خالد الجيوسي-الرأي اليوم-
تتصاعد حدّة الأزمة بين العربيّة السعوديّة من جهة، وحزب الله اللبناني من جهةٍ أخرى، فالأمور لم تنته عند حُدود تبادل التصريحات الكلاميّة بين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، وتبادل الاتهامات بالإرهاب، وهي اتهامات بدأها العاهل السعودي الذي وصف الحزب بالإرهاب.
تتوسّع دائرة الأزمة، لتصل حدود تنظيم حزب الله ندوةً أو كما جرى وصفه “بلقاء المُعارضة في الجزيرة العربيّة” أشبه بمُؤتمرات المُعارضات لإسقاط الأنظمة المُتعارف عليها اليوم الأربعاء، ويبدو أنه مشهد شدّ أعصاب المُحاور المُتحالفة مع المملكة من قياديين للأحزاب اللبنانيّة، ومن خلفها الحكومة السعوديّة، التي لا تُحبّذ نهائيّاً تناول مسائلها الداخليّة، وتعتبره تدخّلاً بشؤونها السياديّة، وتُلحق بالمُتطاولين على قيادتها وسياساتها، أشدّ العُقوبات كان آخرها، أزمة الوزير السابق للإعلام جورج قرداحي، ووصفه حرب اليمن بالعبثيّة، وسحبها لسفيرها، شريطة استقالة الوزير قرداحي، وها هو الأخير قد استقال، ولا تزال الأزمة تراوح مكانها، مع عدم عودة السفراء الأربعة المسحوبين (السعودي، البحريني، الإماراتي، الكويتي)، إلى لبنان.
المشهد تصعيديٌ بامتياز من جهة “حزب الله”، فالمُشاركون باللقاء وهم وجوه بارزة تُعارض “النظام السعودي” وجّهت شكرها العلني للمُقاومة الإسلاميّة في لبنان، كما كان لافتاً عقد اللقاء في الضاحية الجنوبيّة أي تحت حراسة وتأمين حزب الله.
وإذا ما جرى النظر لتوقيت استعراض اللقاء الحاد والهُجومي، والذي بثّته قناة “الميادين” بشَكلٍ كامل، ودام لمُدّة ساعة ونصف ومن خلفها قنوات محور المُقاومة، مثل “المنار” و”العالم”، والذي جاء مُختارًا بعناية من قبل حزب الله، وتحديدًا في ذكرى إعدام المُعارض السعودي الشيخ نمر باقر النمر السادسة، وهو أحد أشهر رجال الدين من الطائفة الشيعيّة في المنطقة الشرقيّة، صاحب اللسان السليط في انتقاد رموز سلطة بلاده من العائلة الحاكمة، وصولاً للملك السعودي، وقد حكمت عليه سلطات السعوديّة بالإعدام.
الجُرأة بعقد اللقاء بحدّ ذاته تصعيد غير مسبوق، سيصدم بكل حال حلفاء السعوديّة في لبنان، فهم كما يُقدّمون أنفسهم حريصون على العلاقات مع المملكة، كما حريصون على بقاء اللبنانيين العاملين هناك، لكن يأتي هذا اللقاء ليكون بمثابة تأسيس انطلاقة لتوحيد المُعارضة، التي حضرت منها وجوه بارزة، وألقت كلمات لافتة، وتصعيديّة، لم تُراع مسارات الحل، ورأب الصدع، وحل المشاكل مع المملكة، ويبدو أن الأخيرة كما فهم من كلمات الحاضرين، مارست التنمّر، وتدخّلت في عزل المسؤول الفلاني في لبنان، وتعيين غيره.
ورصدت “رأي اليوم” ما جاء في كلمات الحاضرين “الهُجوميّة” على المملكة، وبدا أن المسوؤلين اللبنانيين ومنهم وزير الداخليّة اللبناني سليم المولوي، لم يف بتعهّداته بخصوص وعده بعدم التعرّض كما قال “للمملكة العربيّة السعوديّة”، ووفقاً للقانون اللبناني، كما يبدو أنه لم يستطع مُمارسة نفوذه لمنع هذا “اللقاء” من أساسه، أو كما طالبه نخب صحافة المملكة، ومُثقّفيها، والذين هبّوا غاضبين على إثر اللقاء، ونجمه الراحل الشيخ نمر باقر النمر، أو كما وصفته قناة “العربية” بالإرهابي، والمحكوم بالإعدام، والمطلوب بقضايا أمنيّة، والندوة التي تزيد من الشرخ بين السعوديّة، ولبنان.
