كمال صالح - الخليج أونلاين-
يشهد الأسبوع المقبل حراكاً رسمياً عربياً وإسلامياً على مستوى القادة في العاصمة السعودية الرياض، في مسعى جديد لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي أتم شهره الأول، بكلفة إنسانية باهظة.
منظمة التعاون الإسلامي أعلنت عن قمة طارئة بدعوة سعودية، في الرياض يوم 12 نوفمبر الجاري، والتي ستُعقد بعد يوم من القمة العربية الطارئة التي ستعقد أيضاً في المدينة نفسها، بطلب من المملكة وفلسطين، لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف الحرب، ومساعدة سكان القطاع.
وتأتي هذه القمم المرتقبة مع تصعيد في الموقف العربي تجاه ما يحدث في غزة من جرائم، في ظل حالة غليان تعيشها شعوب العالم وفي المقدمة شعوب الدول العربية والإسلامية، رداً على تلك المجازر اليومية، والتي تتم بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية ودول أوروبية عدة ألقت بكل ثقلها لمساعدة دولة الاحتلال.
مبادرة سعودية
المنحى الخطير الذي يأخذه العدوان الإسرائيلي على غزة دفع السعودية إلى الدعوة لعقد قمة إسلامية استثنائية، يوم 12 نوفمبر في العاصمة الرياض، لبحث العدوان الوحشي على القطاع.
وكانت الرياض قد احتضنت، في 18 أكتوبر، الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، لمناقشة الحرب في غزة، وسط إجماع عربي وإسلامي تجاه جرائم الاحتلال، وتأكيد على أن ما يحدث هو حرب إبادة مرفوضة.
ويوم السبت المقبل الموافق 11 نوفمبر، ستحتضن الرياض القمة العربية الطارئة، بهدف الخروج برأي عربي موحد إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بناءً على طلب رسمي من السعودية وفلسطين.
القمة، وفقاً لدبلوماسيين تحدثوا لقناة "سكاي نيوز عربية"، في 31 أكتوبر، "ستتبنى موقفاً رافضاً للدعوات الإسرائيلية لنزوح الفلسطينيين سواء داخلياً، من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، أو إلى دول مجاورة، كمصر والأردن".
وأوضح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، أن هناك "أموراً كثيرة على المحك خاصة مع بدء العملية البرية لجيش الاحتلال"، مضيفاً أن "الدول العربية ستضع نصب أعينها القرارات الأفضل لمساعدة الفلسطينيين على مواجهة هذه الأوضاع".
من جانبه، قال الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، أن توقيت عقد القمة العربية يؤكد على الإجماع العربي برفض العقاب الجماعي الذي تفرضه "إسرائيل" على غزة، إضافة إلى ضرورة التأكيد على زيادة المساعدات الإنسانية، ودخولها إلى غزة ورفض التهجير، وضرورة الوقف العاجل للحرب.
مواقف حاسمة
ومنذ بداية العدوان كانت المواقف والتصريحات العربية واضحة، من حيث تأكيدها على مسؤولية "إسرائيل" عما آلت إليه الأوضاع في غزة والأراضي المحتلة، والتأكيد على رفض العدوان على القطاع، ورفض التهجير وسياسة العقاب الجماعي.
وكانت دول الخليج في مقدمة الدول التي تبنت خطاباً أكثر صرامةً تجاه جرائم "إسرائيل" في غزة، وطالبت بوقف العدوان، ورفع الحصار، والسماح بدخول المساعدات، والبدء بمسار يقود لعملية سلام على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
وأعلنت الكويت عزمها ملاحقة قادة الكيان أمام المحافل الدولية، في حين طالبت سلطنة عُمان بمحاكمتهم أيضاً على جرائم الحرب التي يرتكبونها في غزة، لتتخذ البحرين خطوة عملية بسحب سفيرها من تل أبيب ومغادرة سفير "إسرائيل" من المنامة، وقطع العلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال.
كذلك سحب الأردن سفيره من تل أبيب، وأعلن على لسان رئيس وزرائه، بشر الخصاونة، الاثنين 6 نوفمبر، أن أي محاولات لخلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة، ستعتبر بالنسبة لعمّان بمثابة "إعلان حرب".
بل وذهب رئيس وزراء الأردن إلى القول: إن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة للأردن في إطار الموقف المتدرج في التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته"، في حين أشار رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، إلى أن قرار جر المنطقة إلى حرب شاملة بيد دولة الاحتلال.
أهمية السياق
من المهم جداً الإشارة إلى السياق الذي ستُعقد فيه القمتان الطارئتان العربية والإسلامية، وفي المقدمة حالة الزخم والتعاطف الدولي على المستوى الشعبي مع غزة والفلسطينيين.
وبالرغم من أهمية القمتين فإنهما، وفقاً للدكتور لقاء مكي، الباحث أول في "مركز الجزيرة للدراسات"، قد تأخرتا كثيراً، مضيفاً: "يوم 11 نوفمبر سيكون قد مضى أكثر من شهر على عملية طوفان الأقصى، وأكثر من شهر على العدوان الإسرائيلي على غزة، كما شهدت الأسابيع الفائتة عمليات تدمير منهجية للقطاع وقتل أكثر من 10 آلاف شهيد، وآلاف الجرحى، ومئات الآلاف من المهجرين، والأزمة الإنسانية الضخمة في غزة".
وأوضح، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن "الدعوة للقمة التي جرت بطلب من السلطة الفلسطينية في الواقع كان يجب أن يتم على الأقل منذ الأسبوع الأول للعدوان".
