الياس خوري- القدس العربي-
وفي اليوم الثاني، ذهبوا إلى الكنيس اليهودي في المنامة، وهو كنيس شبه مهجور، وأنشدوا «عام يسرائيل حاي» أي شعب إسرائيل حي، وداروا حول المنصة ورقصوا انتشاء بالحفاوة «العربية»، التي قدمت لإسرائيل صك اعتراف وعربون انحناء وسجودا للبعل العنصري الذي يعبده جارد كوشنر ومن لفّ لفّه.
واللافت أن المبعوث الأمريكي الخاص للسلام، جيسون غرينبلات، كان ضيف شرف حفلة الرقص في كنيس المنامة، كي يفهم من لم يفهم بعد، أن ما يُسمى سلاما هو دعوة إلى الصراخ بحياة إسرائيل، والاعتراف بـ«حقها» في فلسطين، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني اختفى، وعليه أن يوافق على صيغة العبودية التي سيفرضها عليه الأمريكان والإسرائيليون وحلفاؤهم من ملوك النفط ومشايخه.
انتهت اللعبة.
المشروع الأمريكي واضح لا لبس فيه: «صفقة القرن» تُقدم للخليجيين تغطية اقتصادية في مشروع وهمي لا وجود له، كي ينبطحوا مثلما فعل وزير الخارجية البحريني بصفاقة حين قدم الولاء والاعتراف، وسلّم مستسلما بأن حُماته الجدد هم الصهاينة الإسرائيليون.
لن نقول البديهي وهو أن إسرائيل وأمريكا تضحكان عليهم، «يصطفلوا»، لقد اختاروا طريقهم إلى الهاوية بملء إرادتهم، واعترفوا بأنهم لا يساوون شيئا في موازين القوى السياسية والعسكرية.
وهذا خيارهم كي يستمر بَطَرهم السلطوي وفجورهم. والحقيقة أن هذا كان خيارهم منذ البداية، لكنهم لم يكونوا يمتلكون جرأة إعلانه، فغلّفوه بتقديم خدمات لا تُحصى لأسيادهم الأمريكان، من أفغانستان إلى السودان. دفعوا ثمن حروب أمريكا، رقصوا للسيد ترامب على إيقاع طبولهم، فرقص ترامب لملياراتهم، وأفهمهم أن المال لا يكفي لحماية عروشهم المتداعية، عليهم أن يركعوا عَلنا، كي يترأف بهم السيد الأمريكي ويحميهم.
فركعوا.
إنه زمن الرُكَّع، الذين سجدوا طلبا لرأفة يعتقدون أنهم يستحقونها بسبب امتلاكهم لثروات نفطية هائلة.
أقول امتلاكهم وأنا أعرف وهم يعرفون أنهم لا يمتلكون شيئا، فنفطهم وغازهم وملياراتهم رهينة سيدهم المستعمر، الذي قال لهم كونوا فكانوا. في الماضي، كانوا وكلاء بريطانيا، وعندما غربت الإمبراطورية العجوز، استولت عليهم الإمبراطورية الأمريكية.
كذبوا علينا طويلا، قالوا عن الأخوّة العربية، لكنهم لم يكونوا يوما إخوة أحد، استخدموا الخطاب الإسلامي كي يبرروا اغتصابهم للثروة والبلاد والعباد، وعندما شعروا بأن هناك من يتهددهم، رموا كل الخطابات القديمة، وهرولوا مرحبين بإسرائيل، شقيقتهم الكبرى في العداء لكل أمل عربي بالتقدم والحرية.
في كنيس المنامة، انتهت اللعبة.
الوهابيون الذين بنوا مجدهم على التشدد الديني وبلوروا خطابا لا ساميا عنصريا، لا علاقة للثقافة العربية والإسلامية به، تحولوا اليوم إلى مبشّرين بحقّ إسرائيل في الوجود!
هل رأيتم وجوههم المنتفخة بابتسامة الأذلاء حين يتسوّلون رضى أسيادهم؟
هل شاهدتم السعادة على وجوههم وهم يستقبلون الإسرائيليين العنصريين، الذين يدوسون على كرامة أبناء الشعب الفلسطيني، والذين دمروا القرى الفلسطينية في الجليل وحيفا ويافا وعكا وحوّلوا مساجدها إلى إسطبلات للبقر!
ليس هدفي شتمهم مع أنهم يستحقون ذلك، هدفي أن أتساءل كما يفعل أي إنسان عاقل عن علاقة هؤلاء بفلسطين وقضيتها.
يريدون الارتماء في الحضن الإسرائيلي – الأمريكي، مبروك عليهم، وغدا عندما سيكتشفون ما سبق لجميع عملاء – أصدقاء أمريكا أن اكتشفوه وذاقوه، من شاه إيران إلى حسني مبارك، سنقول لهم مبروك ونعيما.
لماذا يُقحمون فلسطين في موضوعهم. يريدون حلفا مع إسرائيل ضد إيران فليجربوا حظهم، ولكن لماذا عليهم، وعلى الصهر الأمريكي جارد كوشنر، الادعاء بأنهم يفعلون ذلك من أجل أن تزدهر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فلسطين مزدهرة بالمستوطنات اليهودية، وتعيش متعة التمييز العنصري ضد أهلها، وليست بحاجة إلى هذه الزعبرة الأمريكية الجديدة. شكرا يا ملوك النفط، لكن فلسطين لا تريد مالكم ولا ازدهاركم، تابعوا أنتم ازدهاركم، ادعموا العسكر والفاشيين في كل مكان، اشتروا اليخوت والأسلحة، ولكن حلّوا عن ظهر فلسطين وقضيتها.
مشكلة هذه الحفلة التي حولت العلاقات السريّة مع العدوّ الإسرائيلي إلى علاقة علنية يفتخر بها ملوك «مدن الملح»، هو أن إسرائيل باتت تصرّ اليوم على العلنية. لا يريدونك خائنا فقط، بل يريدونك أن تعلن خيانتك وتفتخر بها. وكي يحصل هؤلاء الحكام على الدعم الإسرائيلي عليهم أن يشرعنوا عربيا وإسلاميا خيانتهم. أي عليهم أن يقودوا العالم العربي بأسره وخصوصا الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام والتسليم والركوع.
لكن مشكلة نتنياهو، وعصابة الصهاينة الأمريكيين، هو أنهم يطلبون شرعية ممن لا شرعية له. وهنا يقع سوء التفاهم.
والله لا نريد منكم شيئا يا حُكَّام النفط، مشكلتكم ليست مع الشعب الفلسطيني، قولوا لأسيادكم أن يقتنعوا بإخلاصكم لهم من دون أن تحولوا صفقة القرن تيجانا لرؤوسكم. قولوا لهم إنكم غير قادرين على هذه اللعبة، قبل أن يكتشف سيدكم عجزكم بنفسه ويزداد ازدراء لكم.
مشكلتكم ليست مع الفلسطينيين، مشكلتكم مع شعوبكم وأسيادكم، رجاء حلّوا عن فلسطين، فلسطين لا تريدكم أن تنقذوها من الفقر كي تكبّلوها بالاحتلال.
صحتين على قلوبكم، ذوقوا طعم حب إسرائيل، ولكن رجاء اعرفوا جيدا ماذا تفعلون، فغدا عندما يطعنكم الإسرائيليون والأمريكان لن تجدوا أحدا إلى جانبكم.
أما الشعب الفلسطيني المُحاصَر بالخيانة منذ سبعين سنة، فسيجد طريقه إلى حريته وكرامته من دونكم ورغما عنكم.