اقتصاد » اسكان ومصارف

إدارة المخاطر في المصارف.. الخليج بمواجهة التحديات الرقمية

في 2025/10/20

طه العاني - الخليج أونلاين

تواجه الأنظمة المصرفية في دول الخليج مرحلة دقيقة تتطلب تعزيز أدوات إدارة المخاطر لمواكبة التحول الرقمي المتسارع، وسط توسع استخدام التقنيات المالية الحديثة وازدياد التهديدات السيبرانية.

ومع تعاظم الترابط بين الأسواق المالية والتطورات التكنولوجية، تتجه المؤسسات المصرفية في المنطقة إلى إعادة صياغة استراتيجياتها في الرقابة والحوكمة، لضمان استقرار الأنظمة المالية وصمودها أمام التقلبات العالمية والمخاطر الرقمية المتنامية.

ملتقى مسقط

ويأتي "ملتقى مسقط الدولي لإدارة المخاطر في المصارف والمؤسسات المالية"، الذي انطلقت أعماله في سلطنة عُمان بدورته الثالثة، في 6 أكتوبر 2025، ليعكس هذا التوجه الخليجي نحو ترسيخ ممارسات مصرفية أكثر مرونة واستدامة.

ونُظم الملتقى من قبل البنك المركزي العُماني بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية، بمشاركة نخبة من الخبراء والمصرفيين من داخل السلطنة وخارجها، ويستمر يومين في العاصمة مسقط.

ويُعد الملتقى، بحسب القائم بأعمال رئيس إدارة الاستقرار المالي والإشراف على المصارف بالبنك المركزي العُماني راشد بن محمد الغساني، منصة تفاعلية لاستكشاف التحديات التي تواجه القطاع المالي العالمي وتطوير حلول عملية واستشرافية، تجمع بين صناع القرار والمصرفيين والخبراء لضمان بقاء الأنظمة المالية مرنة ومبتكرة وآمنة في مواجهة المخاطر المستجدة.

وأوضح الغساني في تصريح نشرته وكالة الأنباء العُمانية، في 6 أكتوبر الجاري، أن النسخة الحالية من الملتقى تتميز بتنوع المتحدثين والجهات المشاركة من مختلف القطاعات، ما يتيح تغطية أوسع لأنواع المخاطر التي تواجه المؤسسات المالية.

وأكد أن الملتقى يركز على تحقيق التوازن بين الابتكار وضبط إدارة المخاطر، مشدداً على ضرورة تمكين القطاعات الاقتصادية المختلفة من الوصول إلى الائتمان الكافي دون الإخلال بمتانة النظام المصرفي وقدرته على امتصاص الصدمات.

وتضمنت جلسات الملتقى نقاشات موسعة حول إدارة مخاطر السيولة وديناميكيات التحول الرقمي، إضافة إلى متطلبات إدارة مخاطر الائتمان والأمن السيبراني، في ظل بيئة مصرفية تتزايد فيها المخاطر المرتبطة بالتقنيات المالية الحديثة.

كما خُصصت جلسة حوارية لتناول سبل تعزيز ثقافة المخاطر وممارسات الحوكمة في المصارف، بما يعزز الانضباط المؤسسي ويحد من المخاطر التشغيلية التي قد تهدد استدامة القطاع.

وأبرز الملتقى، في سياق أوسع، إدراك سلطنة عُمان ودول الخليج لأهمية تبني سياسات استباقية في إدارة المخاطر المالية والرقمية، خصوصاً مع التحول نحو الاقتصاد الرقمي والتمويل المفتوح، وما يفرضه من متطلبات جديدة على البنوك المركزية والمصارف التجارية لتعزيز جاهزيتها واستقرارها في مواجهة التحديات المقبلة.

التعاون الخليجي

وفي سياق متصل بجهود تطوير إدارة المخاطر وتعزيز متانة الأنظمة المصرفية، تواصل دول مجلس التعاون الخليجي تنسيق سياساتها النقدية والرقابية عبر اجتماعات دورية تجمع محافظي البنوك المركزية.

فقد عُقد، في 16 سبتمبر 2025، الاجتماع الـ85 للجنة محافظي البنوك المركزية بدول المجلس في دولة الكويت، بمشاركة كبار المسؤولين من المؤسسات النقدية والأمانة العامة لمجلس التعاون، لمناقشة التطورات النقدية والمالية وأوجه التعاون في المجالات المصرفية.

وركز الاجتماع على تعزيز نظم المدفوعات والتكنولوجيا المالية، وتوسيع نطاق التعاون في الإشراف والرقابة المصرفية، وتبادل الخبرات في الأمن السيبراني، إلى جانب دعم الجهود الخليجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتمت مناقشة سبل رفع كفاءة القطاع المصرفي الخليجي من خلال تبني أفضل الممارسات الإقليمية والدولية في الحوكمة وإدارة المخاطر.

وفي إطار العمل الخليجي المشترك أعلن بنك الكويت المركزي، في 2 أكتوبر 2025، حملة توعوية موحدة على مستوى البنوك المركزية في دول المجلس لمكافحة الاحتيال المالي الإلكتروني، بالتزامن مع شهر التوعية بالأمن السيبراني.

