الخليج أونلاين-
غابت القضية الأبرز والأهم، التي توصف بـ"المهددة" لزوال وحدة الكيان الخليجي، عن كلمة رئيس أكبر قمة تجمع قادة الدول الخليجية؛ مما جعل الأسئلة تثار حول أهمية انعقادها إن لم يكن لأخطر قضية من قضاياها أي حضور.
فالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، الذي استضافت بلاده القمة الخليجية الـ39، السبت (9 ديسمبر)، تطرق في معرض كلمته إلى عدد من القضايا في المنطقة، لكن الأزمة الخليجية التي تسببت بشرخ كبير في مجلس التعاون الخليجي لم تكن من بينها.
القضية هذه، ولأهميتها، ما تزال حديث وسائل الإعلام العربي والأجنبي، خاصة أنها تسببت بالضرر لمصالح دول الخليج، لا سيما قطر؛ حيث فرضت عليها السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً منذ يونيو 2017؛ لاتهامها بدعم الإرهاب، في حين تقول الدوحة إنها افتراءات لأغراض سياسية تتعلق بالتأثير في قرارها السيادي.
الأزمة الخليجية تلك لم تغب فقط من كلمة العاهل السعودي، بل أيضاً لم تحضر في كلمة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، البحريني عبد اللطيف الزياني.
الزياني تحدث في كلمته عن ظروف أمنية حساسة تمر بها المنطقة، وأن هذه الظروف- بحسب رأيه- تحتاج إلى تضافر جهود قادة دول الخليج، مشيراً إلى إنجازات حققتها هذه الدول في الفترات السابقة، دون أن يمر- ولو مرور الكرام- على الأزمة الخليجية التي تعتبر بلاده أحد أطرافها.
لكن الصوت الذي صرخ وسط القمة مُنذراً بخطر يترقب دول الخليج كان كويتياً؛ حيث دعا أمير الكويت، صباح الجابر الصباح، في كلمته إلى "وقف الحملات الإعلامية" التي اعتبر أنها "زرعت بذور الفتنة"، في إشارة إلى استهداف قطر من قبل إعلام دول الحصار.
وقال: إن "أخطر ما نواجهه من تحدياتٍ الخلافُ الذي دَبَّ في كياننا الخليجي واستمراره لنواجه تهديداً خطيراً لوحدة موقفنا، وتعريضاً لمصالح أبناء دولنا للضياع، وليبدأ العالم- وبكل أسف- بالنظر لنا على أننا كيان بدأ يعاني الاهتزاز، وأن مصالحه لم تعد تحظى بالضمانات التي كنا نوفرها له في وحدة موقفنا وتماسك كياننا".
سلطنة عُمان أيدت ما أنذر به أمير الكويت، حيث وصف نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العماني رئيسُ وفد بلاده في القمة، فهد آل سعيد، كلمة أمير الكويت بأنها تجسد الواقع وتعبر عنه، ويقتدى بها في عمل مجلس التعاون.
وأيضاً جاء تعليق قطري رسمي تعقيباً على كلمة أمير الكويت، من قبل مدير المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، على منصة "تويتر" قال فيه: "كلمة بليغة من حكيم الخليج، لعلها تصل لمسامع الدولة المضيفة وأتباعها".
ولم تتحدث في القمة وفود كل من قطر والإمارات والبحرين.
القمة التي غاب عنها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أناب عنه فيها وزير الدولة للشؤون الخارجية في قطر، سلطان المريخي، في حين حضر نائب رئيس الوزراء العماني، فهد بن محمود آل سعيد، نائباً عن السلطان قابوس بن سعيد، وناب عن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات، في حين حضر كل من أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى.
وجاء البيان الختامي خالياً من الحديث عن الأزمة التي تعتري منطقة الخليج، وعلق الرميحي بالقول: "ما هذا البيان الختامي الذي لم يناقش حصار قطر وسبل معالجته؟!! على من تضحكون، كفاكم هذا التسطيح والقفز على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها هذا المجلس".
