سعود بن علي الحارثي- الوطن العمانية-
في الصباح الباكر أخذنا طريق أدم – سناو ومنها إلى محوت، حيث الصحارى الواسعة والكثبان الرملية الذهبية والشواطئ الناعمة البكر ومياه بحر العرب الهادرة ونسمات الكوس العليلة التي تتفرد بها هذه المناطق والجبال الصلداء الشامخة في حاسك) التي تم شقها لإنشاء هذا الطريق الذي يشكل تحفة فنية هندسية بتعرجاته بين الجبال والمرتفعات المطلة على الشاطئ، ما يؤكد على التنوع السياحي الذي تتميز به عمان”
سابعا: محافظتا الوسطى وظفار.
يشد العمانيون رحالهم في فصل الخريف إلى عروس البلاد محافظة ظفار، تنقل مئات السيارات يوميا ومعها عدد من الرحلات الجوية تحمل مجموعات أسرية وشبابية وأفرادا من مختلف محافظات السلطنة ومن مدن وعواصم ومناطق خليجية وعربية وعالمية لقضاء إجازتهم السنوية في أجمل وأفضل وجهة سياحية في منطقتنا العربية في هذا الوقت من السنة، ففي فصل الصيف القائظ الذي تصل فيه درجات الحرارة أحيانا إلى الخمسين في البلدان الخليجية، يصبح التوجه إلى هذه المحافظة وحاضرتها صلالة المزدانة ببساطها الأخضر، المنتعشة بأجوائها الخريفية اللطيفة، الملتحفة برداء ضبابها الممطر على مدى ثلاثة أشهر من نهايات يونيو وحتى بدايات سبتمبر، ودرجات حرارتها التي لا تتجاوز الثلاثين في المدينة، أما في الجبال المنشرحة والجذلة بردائها الأخضر فتبقى في منتصف العشرينيات (يصبح التوجه) إلى صلالة خيارا أساسيا ووجهة مميزة ومقصدا مفضلا للكثيرين، وليس من السهل على أي كان وهو يتابع تلك المشاهد الخلابة والمناظر الآسرة التي تعرضها شاشات التلفزة ووسائل الإعلام الأخرى لجبال ظفار وسهولها وشواطئها وعيونها وجداولها المائية وشلالاتها الهادرة أن يقاوم إغراء الصور وجمال الطبيعة الطاغي الذي يرسمه موسم الخريف في هذا المكان المتفرد الذي أبهر الكثيرين وألهم المبدعين فعبروا عن مشاعر الإعجاب ورسموا صورا من الإبداع في نصوصهم الأدبية وقصائدهم الشعرية ولوحاتهم الفنية وصورهم الاحترافية التي التقطتها عيون الكاميرا واستطلاعاتهم وتقاريرهم الاعلامية ومقالاتهم الصحفية التي يتابعها العالم بشغف ولهفة يعقبها قرار ثابت بزيارة محافظة الجنوب. وهو ذاته ما حدث معي، فقد أخذت قراري وأخوة أعزاء بقضاء بضعة أيام والاستمتاع بالأجواء الخريفية الاستثنائية، وقد أخذنا طريق محوت – الدقم –حاسك – مرباط – صلالة، لإضافة متعة أكبر لهذه الرحلة ومشاهدة مناطق جديدة من الأرض العمانية لم نطلع عليها من قبل، في الصباح الباكر أخذنا طريق أدم – سناو ومنها إلى محوت، كانت الصحاري الواسعة والكثبان الرملية الذهبية والشواطئ الناعمة البكر ومياه بحر العرب الهادرة ونسمات الكوس العليلة التي تتفرد بهاهذه المناطق والجبال الصلداء الشامخة في (حاسك) التي تم شقها لإنشاء هذا الطريق الذي يشكل تحفة فنية هندسية بتعرجاته بين الجبال والمرتفعات المطلة على الشاطئ، ما يؤكد على التنوع السياحي الذي تتميز به عمان، فجمال المناظر هنا تغري كل من يشاهدها بالتوقف والتقاط الصور التذكارية الجميلة وهذا ما حدث معنا عشرات المرات، ما أطال ساعات الرحلة، قبيل المغرب وصلنا ولاية مرباط وبعدها تدريجيا بدأت الأرض تلتحف بساطا أخضر، أدى تكاثف الضباب بعد أن عبرنا ولاية طاقة إلى تساقط الرذاذ بكثافة، كانت الأجواء حماسية ومثيرة ولا شيء يعكرها وكأننا تركنا عالما ودخلنا إلى عالم آخر مختلف، البساط الأخضر، الضباب الكثيف، الرذاذ المتساقط، الهواء العليل… أين يجد المرء هذا كله في الخليج وفي أشهر