وتمثل هذه الحملة، وهي الأولى من نوعها خليجياً، خطوة عملية لترسيخ مفهوم الوقاية الرقمية وتعزيز الوعي العام بمخاطر الاحتيال والتصيّد الإلكتروني وأساليب الهندسة الاجتماعية التي تستهدف العملاء في البيئة المصرفية الرقمية.

وتستهدف الحملة نشر ثقافة مالية أوسع بين المتعاملين مع المصارف، مع التركيز على التحذير من مشاركة البيانات الشخصية أو التعامل مع المواقع والحسابات الوهمية، وتوضيح مخاطر الاستثمار الزائف واستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال.

وتأتي هذه المبادرات كجزء من الرؤية الخليجية لتقوية التحصين السيبراني ورفع جاهزية الأنظمة المالية في مواجهة التهديدات الرقمية المتسارعة.

ثقة استثمارية

ويؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي أن المؤسسات المصرفية الخليجية تشهد تعاوناً مستمراً ضمن منظومة مجلس التعاون، لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل يشمل الجوانب السياسية أيضاً.

ولفت في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن هذا التفاعل يظل متواصلاً ومستمراً، خاصة في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم.

ويضيف الهادي أن هذه المصارف تولي اهتماماً كبيراً للابتكارات، والإبداعات، والأمن السيبراني، والمخاطر الرقمية.

وأوضح أن ملتقى مسقط لإدارة المخاطر والأمن السيبراني يُعد منصة حيوية جداً لدعم هذا التعاون وإكساب ثقة المتعاملين مع هذه المصارف المركزية في ظل التسارع التقني.

ويشير إلى أن هناك جهداً كبيراً يواكب هذا التسارع في الجوانب الأمنية، خاصة مع التعويل على المصارف الخليجية لتكون لديها منظومة متكاملة ومترابطة فيما بينها.

ويرى الهادي أن هذا الترابط ضروري لحماية المصارف التجارية والإسلامية المنتشرة في دول مجلس التعاون كافة.

ويردف أن من الأهداف المهمة لهذا الملتقى هو النظر في حجم المخاطر والتحديات وكيفية معالجتها والسيطرة عليها.

ويعتقد الهادي أن قوة هذه المصارف والسهولة في التعامل معها يُعد عاملاً رئيسياً في جذب المستثمرين من خارج دول المجلس، بفضل الثقة في متانتها.

التحول الرقمي

ويُظهر الواقع المصرفي الخليجي أن التحول نحو الخدمات الرقمية لا يقتصر على تحسين تجربة العملاء فحسب، بل بات يرتبط مباشرةً بقدرة المؤسسات المالية على إدارة المخاطر بكفاءة.

ومع التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وأنظمة الدفع الإلكتروني، تتسع دائرة التحديات أمام المصارف التي تسعى لحماية بياناتها وأنظمتها التشغيلية من الهجمات السيبرانية والاختراقات المحتملة.

وتشير بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، الصادرة في 23 أبريل 2025، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تمضي بخُطا متسارعة لتعزيز التحصين السيبراني ضمن استراتيجيات التحول الرقمي، بعد أن تجاوزت تكلفة الهجمات الإلكترونية في المنطقة ضعف المتوسط العالمي، بمتوسط خسارة يقارب 8.05 ملايين دولار لكل خرق.

وقد تبنت دول الخليج أطراً وطنية متقدمة للأمن السيبراني، شملت استراتيجية السعودية عبر بوابة "حصن"، واستراتيجية دبي للأمن السيبراني، والاستراتيجية القطرية 2024–2030، إلى جانب تعاون إقليمي متنامٍ عبر اللجنة الوزارية العليا للأمن السيبراني لتبادل الخبرات والبيانات وتنفيذ تدريبات مشتركة، في خطوة تؤكد تزايد الوعي الخليجي بأولوية حماية البنية الرقمية المصرفية.

ويعمل عديد من المصارف الخليجية على دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات تقييم المخاطر الائتمانية والتنبؤ بالتهديدات التشغيلية، بما يسمح باكتشاف الثغرات قبل وقوعها.

كما تسعى المؤسسات المالية إلى تطوير كوادرها البشرية في مجال أمن المعلومات من خلال برامج تدريبية متخصصة، إذ أصبح العنصر البشري جزءاً رئيسياً من منظومة الحماية المصرفية.

ورغم التقدم الملحوظ، يواجه القطاع المالي الخليجي تحديات تتعلق بتكامل الأنظمة وتبادل البيانات عبر الحدود، خصوصاً مع توسع البنوك في الخدمات الرقمية العابرة للأسواق، ما يستدعي تعاوناً أكبر بين الجهات الرقابية في دول الخليج لتوحيد معايير الأمن المالي وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال الرقمية.

ومع تصاعد التهديدات الرقمية، تبدو دول الخليج أمام فرصة لبناء نموذج مصرفي أكثر تحصيناً واستدامة، يدمج الأمن السيبراني في صميم الابتكار المالي، ويحوّل إدارة المخاطر من عبءٍ تنظيمي إلى محرك للنمو والثقة في اقتصاد المستقبل.