- مشاهدات أخرى من القمة الخليجية
تغييب طرح أهم وأخطر قضية تواجه دول الخليج في قمتهم كان من بين المشاهد العديدة الأخرى التي وثقها "الخليج أونلاين" في خلال تغطيته للقمة الخليجية الـ 39.
إذ بدا واضحاً أن هناك توجيهات من كبار المسؤولين في الدولة بعدم تسليط الضوء على قطر في وسائل الإعلام السعودية عند تغطيتها الحدث البارز خليجياً.
فالتلفزيون السعودي الرسمي كان ينقل وصول الوفود الخليجية في بث حيّ، لكنه تغافل عن نقل وصول الوفد القطري.
وعلى مدى بثه الحي كانت الصورة تنتقل من المشهد الرئيسي للوفود الخليجية إلى مشهد أعلام الدول الخليجية وهي ترفرف في السماء وتستمر الصورة مركزة على مشهد الأعلام في السماء مدة طويلة؛ في دليل واضح على أن المسؤولين عن البث يشوبهم الحذر.
الإعلام الرسمي لم يكن فقط يسعى إلى تغييب قطر عن المشهد في القمة الخليجية، بل كان يهاجمها ويسيء إليها من خلال صوت الإعلامي المكلف بالتعليق المزامن للبث المباشر؛ إذ كان يشيد بمجلس التعاون الخليجي، وأنه سيستمر في عمله رغم تغريد البعض خارج السرب؛ في إشارات واضحة لدولة قطر.
وزارتا الإعلام والخارجية السعوديتان تحاشت تغطيتهما للقمة، رغم كثافتها، إظهار كل ما من شأنه أن يبرز حضور الوفد القطري.
هذا يتوضح من خلال الصور التي نشرتها الوزارتان على موقع كل منهما في منصة "تويتر".
- إصرار سعودي على تغييب قطر!
في مشاهدة بسيطة أخرى لتغطية إعلام المملكة العربية السعودية للقمة الخليجية الحالية، التي تستضيفها الرياض، يتوضح جلياً وجود إصرار سعودي لا على تغييب قطر من المشهد الخليجي فقط، بل ومحاولة إظهار عدم أهمية لوجودها بين هذه الدول.
منها- على سبيل المثال- إنفوجرافيك أعدته وزارة الخارجية السعودية حمل عنوان "محطات من مسيرة مجلس التعاون الخليجي"؛ فقد استعرض الإنفوجرافيك عدداً من القمم الخليجية التي عقدت في عواصم خليجية مختلفة، لكنه أغفل أي قمة من القمم التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة!
- قمم الدوحة.. إنجازات مشهودة
في استعراض بسيط للقمم الخليجية التي استضافتها قطر، يتبين من خلال البيانات الختامية أنها كلها كانت محطات فارقة في مسيرة مجلس التعاون؛ نظراً لأهمية القرارات التي كانت تخرج بها، ومساهمتها بشكل كبير في تعزيز التعاون والتلاحم بين دول التعاون على مستوى القادة والشعوب الخليجية.
ست قمم احتضنتها العاصمة القطرية، آخرها كانت في ديسمبر 2014، وجرت فيها المصادقة على قرارات وتوصيات وزراء الداخلية بشأن إنشاء جهاز شرطة خليجي مقره أبوظبي.
وأيضاً تمت الموافقة على تسريع آليات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة للمجلس، معتمدين إنشاء "قوة الواجب البحري 81 الموحدة"، واعتماد "إعلان حقوق الإنسان" لدول الخليج العربية.
أما أول قمة احتضنتها الدوحة فكانت في نوفمبر 1983، وقد أعلن المجلس في ختامها الوقوف صفاً واحداً خلف منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وشددت هذه القمة أيضاً على ضرورة اعتماد دول المجلس على نفسها في حماية أمنها والحفاظ على استقرارها، وقرر القادة وقتها توسيع دائرة النشاطات الاقتصادية التي يسمح لمواطني دولة عضو بممارستها في الدول الأعضاء الأخرى.
