ديفيد إغناتيوس- واشنطن بوست-
لماذا كان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" خائفا من "جمال خاشقجي" إلى حد إصداره أوامر، في الصيف الماضي، بإعادة الصحفي السعودي البارز إلى المملكة؟ ما هو التهديد الذي مثله وكان يجب إسكاته؟
بهذا السؤال صدر الكاتب الأمريكي "ديفيد إغناتيوس" مقاله الأخير في صحيفة واشنطن بوست، مؤكدا أنه سيظل قائما بعد الانتهاء من التحقيقات في جريمة الاغتيال.
وفي معرض الإجابة، ذكر "إغناتيوس" أن "خاشقجي" كان ينظر إليه باعتباره خطيرا لسبب بسيط، وهو أنه "لا يمكن تخويفه أو السيطرة عليه"، ولأنه كان عقلا غير خاضع للرقابة، وكان صحفيا جريئا ومتحديا، ولم يتقيد بخطوط المملكة (السعودية) الحمراء.
ويضيف: "إذا كنت ترغب في تصور ما كان (خاشقجي) يكافح ضده، فما عليك سوى مشاهدة تغطية مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار هذا الأسبوع في الرياض، فقد كان الجمهور أسيرا إن جاز التعبير، وحصل بن سلمان منه على تصفيق مدو لفترة طويلة عندما أدان جريمة قتل خاشقجي وتعهد بالتعاون مع تركيا".
وفي السياق، يشير "إغناتيوس" إلى صحيفة "عرب نيوز"، التي تتخذ من الرياض مقرا لها، حيث أشادت بـ "حرب التحديث" التي يخوضها "بن سلمان" من أجل استعادة الشرق الأوسط لمجده القديم، ونقلت عن ولي العهد قوله: "أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط".
من منا لا يحب رؤية "بن سلمان" لعالم عربي يشبه أوروبا ويعيش بسلام مع جيرانه؟ هكذا علق الكاتب الأمريكي على مقولة ولي العهد، مضيفا: "لكن لا يبدو أنه (بن سلمان) يدرك أن أوروبا القوية والمسالمة لم تكن مستطاعة إلا بنشر ثقافة قائمة على الحرية والتسامح.
ويتابع "إغناتيوس": "في أوروبا تلك، لا يتعرض الصحفيون المزعجون للقتل ولا يأمر القادة بتسليم المنشقين كما فعل (بن سلمان) مع (خاشقجي)".
ويؤكد كاتب المقال أن النظرة لـ"خاشقجي" باعتباره صنيعة الغرب وليس صوتا سعوديا أصيلا خاطئة؛ لأنه كان جزءا من تراث الصحافة العربية، بتاريخ جسارتها الطويل.
إنه أحدث شهيد عربي لحرية الصحافة، لكنه ليس الأول، بحسب "إغناتيوس" الذي صادف العديد من الأبطال المشابهين له على مدى الأعوام الأربعين الماضية.
تراث الشهداء
وضرب الكاتب الأمريكي عدة أمثلة لمن شاركوا "خاشقجي" طموحه في الحرية والديمقراطية، ومنهم الفلسطيني "توفيق ميشلاوي"، الذي زامله في بيروت، أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وكان يجمع الأخبار كل صباح ليقدمها في ملخص واضح وغير متحيز أسماه "تقرير الشرق الأوسط".
كان حلم "ميشلاوي"، كما أخبر "إغناتيوس"، هو إنشاء وكالة أنباء، بنفس معايير أسوشيتدبرس أو رويترز.
توفي "ميشلاوي" في عام 2012 ، لكنه درب جيلاً من المراسلين العرب البارزين، بمن فيهم "نورا بستاني"، مراسلة واشنطن بوست الحربية، والتي تعمل الآن في تدريس الصحافة بالجامعة الأمريكية في بيروت.
كما ضرب "إغناتيوس" المثال بصحفيين لبنانيين تحدوا الوجود السوري في بلادهم، ومنهم الكاتب بصحيفة النهار اللبنانية "سمير قصير"، الذي "لم يكن يعرف الخوف"، بحسب تعبير المقال، وتم اغتياله في يونيو/حزيران 2005، ومذيعة التليفزيون "مي شدياق" التي بترت يدها وساقها إثر انفجار سيارة ملغومة في سبتمبر/ أيلول 2005، وما زالت مستمرة في حربها المقدسة من أجل حرية الصحافة.
وتكرر الأمر ذاته مع محرر صحيفة النهار "جبران تويني"، الذي قُتل في ديسمبر/كانون الأول 2005، وكتب والده، الصحفي الكبير "غسان تويني" قبل شهر من اغتياله: "بالنسبة لنا، فإن الصحافة الحقيقية ديمقراطية وحرة، إنها منتدى يستطيع فيه الرأي العام التعبير عن نفسه، إنها أداة فعالة للتغيير".
وإزاء هذه الأمثلة، يؤكد "إغناتيوس" أن موت "خاشقجي" قدم هدية لأولئك الذين يريدون المملكة العربية السعودية حديثة ومزدهرة حقا، خلاصتها أنه يمكنهم أن يبدأوا بالبناء على إرث "خاشقجي"؛ لأن "الدولة التي لا تتسامح مع الانتقاد لن تكون أبدا (خارطة طريق لمستقبل الحضارة) كما وصفها أحد الشعارات في مؤتمر الاستثمار بالرياض".