ماجد محمد الأنصاري- الشرق القطرية-
حضرت خلال هذا الأسبوع ندوة مغلقة لمجموعة من الأكاديميين والمثقفين، تناقش حاضر ومستقبل إيران مع مرور 40 عاما على انطلاق الثورة التي مهدت الطريق لتشكل النظام الإيراني بشكله الحالي.
منذ 1979 تحولت إيران تحولا جذريا من شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، ومن دولة ملكية رأسمالية بثقافة استهلاكية عالية مشابهة للنموذج الخليجي اليوم إلى دولة أيديولوجية شمولية بخطاب طائفي عنيف وامتداد يتجاوز حدودها وبشكل لا يتوافق حتى مع مصالحها أحيانا.
في الندوة التي ذكرت كان الحضور خليطا من العرب والخليجيين والإيرانيين وبعض الغربيين الذين عرضوا وجهات نظرهم حول النظام الإيراني ومستقبله في ظل العقوبات الأمريكية الجديدة والواقع المضطرب في المنطقة.
وحيث إن الكلمة التي كنت معنيا بتقديمها كانت حول الخليج وإيران، حاولت أن أؤكد على مجموعة أفكار رئيسية:
الفكرة الأولى هي أن المشروع التوسعي الإيراني ليس مشروعا أيديولوجيا صرفا وليس وليد ما يسمى بالثورة الإسلامية، بل هو امتداد طبيعي لصراع الهيمنة الإقليمية في منطقة الخليج منذ مئات السنين.
فكل حكومة مركزية اتخذت من إيران كلها أو جزء منها مقرا لها حاولت الامتداد عبر الساحل إما عسكريا أو سياسيا وليس ذلك مستغربا، فالخليج العربي يمثل أساس النطاق الاستراتيجي الإيراني غربا، كما أن أفغانستان وباكستان تمثلانه شرقا.
مع فارق أن التركيبة الجيوسياسية في الغرب تجعل ذلك خط تماس إيران بالعالم العربي وتحديدا بالسعودية الخصم التقليدي لها.
فالسعودية وإيران تتشاركان الرقعة الجيوسياسية وبالتالي التنافس الإقليمي بينهما طبيعي ومتوقع، القضية هي طبعا كيف يمارس كل طرف سيادته على الإقليم وكيف تقاوم هذا التأثير بقية الكيانات السياسية.
الفكرة الثانية هي أن استعراضا سريعا لتاريخ العلاقة بين شرق وغرب الخليج العربي، يؤكد حقيقة أن العلاقة هي علاقة ندية وصراع، مجلس التعاون أسس على مبدأ الأمن الجماعي في مواجهة «مشروع تصدير الثورة»، الحرب العراقية الإيرانية كان الخليج فيها بشكل واضح داعما للعراق، وغزو العراق مثل اختراقا إيرانيا ضخما في المنطقة.
واستمر الصراع خلال أحداث الربيع العربي في ثورة سوريا وأحداث البحرين تحديدا ثم حرب اليمن الأخيرة، كل ذلك يعني ببساطة أن العلاقة بين الطرفين لم يتخللها فترات من الهدوء أو التعاون حول قضايا إقليمية لتمثل أرضية لأي تعاون مستقبلي.
وبالتالي حرم النظام الإيراني نفسه من أي فرصة للامتداد شرقا وحرصت الرياض مع الولايات المتحدة على ألا تكون هناك علاقات إيرانية وثيقة عبر الخليج مع أي دولة من الدول الست.
الفكرة الثالثة هي أن دول الخليج الساحلية – وأقصد هنا دول مجلس التعاون باستثناء السعودية - تقع بين مطرقة إيران وسندان السعودية، وأحداث التاريخ القريب شاهدة على التهديد الذي يمثله الطرفان لسيادة هذه الدول.
وبالتالي سعت الكويت وقطر وعمان لعلاقات متوازنة مع الطرفين رغم توتر هنا وهناك. البحرين وبحكم طبيعة الصراع السياسي فيها وتكوينها الديموغرافي اضطرت للاعتماد كليا على الرياض سياسيا واقتصاديا.
اليوم نجد أن الكويت وقطر وعُمان تواجه تحديا قاسيا مع الضغط الأمريكي على إيران من جهة والضغط السعودي الإماراتي من جهة أخرى، وبالتالي يضيق الخناق على صانع القرار الدبلوماسي في هذه الدول وخاصة قطر لاتخاذ موقف واضح من الطرفين.
قريبا ستطبق العقوبات الأمريكية ما يعني أن التعامل مع إيران سيصبح شبه مستحيل اقتصاديا وننتظر لنرى كيف سيؤثر ذلك بشكل مباشر على العلاقات الإيرانية مع هذه الدول الثلاث.
الفكرة الأخيرة هي أن الإيرانيين أضاعوا الفرصة المتاحة أمامهم تماما لتأسيس علاقة متوازنة مع الخليج، وخاصة بعد الربيع العربي، فلم يعد الباب مفتوحا أمام إيران لأي نشاط سياسي طبيعي إلا في إطار توازنات سياسية لدول الخليج العربية.
بعد 40 عاما على ثورة إيران، اليوم تتحمل نتيجة سياسات خاطئة انتهجتها تجاه المنطقة. فحتى مع ممارسات الرياض الأخيرة ومغامراتها لا تمثل إيران بديلا تلقائيا كلاعب إقليمي بإمكانه توفير الحماية والاستفادة من امتداد سياسي حقيقي.