طه العاني - الخليج أونلاي-
تستعد دول مجلس التعاون الخليجي لعقد القمة الخليجية الثانية والأربعين في 14 ديسمبر الجاري، والتي تتزامن مع تغيرات مفصلية قد تشهدها المنطقة، خاصة بعد استئناف مفاوضات الملف النووي مع إيران، وتراجع الثقة بالموقف الأمريكي والتزامه بأمن المنطقة.
مصادر دبلوماسية خليجية كشفت مؤخراً، أن القمة المقبلة ستناقش مفاوضات فيينا المتعلقة بالاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، واستمرار التدخلات الإيرانية في دول المنطقة ودعمها للمليشيات.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن تلك المصادر قولها إن القمة ستناقش أيضاً أزمات اليمن والعراق وسوريا وليبيا والقضية الفلسطينية، والعلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والدول والتكتلات العالمية، بما يحقق مصالح دول المجلس.
وبحسب المصادر فإن قمة الرياض تؤكد ضرورة أن تشتمل أية عملية تفاوضية مع إيران على معالجة سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة، وضمن ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة وبرنامجها النووي.
قمة مفصلية
ويجمع المراقبون على أن هذه القمة ذات أهمية خاصة؛ لكونها أول قمة بعد المصالحة الخليجية، ولأنها تتزامن مع ظروف سياسية وأمنية دقيقة تمر بها المنطقة.
وقال وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح، الأربعاء 1 ديسمبر، إن التجهيزات للقمة الخليجية المقبلة متواصلة، مؤكداً أنها ستكون "ناجحة ومفصلية".
ونقلت صحيفة "القبس" المحلية عن الوزير الكويتي، أن "اللجان المشتركة وورش العمل التابعة لمجلس التعاون انطلقت مجدداً منذ إعلان المصالحة، وأن القمة المقبلة ستكون ناجحة، لأنها تقام تحت قيادات رشيدة".
وأضاف: "نحن متفائلون للغاية بأنها ستكون قمة ناجحة ومفصلية فيما يخص العمل الخليجي المشترك".
وتستهدف القمة المقبلة، بحسب ما نقلته الصحيفة الكويتية عن السفير العماني لدى الكويت صالح الخروصي، خطوات التعاون، وتكريس التقارب الخليجي، ومزيداً من العمل لتحقيق تكامل شامل، ومواصلة التواصل بين دول المجلس.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن "القمة ستبحث أيضاً الخطوات التي تم إنجازها على صعيد تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين دول المجلس الست، عبر القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون، لتحقيق التكامل العسكري المشترك والأمن الجماعي لدول المجلس".
وأوضحت المصادر لوكالة الأنباء الألمانية أن الأمين العام للمجلس نايف الحجرف، سيعرض أمام قادة الدول الست البنود التي تم تنفيذها على صعيد رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز وجهود الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو المقترح الذي دعا إليه العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
كما ينتظر أن تتناول القمة المرتقبة استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمقترحات لتذليل أية صعوبات تواجه التنفيذ ومتطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وتحقيق المواطَنة الاقتصادية الكاملة وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي للوصول إلى الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون بحلول عام 2025.
تعاون خليجي
ومنذ انعقاد قمة العلا التاريخية التي شهدت المصالحة الخليجية، تحرص دول الخليج على تفعيل التعاون المشترك بينها، وبدء فصل جديد يقوم على تعاون أكبر داخل المجلس.
وأفاد تقرير أعدّه منتدى الخليج الدولي، بأن دول مجلس التعاون الخليجي وخلال الأشهر العشرة الماضية، التزمت اتفاقياتها، مشيراً إلى القمة الخليجية الكبرى الثانية، "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، التي عُقدت بالرياض في أكتوبر الماضي، واستضافت شخصيات بارزة من كل من قطر ومن دول الخليج، ونتج عن المؤتمر صندوق بقيمة 10 مليارات دولار تم التعهد به بين دول الخليج لمكافحة تغير المناخ، مما يساعد على تعزيز مفهوم العلاقات الوثيقة بين دول المجلس.
وأوضح التقرير أن من نتائج القمة تولُّد رغبة خليجية حقيقية في تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون وفي المنطقة؛ لتقليص التوترات. علاوة على ذلك، كان عاما 2020 و2021 غير عاديين بالنسبة للخليج، نظراً إلى التحديات التي أوجدتها حقبة جائحة كورونا لدول مجلس التعاون الخليجي، وتبادل المسؤولون في المنطقة زيارات عالية المستوى لتعزيز العلاقات الخليجية لما فيه فائدة للمنطقة.
ويرى أن "ازدياد نفوذ دول مجلس التعاون الخليجي بالآونة الأخيرة، في صراعات المنطقة، منحها أهمية إضافية في الشؤون الدولية". لذلك، وفق التقرير، "من الأهمية بمكانٍ أن تظل دول مجلس التعاون الخليجي حذرة، حيث أثرت التغييرات المتسارعة بالمنطقة بشكل كبير في شؤونها الداخلية".
وشدد على ضرورة اهتمام دول الخليج بالعواقب قصيرة ومتوسطة المدى للانسحاب الأمريكي المفاجئ الأحادي وغير المنسق من مناطق التوتر، مشيراً إلى أنه في جميع الاحتمالات، سوف يشتد القتال الداخلي، مما يؤدي إلى كارثة إنسانية يمكن أن تكون أسوأ مما حدث في اليمن، ويتعين على دول الخليج أن تقلق وأن تركز على كيفية تخفيف عدم الاستقرار الإقليمي.
تعزيز المصالحة
ويعتقد المحلل السياسي جابر باقر، أن توقيت القمة الخليجية يسهم في تعزيز الموقف الخليجي والخروج بقرارات منسجمة ما بين دول مجلس التعاون، لاسيما بعد عودة المياه إلى مجاريها في المصالحة الخليجية الأخيرة بقمة العلا في يناير الماضي.
ويضيف "باقر"، في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "هناك سياسات جديدة قد تتبعها بعض الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر، في شأن علاقاتها، كما أن هناك فتوراً في بعض العلاقات كالتي بين قطر والإمارات أو قطر والبحرين، ولكن هذا لا يمنع من الانسجام داخل مجلس التعاون".
ويرى أن هناك قرارات جديدة ستعلن في القمة تتعلق بالوحدة الخليجية، كما أن هناك كثيراً من الأمور ستتم مناقشتها، خصوصاً فيما يخص موضوع جائحة كورونا، وبما يخدم مصالح جميع دول المجلس.
ويشير إلى أن بعض القوانين والاشتراطات الموجودة حالياً قد تُزال بعد القمة، مثل إلغاء شرط فحص الـ"بي سي آر" ما بين دول مجلس التعاون، خصوصاً لمن أخذ الجرعتين أو الثلاث من لقاح كورونا.
ويختتم باقر، حديثه بتأكيد أن الشارع الخليجي ينظر إلى القمة الجديدة من حيث أهميتها؛ لكونها تعتبر قمة ما بعد المصالحة، أو قمة ما بعد عودة العلاقات الأخوية الخليجية.