أمجد أحمد جبريل- العربي الجديد-
دعا العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في 18 مايو/ أيار الجاري، إلى عقد قمتين خليجية وعربية طارئتين في مكة المكرمة، عشية انعقاد القمة الإسلامية العادية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، ما يثير أسئلةً ملحةً بشأن الدوافع السعودية إلى هذه الدعوة و"جدوى" هذه القمم و"سقوف" قراراتها وبياناتها في ظل ثلاثة متغيرات حاكمة: تضعضع واقع العلاقات الخليجية البينية منذ حصار قطر قبل عامين. تردّي شبكة العلاقات العربية – العربية، بسبب سياسات دول الثورات المضادة، سيما في سورية واليمن ومصر وليبيا والسودان. توتر العلاقات العربية – الإقليمية، خصوصاً مع إيران وتركيا، بالتوازي مع تسارع التطبيع الخليجي - الإسرائيلي، توطئةً لإطلاق النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، والذي يكرّس هيمنة إسرائيل، وتهميش قضية فلسطين وغيرها من قضايا الشعوب العربية، مع تقليم أظافر المشروعين الإقليميين لتركيا وإيران، ومواصلة خنقهما اقتصادياً، في ظل سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ذي التوجّهات اليمينية الشعبوية.
وقبل تحليل ظروف انعقاد هذه القمم الثلاث، ومعايير الحكم على نجاحها من عدمه، لا بد من الإقرار بأهمية مبادئ "المؤسسية" و"الدورية" و"الانعقاد المنتظم"، في عمل المنظمات الإقليمية وفعاليتها في حل المشكلات، وقدرتها على مواجهة التحديات. وفي هذا السياق ثمّة ثلاث ملاحظات:
أولاها، ارتباط هذه القمم الثلاث، زمنياً وسياسياً، بتعرّض مصالح السعودية والإمارات ومنشآتهما لتهديداتٍ وهجماتٍ خارجية، من جماعة الحوثي اليمنية، بالتزامن مع تصعيد واشنطن ضد طهران، ما يطرح سؤالاً مهمّاً عن الأجندة "الحقيقية" لهذه القمم، سيما في ظل "هيمنة" توجهات الثنائي السعودي/الإماراتي الذي تؤيده مصر عبد الفتاح السيسي، على الوضع العربي الرسمي، وجرّه، عبر شعار "إعادة الاستقرار العربي"، نحو مزيدٍ من الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتكريس استخدام/توظيف مؤسسات مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ناهيك عن جامعة الدول العربية، بوصفهما "مطيةً" لتحقيق أغراض دول هذا "الثلاثي المأزوم"، وأجنداتها غير المعلنة في اليمن والخليج خصوصاً، والعالم العربي عموماً.
المفارقة هنا أن هذه الدول أضعفت، بسلوكها "الانتهازي"، هذه المؤسسات الإقليمية، ما أدى إلى ضرب النسيج الاجتماعي الخليجي والعربي، في مقتلٍ، عبر سياساتٍ مأزومةٍ، منها الحصار الاقتصادي ضد دول عربية، كالعراق وفلسطين واليمن وقطر، وتكثيف سياسات "التخريب والكيد السياسي" ضد دول أخرى، والاستخدام "شبه العشوائي" للأداة العسكرية، خصوصاً القصف الجوي، والانخراط دون تحفظ في أجندة مكافحة الإرهاب الأميركية/الإسرائيلية.
ثم تأتي الرياض وأبوظبي للاستنجاد بالعرب والمسلمين، طلباً لتأييدهم المعنوي، في مواجهة الخصوم، سيما إيران والمليشيات التابعة لها في المنطقة، ما يعمّق حالة الاستقطاب الإقليمي القائمة منذ زمن، في إطار "تصعيدٍ بالوكالة" ضد إيران، "الخصم اللدود" للثنائي السعودي ــ الإماراتي، مع استثناء مصر ــ السيسي ذات التوجهات البراغماتية/ التكتيكية التي لا ترى إيران "عدواً" بالضرورة، وإنما "ورقة ابتزازٍ مفيدة"، تُشهر عند الحاجة ضد السعودية، بهدف "حلب" أموالها طوعاً أو كرهاً، مع التأكيد على دلالات انسحاب مصر أخيرا من جهود تشكيل ما يسمّى "الناتو العربي" لمواجهة إيران، ما يعني محدودية أي فعلٍ عربي تجاه إيران، نظراً لغياب المشروع والرؤية الاستراتيجية عن أغلب النظم العربية، وتنفيذها أجنداتٍ خارجية، بوعي أو بدونه.