الصيف القائظ، إنها جنة الله في الأرض ولا عذر لأحد يكتشف هذه الأرض فلا يزورها كل سنة ولا يستمتع بأجوائها الخريفية الاستثنائية. تركنا رحالنا في أحد فنادق صلالة الذي تم حجزه قبل مغادرتنا مسقط بعدة أيام وإلا من الصعوبة بمكان أن يجد السائح حجزا سهلا بمحافظة ظفار في وقت الخريف، كان البرنامج اليومي الذي دائما ما ينتهي – بشراب لذيذ من ماء جوز الهند المنعش – حافلا بزيارة العيون المائية والشلالات المنهمرة من قمم الجبال، والجبال المزدانة ببساطها الأخضر والغابات الكثيفة والسهول المنبسطة التي تزينت بحلل خضراء وتتلألأ أوراق أشجارها بزخات المطر، والاطلاع على المعالم التاريخية والأسواق الشعبية، والاستمتاع بتناول وجبات الغداء واحتساء الشاي والقهوة في مواقع مختارة بعناية تكون غاية في الجمال والحسن والبهاء، وكل المواقع والأماكن في صلالة آسرة وخلابة ومنعشة لدرجة أن المرء يحتار أيها يختار ويفضل وكلما انتقل إلى مكان جديد تحسر أنه لم يكتشفه قبلا…. أخذنا جولة سريعة في ولايتي طاقة ومرباط وكانت القلاع التاريخية والآثار المعمارية والمقابر القديمة ذات القبب الفخمة والشواطئ المنفتحة على العالم الآخر تفصح عن تاريخ مجيد وتجارة رائجة، وعن أقوام وقبائل وهجرات عبرت واستقرت ورحلت إلى هنا ومن هنا، أما رحلتنا المميزة – وكل تفاصيل وأحداث ومراحل زيارتنا إلى صلالة متميزة ومثيرة وتشرح النفس – فكانت إلى ولايتي رخيوت وضلكوت، ويأتي تميزها من عدة أوجه أولها: الطريق السياحي البديع، المطل على الشواطئ البكر والمشاهد الطبيعية الجميلة والمتعرج وسط الجبال الشماء وفي دواخلها الحصينة وقممها الملتحفة بالضباب، كثافة الضباب والأرض المنبسطة الملتحفة برداء أخضر والمزدانة بألوان قزحية متعددة لزهور وشجيرات أضفت إلى الجمال جمالا، موقع الولايتين السياحي المتوسد على شاطئ البحر الذي تتقاذفه أمواج هادرة لا تعرف الوهن والكلل فيتلاقى رذاذها المالح برذاذ الضباب العذب في سمائهما الملبدة فيضيفا إلى النسمات المنعشة والطبيعة الخلابة والمشاهد الخريفية المتزاحمة ما يرفعها إلى مستوى الكمال… أسبوع من المتعة والاكتشاف والاستجمام ومئات الصور الملتقطة التي تعرف صلالة بالعالم الخارجي باعتبارها عالما من الخيال والقصص التي لا مكان لها إلا في صفحات ألف ليلة وليلة، ولن يعترف هذا العالم بحقيقة أن في خليجنا العربي المرتبط في أذهانه بالصحاري القاحلة والجبال الصلدة والسهول القفرة والأودية الجافة مدينة تلتحف الضباب وتصبح في موسم الخريف بستانا أخضر تغرد في أشجاره العصافير بأنواعها وتجري المياه على أرضها جداول وشلالات وعيونا يمدها رذاذ لا يتوقف وهواء منعش يستمد معينه من بحار ومحيطات مترابطة ومتداخلة، وكانت وما زالت المعبر الحقيقي والمركز الفاعل للنشاط التجاري العالمي وعاملا لنشوء الحضارات وتمثل ثروة حقيقية لعمان بموقعها المتميز… مخطئ من يعد حقيبته مودعا وطنه هاربا من الصيف اللافح منطلقا إلى أماكن أخرى باحثا عن الطبيعة والأجواء اللطيفة والاستجمام هادرا الكثير من الأموال التي يفترض أن ينتفع بها الوطن، مفوتا فرصة قضاء إجازته في أرض اللبان والحضارة والتاريخ والطبيعة الخلابة والمناظر الآسرة والتي يفوق جمالها ومقوماتها السياحية دون شك تلك الوجهة الميمم إليها. غادرت أجسادنا صلالة ولكن القلوب والعقول ما زالت تهيم في جبالها وبين عيونها المائية تنتظر خريفا آخر لعام جديد قادم دون شك، فزيارة الخريف والاستمتاع بأجوائه بات برنامجا دوريا يتكرر كل عام.