القدس العربي-
توقع مراقبون للوضع الخليجي انفراجة في الأزمة الكبيرة الناشئة في مجلس «التعاون» الخليجي والتي بدأت يوم 5 حزيران (يونيو) 2017 وذلك بعد بضع إشارات صدرت عن دول الحصار نحو قطر.
ومنها تصريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحدث فيه عن قوة الاقتصاد القطري خلال ما سماه السعوديون «مؤتمر دافوس الصحراء»، وكذلك إشارة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ضرورة استقرار دول الخليج.
وأخيرا دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لحضور قمة مجلس التعاون في السعودية.
كان واضحا ارتباط هذه الإشارات بالوضعية السعودية المرتبكة في العالم إثر افتضاح ملابسات قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي واتجاه الاتهامات مباشرة إلى ولي العهد السعودي شخصيا وانهيار التبريرات والروايات العديدة التي اتخذتها سلطات الرياض لإخراج الأمير من الورطة.
وقد افترضت السلطات في الرياض، على ما يبدو، أن بعض المديح الشكلي للدوحة وللرئيس التركي رجب طيب اردوغان كاف لوقف سيل المعلومات والتحليلات والتغطيات المتدفق حول القضية، أو رفع الآمال بحدوث تسوية ما في خصوص حصار قطر.
لكن الذي حصل بعد ذلك كشف أن تلك الإشارات كانت للتضليل وتسابقت دول الحصار على إعادة ترديد الشروط المتهافتة السابقة من قبيل «وقف التدخل القطري في شؤون دول الحصار».
والمقصود فيه طبعا السماح بتدخل دول الحصار في شؤون قطر الداخلية والخارجية، ووقف وسائل الإعلام الممولة قطريا، مثل قناة «الجزيرة» عن ممارسة مهامها المهنية الطبيعية المتمثلة بتغطية الشؤون السياسية للمنطقة العربية والعالم.
ما فعلته قطر كان مفحما، من جهة، ودبلوماسيا، من جهة أخرى، فقد قامت الدوحة بإعلان قرارها الانسحاب من منظمة أوبك للنفط التي تحولت إلى ذراع لتنفيذ سياسات السعودية وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ثم سربت خبر امتناع أمير البلاد عن المشاركة في القمة الخليجية ما دامت هذه القمة لن تتراجع عن حصار قطر، وكي لا تقطع شعرة معاوية فقد قررت إرسال وزير دولة لتمثيلها في الاجتماع.
بإعلان خروجها من أوبك وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي في قمة الخليج ألقمت الدوحة خصومها المتغطرسين حجرا وأعادتهم إلى المربع الأول ولكن مع أفضلية راجحة للاعب القطري.
فآلة الحصار صارت عبئا سياسيا وماليا كبيرا على أصحابها، والحجج التي ساقوها لتبرير الحصار تآكلت ولم يعد لها معنى، وآلت بهم غطرستهم وسياساتهم القمعية ضد شعوبهم والعمى الذي أصابهم بسبب استقوائهم بترامب إلى فضائح تتصاعد يوما بعد.
وإذا كان اغتيال خاشقجي هو ذروتها لكنه أعاد تسليط الضوء على كل المسار الوحشي لتلك الدول، ومنها جريمة خطف وقتل الإيطالي جوليو ريجيني، واعتقال الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، وحتى قضية الأميرة لطيفة ابنة حاكم دبي التي خطفت بالتعاون مع المخابرات الهندية من أعالي البحار.
يعكس حصار قطر، بهذا المعنى، امتدادا للسياسات الداخلية لدول الحصار، فقمع المواطنين وإسكات المعارضين واعتقال كل من يشتبه في عدم ولائه للنظام الحاكم وعلاقة الكسر والغلبة والتجبر في الداخل لا بد أن تمتد إلى الخارج بتلك الطرق الفضائحية التي شهدناها.
ولابد أيضا أن تحاول فرض الرؤية نفسها على قطر ومنع أي وسائل إعلامية فيها من ممارسة وظائفها الحقيقية في الإعلام لا في التطبيل.
وإذا كانت قطر تحاول جاهدة (ومعها الكويت وعُمان) عدم قطع خطوط الدبلوماسية والعقل مع دول الحصار، فإنها في المقابل لا تستطيع أن تتحول إلى جزء من منظومة تفقدها سيادتها وسياستها في آن واحد.