القمة الثانية التي احتضنتها قطر كانت في عام 1990، وهي ما عرفت بقمة "التضامن مع الكويت"؛ بعد غزوها من قبل العراق.
هذه القمة قررت تكليف لجنة من وزراء الخارجية في الدول الأعضاء لتنظيم جولات جماعية إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبعض الدول العربية، وغيرها من الدول ذات الأهمية؛ لتعزيز الجهود السياسية والدبلوماسية الهادفة إلى وحدة الإجماع العربي والدولي الرافض لغزو العراق للكويت، وضمان تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
القمة الثالثة التي تعقد في قطر كانت في ديسمبر 1996، وقد حمل بيانها الختامي عدداً من القرارات المهمة المتعلقة بتعزيز التعاون بين دول المجلس.
أهم هذه القرارات كان تسهيل انتقال الأيدي العاملة الوطنية بين الدول الأعضاء، وفي المجال العسكري والاستراتيجي وافق القادة الخليجيون على رفع كفاءة القدرة الدفاعية الجماعية لدول المجلس، وصولاً إلى تحقيق التكامل الدفاعي بينها.
وفي ديسمبر 2002، كانت المرة الرابعة التي تستضيف بها قطر القمة الخليجية، وهي القمة التي حمل بيان الدوحة الصادر عنها قرار "قيام الاتحاد الجمركي" لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأول من يناير 2003.
القمة الخامسة التي احتضنتها قطر كانت في ديسمبر 2007، وهي الدورة التي شهدت ميلاد "السوق الخليجية المشتركة".
- الجزيرة.. تحوز أعلى المشاهدات في قمة الرياض
على الرغم من أن القمة الخليجية تحتضنها السعودية، التي تملك عدداً من أبرز المحطات الفضائية، ووسائل الإعلام المختلفة في المنطقة، فإن تغطية قناة الجزيرة، التي تبث من الدوحة، حازت المشاهدات الأعلى؛ وهو ما يؤكد ثقلها وتميزها عن بقية المحطات العربية.
وإغلاق قناة الجزيرة كان من بين الشروط التي فرضت دول الحصار على قطر تنفيذها لرفع الحصار عنها، وهو ما رفضته الأخيرة متمسكة بقرارها في الصمود أمام الحصار.
بحضورها القمة الخليجية تكون الدوحة أبقت على "شعرة معاوية" مع مجلس التعاون الخليجي لتشكيل ثلاثي رافض للحصار، مكون بالإضافة إلى الدوحة من الكويت ومسقط، أمام الثلاثي الرياض وأبوظبي والمنامة، الذي يصر على إبقاء الحصار قائماً.
- أين خاشقجي؟
قضية اغتيال الإعلامي السعودي المعروف جمال خاشقجي كان من المتوقع- بحسب مراقبين- أن تطرح في هذه القمة.
فمنذ اغتياله في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، مطلع أكتوبر الماضي، وخاشقجي مادة أساسية للإعلام العالمي والعربي، فضلاً عن تناول قضيته في لقاءات زعماء العالم وكبريات القمم العالمية، آخرها قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في الأرجنتين.
فحكومة السعودية، خاصة ولي العهد محمد بن سلمان، أبرز المتهمين بإعطاء الأوامر لتصفية الإعلامي؛ لمعارضته سياسة ولي العهد؛ وهو ما تسبب بحصول رفض عالمي للجريمة وبشاعة تنفيذها، حيث تشير التقارير الأمنية والمختبرية التركية إلى أن جثة خاشقجي قطِّعت وأذيبت بحامض الأسيد الكيميائي!
وفي القمة الخليجية الأخيرة، بدا واضحاً أن حكومة الرياض انتهجت مع الدوحة ذات النهج الذي اتخذته مع خاشقجي؛ إذ غيّبت حضور قطر باستخدام الأسيد! لكنه ليس أسيداً كيميائياً هذه المرة، إنما أسيد الإعلام.