نقل السفارة، ومن ثم فقد صعبوا على السعودية والإمارات الذهاب إلى عمليات التطبيع النهائية والمكشوفة".