ثانيتها أن ثمّة ارتباكاً وتناقضاً في دوائر حركة السياسة الخارجية السعودية، وبغض النظر عن رطانة "الخطاب الدبلوماسي" ودفاعه المزعوم عن قضايا العرب والمسلمين، فإن الرياض تفضّل، سيما في حقبة ولي عهدها محمد بن سلمان، علاقتها بواشنطن على أية علاقة أخرى، سواء مع الحلفاء الدوليين أو الإقليميين أم الخليجيين. وهذا يفسّر المشاركة السعودية الفاعلة في أي لقاءات أو مؤتمرات تحظى بالرعاية الأميركية، بدايةً من مؤتمر وارسو 13و14 فبراير/ شباط الماضي، وليس انتهاءً بالمؤتمر الاقتصادي في المنامة 25 و26 يونيو/ حزيران المقبل، فالقمم الخليجية والعربية والإسلامية ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة للسعودية، إلا إذا كان غرضها تنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة؛ إذ يرى بعضهم أن سعي واشنطن إلى إنشاء "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" (Middle East Strategic Alliance)، هو من ثمار القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض 21 مايو/ أيار 2017، والتي تحدث فيها الرئيس ترامب بالنّص عن "تعزيز الشراكات الحالية، وتشكيل شراكات جديدة لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها"، وضرورة أن "تعمل جميع الدول معاً لعزل إيران، ومنعها من تمويل الإرهاب، وتسليح وتدريب الإرهابيين والمليشيات والجماعات المتطرّفة التي تنشر الدمار والفوضى في المنطقة".
وفي هذا السياق، ترى الباحثة المختصة، مضاوي الرشيد، أن بروز نجم محمد بن سلمان، بعد القمّة إياها، بديلًا لابن عمه محمد بن نايف، كان نتيجة صفقةٍ بين أميركا ترامب والنظام السعودي، مفادها أن يكون بن سلمان الملك المستقبلي، مقابل ثلاثة شروط: أن يشدّد ترامب الحصار على إيران ومعاقبتها وإدراجها على قائمة الدول الإرهابية. وأن يضخ بن سلمان الأموال للاقتصاد الأميركي. وأن يقوم بن سلمان، بمساعدة من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بتطبيع تدريجي مع إسرائيل، مقابل إعادة العلاقة السعودية - الأميركية إلى قوتها السابقة، أي قبل الثورات العربية.
ولكي تكتمل الصورة، نستذكر تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج العربي، تيم ليندر كينغ، في سبتمبر/ أيلول 2018 عن ملامح "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"؛ إذ سيقام على أساس اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية، تربط بين دول الخليج الست، وأميركا ومصر والأردن، لبناء درعٍ ضد التهديدات الإيرانية في الخليج العربي، وصدّ الهجمات السيبرانية، وتنسيق جهود إدارة الصراع من سورية إلى اليمن.
ربما نحن إذاً أمام إعادة صياغة أميركية لأطروحة ثعلب السياسة الإسرائيلية، شيمون بيريز، مطلع التسعينيات، في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، مع تعديلاتٍ بسيطةٍ تناسب عقلية فريق ترامب التفاوضي (صهره جاريد كوشنر، ومبعوثه جيسون غرينبلات، وسفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان)، مع ترويج الأخير "صفقة القرن" في حديثه لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، في 25 إبريل/ نيسان الماضي، أنها تعكس"تفكيراً خارج الصندوق".
تتعلق الملاحظة الأخيرة بشأن القمم الثلاث بوجود ارتباك ما، في صنع الرياض قرارها وفي سلوكياتها، ربما يتشابه مع حالة إدارة ترامب في سياساتها تجاه إيران؛ فلا الرؤية واضحة، ولا الأدوات التنفيذية متوفرة، ولا الخطاب السياسي متماسك، فحين يدعو الملك إلى القمم، يواصل وزيره، عادل الجبير، حملاته ضد قطر، ويكثّف التحالف العربي هجماته على صنعاء، على الرغم من وصف وزير خارجية فرنسا حرب اليمن بأنها "قذرة".
هل أصبحت "العشوائية والشخصنة والعسكرة" سماتٍ لسياسات بن سلمان ومستشاريه المقرّبين؟ وهل ستحقق الرياض أهدافها الإقليمية ضد إيران وغيرها، عبر سياسة إيجاد الأزمات الخارجية و"تأزيم الآخرين"، بالتزامن مع الانغلاق الداخلي، وتشديد قمع المعارضة وتصفيتها جسدياً، عبر سياسة اعتقالاتٍ وتعذيبٍ، ثم إعداماتٍ بالجملة؟