وأشار إلى أهمية السياق في هذه المرحلة، قائلاً: "أعتقد أن القمة تعقد في سياق من التضامن الدولي مع فلسطين، الشعبي على الأقل، سواء كان في المنطقة العربية، أو حتى في العالم وفي الغرب بشكل خاص".
ولفت إلى أن هناك "تململاً كثيراً من الدول، حتى المُعينة لإسرائيل، من الاستمرار في هذا التأييد، بسبب الصور البشعة لضحايا العدوان الإسرائيلي"، مشيراً إلى أنه يفترض أن "يُمكّن هذا القادة العرب على إصدار قرارات قوية وقابلة للاستجابة والاستماع من قبل الدول الكبرى، قرارات قابلة للتنفيذ، ليست مجرد كلام ووعود لا يمكن تنفيذها".
وقف الحرب تحت البند السابع
"الدعوة لوقف إطلاق النار يجب أن يكون في مقدمة القرارات، ودعوة مجلس الأمن لإصدار قرار فوري، تحت الفصل السابع، لإيقاف العدوان على غزة، ومنع "إسرائيل" من الاستمرار في قصف المدنيين، وفتح المعابر لإدخال المساعدات"، هو المرجو من القمة العربية المرتقبة، وفقاً للدكتور لقاء مكي.
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": "أعتقد أن القادة العرب مطلوب منهم أن يكونوا على مستوى التحدي، فالأمر خطير، وهذا النمط من الإجرام الإسرائيلي في ضرب غزة هو في الواقع فيه امتهان لكل العرب والمسلمين، فضلاً عن أن القصة تتعلق- كما هو معروف- بالانتهاك الإسرائيلي للمسجد الأقصى، وهذه قضية إسلامية مثلما هي قضية عربية".
وبيّن أن ما تريده "إسرائيل" هو "ضرب مدينة غزة، وتهجير أهلها، وهذه نقطة أساسية، عملية التهجير وردت على لسان مسؤولين إسرائيليين، والتنفيذ يجري على الأرض"، مشيراً إلى أن "هذا سيكون عنصر تهديد للأمن المصري، فضلاً عن القضية الإنسانية والحقوقية المتعلقة بغزة نفسها".
نكبة جديدة ومصر مستهدفة
ويبدو أن الأوضاع في قطاع غزة تمضي نحو نكبة ثانية، وحول هذا يقول مكي: "تريد "إسرائيل" أن توقع نكبة ثانية على غرار 1948، في ذلك العام حاول بعض العرب القتال وفشلوا، وسمحوا بالتهجير واحتلال فلسطين"، متسائلاً: "هل سيقبل العرب بنفس السيناريو اليوم بعد حوالي ثلاثة أرباع القرن؟".
وأشار إلى أن "العرب يدركون أن الأمر يجري بهذا الشكل، ولديهم تجربة سابقة مريرة، نعاني من آثارها حتى اليوم".
واستطرد قائلاً: "أعتقد أن من الصعوبة بمكان قبول مثل هذا، عمليات الضرب المستمرة والعدوان على غزة، قد تقود إلى هذا التهجير، وستكون مصر هي المتضرر الأكبر منه، وأعتقد أن مصر مثل غزة بحاجة إلى دعم وإلى رفض لمبدأ التهجير نفسه، ودعوة المجتمع الدولي، ومجلس الأمن بشكل خاص، لإصدار قرار يتضمن رفض التهجير، كي يكون هناك إلزام لـ"إسرائيل"، ومن ثم يوضع هذا في قرار دولي، وليس مجرد دعوات ونداءات".
ورأى مكي أن تهجير غزة ربما يمتد لاحقاً إلى تهجير أهالي الضفة إلى الأردن، ومن ثم "نحن أمام أحجار دومينو متساقطة، ستشمل جميع الدول العربية، أو على الأقل في الشرق الأوسط".
مقاطعة حلفاء "إسرائيل"
ويبدو أن عملية ردع "إسرائيل" تحتاج إلى ما هو أبعد من القرارات أو الدعوات، وحول هذا يقول الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات: إن "الدعوات ربما تؤثر في بعض الدول، لكن كثيراً من الدول الغربية، ولا سيما في مجلس الأمن، ربما لن تستجيب للدعوات العربية والإسلامية إن لم يصاحبها نظام ردع حقيقي، يتضمن مثلاً إيقاف تصدير النفط والغاز إلى الغرب، وأي دولة مساندة لـ"إسرائيل"، ما لم يتم الاستجابة لهذه المطالب".
وأضاف: "الأمر الآخر إيقاف التعامل مع الشركات الغربية المساندة لـ"إسرائيل" في أي دولة من قبل البلدان العربية الإسلامية"، لافتاً إلى أن ذلك "سيكون مدمراً للاقتصاد الغربي، وأعتقد أن الكثيرين سيعمدون إلى تعديل مواقفهم".
وأشار أيضاً إلى المقاطعة التجارية، وتجميد العلاقات الاقتصادية مع الدول المساندة لـ"إسرائيل"، وإيقاف عمليات التطبيع، وسحب السفراء وتجميد العلاقات من قبل دول مثل مصر والمغرب والإمارات، لكون الأردن هو الوحيد الذي قطع العلاقات.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك حضور عربي وإسلامي في عمليات الإغاثة، وإجبار "إسرائيل" والغرب على فتح المعابر، خصوصاً معبر رفح المصري الفلسطيني.
وقال مكي: "يجب أن يكون هناك قرار عربي بإدخال المساعدات إلى غزة، دون شروط الموافقة الإسرائيلية والتفتيش الإسرائيلي"، لافتاً إلى أن هذا "أقل ما يمكن تقديمه لغزة من قبل القادة العرب"، إلى جانب "رفض العدوان والتأييد الغربي لـ"إسرائيل" من قبل دول هي أيضاً صديقة للعرب".