وكانت بداية الكلمات مع عباس الصادق الذي جرى تقديمه بأنه عضو لقاء المعارضة في الجزيرة العربية، والذي انتقد بدوره فرض الضريبة وارتفار الأسعار والتضخم وتفاقم الانتهاكات في السعودية، واستفراد “ابن الملك” كما وصفه بالسلطة، وإسداء خدمات للشركات الغربية على ظهر رؤية 2030 أكثر منه للشعب.
وكان لافتاً أن الصادق الذي افتتح اللقاء، أكّد أنه لم يكن وليد اللحظة، بل كان يعمل عليه لسنوات لمواجهة كما قال السياسات الغاشمة للنظام السعودي والسعي نحو رفع الظلم وتحقيق العدل، مُعبّرًا عن رفض المُطلق لمسلسل التطبيع لدول الخليج مع إسرائيل، واعتباره خيانةً للأمّة، وهو ما يشي بأن التحضير للقاء، كان يُنتظر له اللحظة المُناسبة لإطلاقه علناً، وقد حضرت مع الامتعاض والغضب الشديد لحزب الله، ووصفه من قبل الملك السعودي بالإرهاب.
وكان من أبرز الحاضرين المنظمين الدكتور فؤاد إبراهيم الذي شدّد في كلمته على ضرورة تغيير شامل، وأن هذا التغيير مهمة شعب لا مهمة دولة، فهو الذي يقرر شكل النظام.
ولم يُغفِل اللقاء، جلب قيادات المُعارضة السعوديّة في الخارج، والذين ألقوا كلمات مُسجّلة، منهم مثل الدكتور حمزة الحسن الذي قال بأنهم مُنفتحون على كل التوجهات السياسيّة، وتأييد أي مبادرة لتوحيد جهود المعارضة وتأييدها، ومنع فرح النظام كما قال بأي خلافات بين المعارضين، وعمله على إحيائها، وتضخيمها، إلى جانب الشيخ جاسم المحمد علي الذي حذّر من التهديدات الوجودية على الجزيرة، ومن العهد السلماني الذي يصدر على حد وصفه الوباء الاجتماعي الثقافي والمشهد التطبيعي وتشويه الصورة الإسلامية.
وبدا أن اللقاء ليس غرضه إطلاق لقاء المُعارضة فحسب، بل جمع جميع المحور الذي يُعادي سياسات السعوديّة، كما وردًّا على مُؤتمر الحوار الوطني العام الذي جرى إطلاقه لبنانيّاً لرفع كما كان شعاره “الاحتلال الإيراني عن لبنان”، وهو تصعيد يُقابله تصعيد، فحضرت حركة أنصار الله الحوثية، وجاء في كلمة مُمثّلها التأكيد على كلمة حق عند سلطان جائر كما فعل الشيخ نمر النمر، وأن حكام السعوديّة سحقوا أهل الحجاز، وبات من النادر أن نجد أحدا ينتقد النظام السعودي، وطغيانه، وكلمة الحق يرونها ضلالاً، كفرًا بواحًا، وحين عجزوا عنه قتلوه، وهي إدانة صارخة لقاتليه.
عروبيّاً حضرت كلمة نجاح واكيم رئيس الجبهة العربية التقدمية الذي قال بأن الشعب السعودي يتعرّض لما يتعرّض له الشعب الفلسطيني على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأشار إلى غياب الإعلام العربي والعالمي عن تغطية الفظاعات التي يرتكبها النظام السعودي ضد شعبه، وذكّر بدور الملك السعودي المؤسس في المساعدة في تأسيس إسرائيل ورسالة الملك دليل على ذلك، ودور المملكة في تخريب الوحدة بين سورية ومصر، مُطالباً أن يكفّوا عدوان السعودية على لبنان.
