متابعات-
أثار إعلان الولايات المتحدة اعتزامها الكشف عن الجانب الاقتصادي من خطتها لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو ما يُعرف بـ"صفقة القرن"، في البحرين، الشهر المقبل، عاصفة من التساؤلات عن سر تأجيل الحديث عن الشق السياسي، وسبب اختيار المملكة الصغيرة لتكون محطة لانطلاق الصفقة المثيرة للجدل.
وأعلنت أمريكا والبحرين، في بيان مشترك صدر عنهما، الأحد (19 مايو 2019)، أن العاصمة المنامة ستستضيف في 25 و26 يونيو المقبل، مؤتمراً للتشجيع على الاستثمار في المناطق الفلسطينية، باعتبار ذلك خطوة أولى لخطة السلام الخاصة بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وذكرت شبكة "CNN" الأمريكية، نقلاً عن مسؤول في الإدارة الامريكية، أن البيت الأبيض سيعلن عن الجزء الأول من "صفقة القرن" خلال مؤتمر البحرين.
وأكد المسؤول الأمريكي أن هذا الجزء سيشمل الخطة الاقتصادية لتشجيع استثمار رأس المال بالضفة الغربية وغزة والمنطقة.
وسيشارك في المؤتمر، الذي سيترأسه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي؛ وجيسون غرينبلات مبعوث البيت الأبيض بالشرق الأوسط، وزراء المالية وقادة الأعمال العالميون والإقليميون ووزراء إسرائيليون.
إغراءات لقبول التنازل
ويعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة، من خلال الإعلان عن الشق الاقتصادي لخطَّتها للسلام، تهدف إلى تقديم إغراءات للفلسطينيين والدول العربية التي تستهدفها الخطة مثل الأردن ولبنان ومصر، لتقبل فيما بعد بالجانب السياسي.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" الأسبوعية الفلسطينية، محمد أبو جياب: إن "صفقة القرن الأمريكية قائمة، في الأساس، على الاقتصاد وليس على السياسة، والجانب السياسي سيأتي على هامش نتائجها".
ويضيف أبو جياب لـ"الخليج أونلاين": "النتائج السياسية لصفقة القرن ستظهر بعد تطبيق الجانب الاقتصادي منها، وإذا تم ذلك فإن الجميع سيُجبَرون على تنفيذ الشق السياسي".
ويوضح أن الإعلان عن البنود الاقتصادية للصفقة يهدف إلى تقديم إغراءات للفلسطينيين ودول المنطقة، في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، وذلك سيكون مثل "دسِّ السُّم بالعسل"، لأن ما سيُبنى على الاقتصاد فيما بعد سيكون فيه إجحاف كبير وانتهاك للحقوق والثوابت الفلسطينية مثل قضية القدس وحق العودة.
ويشير إلى أن الجانب الاقتصادي لخطة السلام الأمريكية سيتضمن مشاريع عملاقة ستشمل عدداً من دول المنطقة العربية، وضمن ذلك أيضاً الضفة الغربية وقطاع غزة.
ونقلت شبكة "CNN" عن كوشنر، أن الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن" سيناقش أربعة مكونات رئيسة: البنية التحتية، والصناعة، والتمكين والاستثمار في الأفراد، وإصلاحات الحُكم، "لجعل المنطقة قابلة للاستثمار قدر الإمكان".
وقال كوشنر: إنه "عمِل على تفاصيل نموذجية للاقتراح الاقتصادي تحاكي قصص نجاح بولندا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية".
وأكد أن مؤتمر البحرين سيحاول العمل على تجنُّب القضايا السياسية الكثيرة التي جعلت السلام بعيد المنال فترة طويلة، مثل قضايا كون الفلسطينيين سيحصلون على دولتهم الخاصة من عدمه، ووضع القدس، والإجراءات التي تتخذها إسرائيل باسم الأمن، وقضية اللاجئين".
وشدد على أن "الموضوع السياسي سيؤجَّل إلى ما لا نهاية، وإنه غير مطروح، ويجب التركيز على الجوانب الاقتصادية".
وفي السياق نفسه، يرى المختص الاقتصادي أبو جياب أن المال الذي سيمول مشاريع "صفقة القرن" ستقدمه دول عربية وخليجية على وجه الخصوص.
ويعتقد أن ما سيجبر هذه الدول على دفع الأموال هو الحفاظ على مصالحهم مع الولايات المتحدة، والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
لماذا البحرين؟
وعن سبب اختيار البحرين للإعلان عن الجانب الاقتصادي لـ"صفقة القرن" رغم عدم وجود أي ثقل سياسي لها بالمنطقة، يقول أبو جياب: "السر يكمن في عدم رغبة السعودية والإمارات (أكبر حليفين للولايات المتحدة بالخليج) في إثارة الشعوب العربية ضدهما في حال استضافة أي منهما مؤتمر الإعلان عن الصفقة".
ويضيف: "اختيار المنامة جاء لحفظ ماء وجه السعودية والإمارات".
على الصعيد ذاته، يرى الكاتب السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، أن "الشق الاقتصادي لصفقة القرن هو الجائزة الكبرى التي تريد الولايات المتحدة تقديمها للأطراف المعارضة للصفقة مثل السُّلطة الفلسطينية والأردن".
ويقول "المدهون" في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "هذا نوع من الإغراء، يهدف إلى دفع الأطراف المعارضة إلى قبول الجانب السياسي من الصفقة".
ويضيف: "الشق الاقتصادي سيعمل على فتح الأبواب للحضور الإسرائيلي بقوة في المنطقة، وسيجسر الهوة بين الاحتلال والأنظمة العربية".
ويعتبر "المدهون" أن سبب اختيار البحرين للإعلان عن أولى خطوات "صفقة القرن"، يرجع إلى أنها أكثر الدول العربية توجُّهاً نحو التطبيع مع إسرائيل، وأكثرها جرأة على ذلك.
الخطر الإيراني دافع التمويل
ويشير إلى أن المشاريع الاقتصادية التي تتضمنها "صفقة القرن" ستُموِّلها بالكامل دول خليجية.
ويرى "المدهون" أن رغبة تلك الدولة في التخلص من "الخطر الإيراني" الذي تروج له الولايات المتحدة هو ما سيدفعها إلى تمويل مشاريع الصفقة.
ويقول: إن "بعض الدول تعتقد أن البقاء في تحالف مع واشنطن يحميها من الخطر الإيراني ويمنع تمدُّده نحوها".
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الاثنين (20 مايو 2019) عن دبلوماسيين دوليين قولهم: إن "الإدارة الأمريكية تسعى للحصول على مبلغ 68 مليار دولار وتقديمه لفلسطين ومصر والأردن ولبنان، في إطار تنفيذ صفقة القرن".
وقالت الصحيفة: إن "الرئيس ترامب وصهره كوشنر يحاولان شراء طريقهما من أجل عقد الصفقة، حيث يتمحور المؤتمر الاقتصادي حول تأمين التزامات مالية من دول الخليج العربي الغنية، وكذلك الجهات المانحة وآسيا، لحثِّ الفلسطينيين وحلفائهم على تقديم تنازلات سياسية لإسرائيل، دون التطرق إلى الملفات السياسية".