جيمس دورسي - إنترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة شادي خليفة -
تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نفسها كقائدة لمفهوم التناغم بين الطوائف وبين الأديان، ولكن الزيارة الأولى لبابا الكاثوليك إلى الخليج لم تكن تتعلق بالحوار بالنسبة لدولة الإمارات، بقدر ما يتعلق بالسيطرة السياسية المطلقة.
ووفقا لمقال الصحفي "جيمس دورسي" المنشور في مجلة "إنترناشيونال بوليسي دايجيست"، فإن الإمارات تسعى لتقديم نفسها كرائدة لمفاهيم التسامح الديني ومنع التشدد الديني وحرصت على تعزيز تلك التصورات من خلال زيارة البابا "فرانسيس".
وتعد الإمارات واحدة من عدد قليل من البلدان، إن لم يكن الدولة الوحيدة، التي لديها وزارة تسامح حكومية.
ووفقا لـ"دورسي" فإن الإمارات تسمح، على خلاف حليفها الأقوى، المملكة العربية السعودية، لمعتنقي الديانات الأخرى، مثل اليهود والمسيحيين والهندوس، بالعبادة العلنية وممارسة معتقداتهم.
وأكد سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة "يوسف العتيبة"، في مقال رأي له في "بوليتيكو" في وقت سابق: "اليوم، الإمارات العربية المتحدة هي موطن 200 جنسية مختلفة، وأكثر من 40 كنيسة، وما يقرب من 700 مكان تعبد مسيحي. وترحب المعابد السيخية والبوذية بالمجموعات متعددة الجنسيات. وفي العام الماضي، شرع رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي في بناء معبد هندوسي جديد. وتكثر البعثات المسيحية الإنجيلية في البلاد، وينبض المجتمع اليهودي بالنشاط والحيوية".
ومن خلال استضافة البابا كنجم لحوار بين الأديان ينظمه مجلس الحكماء برعاية الإمارات، تحت عنوان "اللقاء الدولي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية في دولة الإمارات العربية المتحدة"، تأمل الإمارات في تعزيز مكانتها كرمز للتسامح بين المسلمين.
ويعد مجلس الحكماء من بنات أفكار الإمام الأكبر شيخ الأزهر في مصر الشيخ "أحمد الطيب".
ووفقا لـ"بوليسي دايجيست" يعتبر المجلس جزءا من جهد أوسع في الإمارات والسعودية يشمل مجموعات مثل المنتدى العالمي لتعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية، ومراكز "ثواب" و"هداية" التي تهدف إلى مواجهة تأثير الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
ويستهدف الجهد مواجهة أي تعبير سياسي للإسلام، ويشجع على تفسير يفرض الطاعة المطلقة للحاكم. ويتنافس ذلك مع الجهود التركية الرامية إلى الترويج على الصعيد العالمي لنوع أكثر نشاطا من الإسلام، وكذا ترويج المغرب لنفسها كنموذج للإسلام المعتدل.
تدعيم الحكم الاستبدادي
ويرى "جيمس دورسي" أنه على الرغم من أن الإمارات قطعت شوطا كبيرا في تعزيز التسامح مع أنظمة المعتقدات غير الإسلامية وبناء علاقات أكثر انسجاما بين الأديان، إلا أن ذلك يعد جزءا من جهدها لتدعيم الحكم الاستبدادي في الشرق الأوسط الكبير، وإضفاء بيئة غير متسامحة تجاه أي شكل من أشكال النقد أو المعارضة.
ولذلك فإن الدعوة التي أطلقتها الإمارات للتسامح الديني، يرافقها الكثير التعصب السياسي، وتعد هذه المنظومة جزءا من صراع عالمي حول القيم التي تكمن وراء التحولات الجذرية التي تشكل النظام العالمي الجديد.
وينطوي ذلك الصراع على إعادة تعريف مفاهيم التسامح المصممة لضمان بقاء النظام الاستبدادي وتعزيز الاستقرار بمنأي عن مفاهيم الشفافية والمساءلة والتدفق الحر للأفكار.
ووفقا لـ"دورسي"، يظهر الجانب المظلم من مفهوم التسامح الإماراتي نفسه في سلوك البلاد، إلى جانب السعودية، في الحرب المستمرة منذ 4 أعوام في اليمن، والصدع المستمر منذ 20 شهرا في الخليج مع قطر، وقمع أبوظبي الشديد للمعارضة وحرية التعبير.
وأكدت جماعة حقوق الإنسان أن التحالف العسكري السعودي الإماراتي في اليمن "قصف بلا تمييز المنازل والأسواق والمدارس، وأعاق إيصال المساعدات الإنسانية، واستخدم الذخائر العنقودية المحظورة على نطاق واسع.
وعلى الصعيد المحلي، نفذت السلطات الإماراتية اعتداء مستمرا على حرية التعبير وتكوين الجمعيات منذ عام 2011. وما زال الآلاف من العمال المهاجرين ذوي الأجور المتدنية في البلاد عرضة للعمل القسري".
وجادلت مديرة المجموعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، بأن البابا كان في وضع يسمح له بالاستفادة من حقيقة أن الإمارات حساسة تجاه صورتها الدولية، التي تعتمد إلى حد كبير على إبراز نفسها على أنها أبرز دعاة في العالم الإسلامي.
وغادر بابا الفاتيكان، "فرانسيس"، الإمارات في 5 فبراير/شباط بعد زيارة امتدت لثلاثة أيام شارك خلالها في أول قداس مسيحي بمنطقة الخليج حضره أكثر من 130 ألف شخص.