إسلاميّاً “سنيّاً” جاءت كلمة غازي الحنينة رئيس مجلس الأمناء في تجمّع العلماء المسلمين حيث دعا لقراءة الفاتحة على الشيخ نمر النمر، والشهداء في فلسطين، وتطبيق الشيخ نمر منهج الرسول محمد، عصاهم فقتلوه، كما أشار إلى “نشر” السعودية لمواطنيها، وقال لها كلمة لا، وقصد به (جمال خاشقجي)، وجريمة اغتياله، وجاءت عبارته الأقوى في قوله نسبت الجزيرة العربية زورًا وبهتانًا لآل سعود، والحكومة تشكل في لبنان طالما هناك مقاومة وسيد مقاومة، ونصيحة للوزير إن هذا الأداء لن يجعلك في نادي رؤساء الحكومات، فلا تغلو ولا تغالي.
ويبدو أن حزب الله، أراد توصيل رسائله إلى السعوديّة، وإعلانه الوقوف بشكل علني خلف “اللقاء” دون مُواربة، أو تهرّب، فختم بحُضور وكلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين الرجل القوي الذي سجّل مواقف تصعيديّة لافتة، تدفع بتساؤلات حول ردّة الفعل السعودي، وإن كانت ستكون انتقاميّة من العاملين اللبنانيين في المملكة، أو التضييق على أهالي المنطقة الشرقيّة مسقط رأس الشيخ نمر النمر، بعد حالة تسامح أمنيّة مُلاحظة، وقال صفي الدين بلهجة تحدّي وثقة نجتمع هنا نصرة لشعب الجزيرة العربية، ولم يسمّهم بالشعب السعودي، تأكيده على أن الشيخ النمر لم ينفذ انقلابًا عسكريًّا، وكان يُظهر الموقف الوطني والأخلاقي، ولم يحمل بندقيّة، ولم يُطلق رصاصة وواجه بالكلمة، والحد الأدنى المطلوب هو كلمة حق بوجه سلطان جائر، وتذكيره بأن الذين يقتلون في اليمن هم عرب أقحاح، والمقاومة عربية، وفي فلسطين عرب.
وشدّد على أن المطلوب القول لسياسات لآل سعود كفى، كفى تخريبًا، وكفى هتكًا، وكفى قتلًا، المطلوب من السعودية الكف عن سياسة التنمّر، وألا تتدخّل وتفرض رأيها على اللبنانيين، وكل الذين يُدافعون عن السعوديّة، يقفون معها لأنها تدفع، وليس حرصًا على العلاقات معها، وجاءت العبارة شديدة اللهجة ختاماً حين قال: أقول لصيصان أمريكا إن هذه المقاومة هي قادرة على إنجاز وطن حر وشريف دون ارتهان للخارج.
ختم صفي الدين كلامه بالقول: نقف إلى جانب المعارضة السعوديّة وندعمهم، وهي عبارة تضع علامات استفهام وتساؤلات، حول شكل هذا الدّعم الذي يُمكن لحزب الله، ومن خلفه إيران أن تُقدّمه للمُعارضة السعوديّة، وأيّ سقف يُمكن أن تصل إليه، فإيران أوصلت السلاح على سبيل المثال للمُقاومة في غزّة، رغم حصارها من دولة الاحتلال الإسرائيلي، مثلما أوصلته لحركة أنصار الله في اليمن، وهل تكون تهديدات صفي الدين، وخلفه حزب الله، رادعاً للسعوديّة، للكفّ عن التنمّر كما طالبها، والتدخّل في شُؤون لبنان، كما تطلب في المُقابل الجميع عدم التدخّل في شُؤونها، وتغضب لذلك، تساؤلات مطروحة.
ولوحظ غياب شخصيّات سعوديّة مُعارضة تُقيم في الخارج، وخاصة في لندن، مثل محمد عسيري، ومضاوي الرشيد، ونجل سلمان العودة، وما زال من غير المعروف ما إذا جرى توجيه الدعوة لهؤلاء للحُضور أم لا؟.