عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة الخليج الجديد-
اعتبر تحليل مطول نشره "المركز العربي واشنطن دي سي" أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نجح في استغلال القمة العربية الأخيرة التي استضافتها السعودية في جدة، للمساعدة في جعل نفسه الزعيم العربي بلا منازع في أوقات التغيير الإقليمي والدولي الجاد، لكن ما حدث في القمة، وسوابق ابن سلمان تشير إلى أن هذه الزعامة لا تقوم على أسس حقيقية، وتميل للمصالح الشخصية.
وقال التحليل، الذي كتبه الباحث الأكاديمي عماد حرب، مدير الأبحاث والتحليل في المركز، وترجمه "الخليج الجديد"، إن قمة جدة شهدت "تتويجا جديدا" لمحمد بن سلمان كزعين للنظام السياسي العربي الحالي، مشيرا إلى أن هذا "التتويج" سيساعده على زيادة النفوذ الاقتصادي للمملكة العربية السعودية من خلال إضافة الثقل الجيوستراتيجي في تعاملاته مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا وغيرها.
ويرى الكاتب أن القمة لم تشهد أحداثا تستحق الذكر، سوى مسألة إعادة تأهيل أخطر قادة العالم العربي المستبدين، رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي أشرف على قتل شعبه وتدمير بلاده، علاوة على "تمويه التطبيع" عبر تجاهل انتقاد إسرائيل، رغم أن التطبيع الإسرائيلي العربي شجع تل أبيب على تصعيد عداونها على الأراضي والشعب الفلسطيني.
بالإضافة إلى ذلك، حفلت قمة جدة بتشدقات كلامية جوفاء عن الأزمة في اليمن، التي تسبب محمد بن سلمان في جزء كبير منها، والمطالبة بإنهاء الصراع الدموي في السودان، رغم أن أطرافا بالقمة هي من تذكي الصراع عبر دعم طرفيه، بحسب الكاتب.
تأهيل الأسد
ويقول التحليل إن الأسد جرى إعادة تأهيله واستقباله بحفاوة في قمة جدة، فتشجع على إلقاء محاضرة عصماء على القادة العرب، متحدثا عن وجوب عدم التدخل بشؤون البلاد الداخلية، رغم أنه أدخل إيران ومنحها مفاصل سوريا، بعد أن دعمته لإخماد الثورة ضده.
ويعتبر الكاتب أن قبول عودة الأسد إلى الصف العربي يبعث برسالة إلى طهران مفادها أن الرياض صادقة في انفتاحها على العلاقات وأن العالم العربي مستعد لترك ما مضى في علاقاته مع إيران ونسيان الآثار الضارة للحرب في سوريا، مع ملاحظة أن السعودية، ذاتها، هي التي دافعت خلال قمة الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن استمرار جهود عزل الأسد ورفض قبوله في الجامعة العربية، وهو موقف شاركتها فيه مصر، حيث اشترطت الرياض أن يبتعد الأسد عن إيران.
لكن السعودية تعيد الأسد إلى الصف العربي اليوم دون أن يدفع ما طلبته في قمة الجزائر، فلا هو ابتعد عن إيران، ولا أرسى أي أسس لحل سياسي للأزمة، ولم يسمح بعودة اللاجئين، إلا بعد الحصول على مليارات تحت بند إعادة الإعمار، بل إن السعودية قد تدفع له 4 مليارات دولار مقابل وقف تدفق الكبتاجون الذي يصنعه، والذي تحول إلى وباء في المملكة.
تمويه التطبيع
وبينما انتقد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إسرائيل وشجب استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية خلال قمة نوقمبر 2022، اكتفى ابن سلمان في قمة جدة 2023 بالإشارة إلى التمسك بمبادرة السلام العربية 2002 والتي تركز على إقامة دولة فلسطينية على الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، وعاصمتها القدس، مع تجاهل شجب تصعيد إسرائيل.
ويرى الكاتب أن ما سبق يشير إلى أن ابن سلمان تعمد التمويه على مسألة التطبيع والمطبعين، ليمنح نفسه والسعودية الحق في التطبيع مستقبلا مع إسرائيل، على الرغم من أن السعودية لا تزال غير مؤيدة بشكل كامل للتطبيع، إلا أن ضغوط الإدارة الأمريكية والحوافز المحتملة للأمر على الرياض قد يغير الأوضاع.
وتشير قمة جدة إلى أن محمد بن سلمان حاول أن يضمن بيئة سلسة لفتح العلاقات مع إسرائيل، مهما كان تأثير ذلك على الفلسطينيين وقضيتهم، يقول الكاتب.
ويضيف: قد تستحق هذه المقامرة كل هذا الجهد، وقد تعمل بشكل جيد في سعيه لجعل نفسه والمملكة لاعبًا جيوستراتيجيًا محوريًا في الشرق الأوسط ، يتودد إليه أمثال الولايات المتحدة ، والصين ، وروسيا ، وأوروبا.
اليمن والسودان
يقول التحليل إن تلك القضتين حازتا على "بعض الاهتمام" خلال قمة جدة، وكان إدراجهما في البيان أمراً مألوفاً في القمة العربية للدول المتنازعة ، على الرغم من أن العديد من الحاضرين في جدة متورطون في جانب واحد من النزاعين أو في آخر، بطرق تمنع الدول التي مزقتها الحرب من تحقيق المطلوب سياسيًا واقتصاديًا، والسلام الاجتماعي الذي يستحقونه.
ففي السودان، تدعم الإمارات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وتدعم مصر خصمه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، بينما فشلت السعودية في إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي اليمن، تفاوضت السعودية مع الحوثيين مباشرة في إطار محاولاتها للخروج من المستنقع اليمني، فمنحت الجماعة بهذه المفاوضات شرعية سياسية وسيطرة ستؤثر سلبا على الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي.
ويختم الكاتب تحليله بالقول إن محمد بن سلمان دشن مكانته الجديدة في النظام العربي خلال قمة جدة، لكن تلك المكانة تتطلب أن عمل من أجل تغيير حقيقي في النظام السياسي والاقتصادي العربي ، بدلاً من مجرد الإدلاء بتصريحات جوفاء عن الوحدة العربية والمصير المشترك، لا سيما أن سجله حتى الآن، بدخوله الحرب المتهورة في اليمن وقتله لكاتب العمود بـ"واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، وتأهيله لبشار الأسد، لا يضمن نه سيكون قادرًا على المساعدة في توجيه العالم العربي في الاتجاه الصحيح، بل في اتجاه مصالحه الشخصية.