سلمى حداد - الخليج أونلاين-
لم يعد رأس المال المخاطر أو الاستثمار الجريء "لعبة قمار" يخوضها عدد قليل من رجال الأعمال الذين لا يؤمنون بمعادلة "رأس المال الجبان"، بل توجهت إليها دول تسعى إلى تطوير اقتصاداتها والتحول إلى مراكز تجارية ومالية دولية.
وتحت مظلة هذه المعادلة دخلت المملكة العربية السعودية في إطار خططها لتنويع الاقتصاد واستثمار عائدات النفط بشكل يوصلها إلى مرحلة ما بعد الطاقة الأحفورية.
ونجحت المملكة بالسنوات القليلة الماضية في التوغل في أعماق هذا القطاع لتستحوذ، في العام 2023، على أكثر من نصف إجمالي الاستثمار الجريء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ما الاستثمار الجريء؟
الاستثمار الجريء شكل من أشكال التمويل الذي يوفر الأموال للشركات الناشئة في المراحل المبكرة مع إمكانات نمو عالية، في مقابل حقوق الملكية أو حصة الملكية.
ويخاطر المستثمر الجريء بالاستثمار في الشركات الناشئة، على أمل أن يربح عوائد كبيرة عندما تصبح الشركات ناجحة.
ويتملك أصحاب رأس المال الجريء حصصاً في المنشآت التي يستثمرون فيها مقابل المخاطر المحيطة بالاستثمار.
الأولى بالمنطقة
وفي أحدث المؤشرات على تفوق السعودية في هذا القطاع تصدرت المملكة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للمرة الأولى، من حيث إجمالي قيمة الاستثمار الجريء في عام 2023، حسب منصة "MAGNiTT" المتخصصة في إصدار بيانات الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة في المنطقة.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن (MAGNiTT)، في 8 يناير الجاري، استحوذت المملكة على الحصة الكبرى التي بلغت 52% من إجمالي الاستثمار الجريء في المنطقة للعام 2023 مقارنة بـ31% في عام 2022.
وحققت المملكة نمواً في إجمالي الاستثمار الجريء بنسبة بلغت 33% في 2023 مقارنة بعام 2022.
ووفق وكالة الأنباء السعودية "واس" فإن ذلك يؤكد جاذبية السوق السعودية، ويعزز بيئتها التنافسية، ويرسخ قوة اقتصاد المملكة بكونه أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومكانتها الرائدة عالمياً بصفتها دولة من دول مجموعة العشرين، وعضواً ضمن مجموعة "بريكس" التي تمثل إحدى أقوى التجمعات الاقتصادية في العالم.
شركة (SVC)
الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة الشركة السعودية للاستثمار الجريء (SVC)، نبيل كوشك، سلط الضوء في مقابلة مع قناة "Business"، في 9 يناير الجاري، على الحراك السعودي في الاستثمار الجريء.
وقال كوشك إن الحراك الحاصل في قطاع الاستثمار الجريء هو جزء من رؤية المملكة للعام 2030 التي ركزت على الاهتمام بالشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة لتنويع الاقتصاد وخلق الوظائف وتحقيق أهداف تنموية متعددة.
وأضاف كوشك أن الرؤية ساهمت في إطلاق العديد من البرامج الحكومية لتحريك الاستثمار في قطاع الشركات الناشئة.
وذكر أن أحد هذه البرامج الهامة هي الشركة السعودية للاستثمار الجريء، والتي ساهمت في إيجاد مديري صناديق محليين وإقليميين، إلى جانب استقطاب مستثمرين عالميين للاستثمار في الشركات الناشئة.
وتابع كوشك: "استثمرت الشركة منذ تأسيسها في أكثر من 53 صندوقاً استثمارياً ضخت استثماراتها في أكثر من 700 شركة ناشئة وساهمت في أكثر 1220 جولة استثمارية".
وذكر أن هذا الحراك كان مهماً جداً لأن البرنامج يساهم ويساعد هذه الصناديق للاستثمار أكثر في السعودية، سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية.
وأوضح أن "حجم الصندوق وصل إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار)، والتزامنا باستثمار أكثر من 3.7 مليارات ريال (نحو مليار دولار) في الصناديق"، متوقعاً استمرار دعم الصناديق التي تركز على الاستثمار في السعودية.
يُشار إلى أن السعودية للاستثمار الجريء شركة استثمارية حكومية تأسست عام 2018، وتتبع بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أحد البنوك التنموية التابعة لصندوق التنمية الوطني.
وتهدف الشركة إلى تحفيز واستدامة تمويل الشركات الناشئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة من مرحلة ما قبل التأسيس إلى ما قبل الطرح الأولي للاكتتاب العام عن طريق الاستثمار في الصناديق والاستثمار بالمشاركة في الشركات الناشئة، وذلك عن طريق استثمار مليارَي دولار أمريكي (7.5 مليار ريال سعودي).
وفي أحدث استثماراتها، أعلنت شركة (SVC)، في نوفمبر الماضي، عن استثمارها 112.5 مليون ريال (30 مليون دولار) في صندوق شركة (IMPACT46) الثالث، الذي بدأ مؤخراً رحلته للاستثمار في الشركات الناشئة في مراحلها المختلفة في المملكة والمنطقة.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الشركة نفسها عن استثمارها 18.75 مليون ريال سعودي (5 ملايين دولار) في صندوق فنتشر للتقنية المالية، والذي يركز على الاستثمار في شركات التقنية المالية الناشئة خلال مراحل نموها المبكرة.
هل من فائدة؟
وفي تحليله لواقع الاستثمار الجريء في دول السعودية، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر: إن "رأس المال المخاطر يشهد نمواً سريعاً بالسعودية".
وأضاف أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن "السعودية بدأت منذ العام 2017 بالتوجه نحو الاستثمار الجريء، وأسست من أجل ذلك شركة مختصة، ما يعني أنها مهتمة بشكل كبير بهذا القطاع".
وتابع أن "الاستثمار الجريء بالمملكة تضاعف نحو 17 مرة منذ عام 2018 إلى 2022".
وأشار إلى أن رأس المال المخاطر يحقق فوائد اقتصادية كبيرة للسعودية على المدى المتوسط والبعيد؛ فهو يساهم بشكل كبير في نمو قطاعات اقتصادية جديدة، خاصة التقنية.
ورأى أن احتمال الخسارة في هذا القطاع عالٍ، لكن أيضاً القفزات مرتفعة، واحتماليتها أعلى في حال اختيار الشركات التي ستتلقى التمويل بعناية ووفقاً للمعاير الاقتصادية المعروفة المرتبط بدراسة السوق وحجم التمويل المطلوب وخطط العمل.
وأشار إلى أن تطبيقات وأفكاراً كانت ناشئة وحققت أرباحاً هائلة وباتت شركات عملاقة مثل "فيسبوك"، وموقع "سوق دوت كوم" السعودي، وتطبيق "كريم" وغيرها من الشركات.
واعتبر أن أهم شرط لتحقيق النجاح في هذا القطاع عدم وضع "البيض بسلة واحدة"؛ أي توزيع رأس المال المخاطر على عدة شركات بنسبة لا تتعدى الـ 15٪ وبذلك يتم ضمان عدم إهدار الأموال في مشروع واحد في حال خسر.
وتوقع المحلل الاقتصادي أن تشهد السعودية نمواً كبيراً لهذا النوع من الاستثمار خلال السنوات المقبلة وظهور قطاعات اقتصادية جديدة تحقق التنوع الاقتصادي المطلوب.