د. رجب بن علي العويسي- عمان اليوم-
تأتي السياحة اليوم كأحد أهم مدخلات الاقتصاد وتعميق الاستفادة من الموارد الوطنية، وشكلت جهود السلطنة على مدى السنوات الماضية تحولاً نوعيًا في تعميق القيمة المضافة للنشاط السياحي كأحد أعمدة الإنتاج، ومنح فرص أكبر لقيام شراكات سياحية عالمية في إطار قيام شركات السفر والسياحية والأفراد بدور أكبر في الترويج للسياحة الوطنية لجعل السلطنة واحدة من أهم الوجهات السياحية الدولية، ويعكس حصول السلطنة على المركز الأول في معرض بورصة برلين الدولي للسياحة لعام 2016، كأفضل وجهة سياحية في الشرق الأوسط للسُّياح الألمان، تلكم الجهود النوعية التي بذلتها مؤسسات الدولة في الترويج السياحي من جهة، وحالة النمو والتطور النوعي التي شهدها القطاع السياحي بالسلطنة، والمنجز السياحي المتحقق والرؤى والاستراتيجيات التطويرية التي يسعى القطاع لتحقيقها في السنوات القادمة من خلال زيادة نمو المشاريع السياحية الرائدة، والتي بدأ العمل بها لتضيف إلى السياحة الوطنية بعدا أعمق يقوم على إيجاد تنوع في البدائل السياحية والبيئات الترويحية لتمتد إلى مختلف محافظات السلطنة، خاصة مع التوجه نحو المدن اللوجستية، وتمكين المناطق الاقتصادية بصحار والدقم وصلالة من القيام بدور نشط في الاقتصاد الوطني، ولقد أتاحت جهود وزارة السياحة لهذه المشروعات والوجهات السياحية التطور والنمو والانتشار، كما عزّزت خططها من مشاركة القطاع الخاص في رفد القطاع السياحي والاستثمار فيه، في ظل ما وفرته التشريعات الوطنية من فرص أكبر لمشاركة المواطنين في هذا القطاع والاستثمار فيه، وتسهيل عملية الحصول على تراخيص الاستثمارات الجادة بما يضيف لهذا القطاع أبعادًا أخرى تقوم على تحقيق معايير التنوع والمرونة والاتساع والاستدامة.
لقد كان للمقومات السياحية التي تمتلكها السلطنة أثرها في استحقاقات هذا الاعتراف، سواء من حيث تنوع التضاريس والمناخ، وتنوع البيئات السياحية الحيوية وتكيفها مع طبيعة الفرد، أو كذلك ما تتميز به السلطنة من مفردات ثقافية وتاريخية وتراثية بما فيها من قلاع وحصون ومدن أثرية وتاريخ طبيعي حيوي، ورصيد ثقافي نوعي يكمن في الفنون والمخطوطات والتقاليد والحرف اليدوية الطبيعية وغيرها، في ظل محافظة أسواقها على نمط الأصالة والبساطة وامتزاجها بالمعاصرة، وما يتوفر فيها من موروث حضاري أصبحت له لمساته الجمالية في نفوس السُّياح ورغبتهم في التعاطي مع الثقافة العمانية في توازنها وتسامحها واحتوائها للكثير من المفاهيم النوعية والمفردات التي ترتبط بالجوانب النفسية والقيمية والأخلاقية وبأساليب الذوق ومراعاة المشاعر في ظل معايير الالتزام والتسامح والهوية الوطنية وتفاعل الثقافات، ولقد ارتبط التناغم الحاصل في وجود بيئة سياحية طبيعية، وبيئة ثقافية واعية لمفهوم التراث مدركة لقيمة الحضارة، وإنسان عماني يمتلك نبل الخصال وكريم الطباع، وحب الآخر المختلف والترحيب بالضيف، بوجود رصيد وطني آخر بتأكيد مناخات الأمن والأمان والتعايش والسلام، في ظل منظومة المبادئ والأخلاقيات ومراعاة للخصوصية والهويات، تعززها أنظمة وضوابط تشريعية وقوانين تراعي نفسيات السائحين وقيم المجتمع، لتشكل جميعها مدخلات لبناء سياحة مستدامة قادرة على تحقيق المزيد من النجاحات، ورفع سقف الأرصدة، والاعتراف بقيمة المنجز السياحي الوطني، وتعميق الوعي به واحترامه والشعور بالمسؤولية نحوه.
إن البحث في الدلالات التي يعنيها حصول السلطنة على المركز الأول كأفضل وجهة سياحية قادمة، ينبغي أن يكون دافعًا للجهات المعنية بالسياحة في الدولة وشركات السياحة والمواطن نفسه، نحو تعميق القيمة النوعية للسياحة الوطنية والاعتراف بقيمة المنجز المتحقق، وفرص أكبر للابتكارية في التعاطي مع طبيعة التحول السياحي وتمكينه من النمو الداخلي في قناعات المواطن ونظرته للسياحة الوطنية ووعيه بمسؤولياته نحوها، فإن هذا التنوع والتفرد الذي تتميز به السياحة العمانية فيما تمتلكه من مقومات وقناعة المواطن بوجوده وفاعليته في تحقيق التحول، يضعنا أمام مسؤولية البحث عن بدائل متعددة، وإيجاد وجهات سياحية أخرى متنوعة، ومنح فرص وجودها بشكل أكبر على مختلف ولايات السلطنة ومحافظاتها، وبالتالي تتبع هذه البيئات ورصدها، وامتلاك أدوات رصد لتعرف أماكن وجودها، بناء على مستوى إقبال الناس على هذه الأماكن، بما يسهم في زيادة أعدادها وتأهيلها بالخدمات والمقومات والتسهيلات السياحية المناسبة، إن المسؤولية الوطنية نحو الساحة الوطنية اليوم تتطلب مزيدًا من العمل في الوصول إلى تحقيق مؤشرات النجاح الحاصلة وتقييمها وفق معايير تضعها وزارة السياحة للإبقاء على سلم الاعتراف قائمًا، والمحافظة على استمرارية وجوده، فإن مسؤولية استدامة تحقق رصيد النجاحات يرتبط بمفهوم الابتكارية في التعاطي مع المنجز السياحي الوطني، وما يحمله المواطن من قناعات إيجابية وأفكار ومقترحات عملية معززة للسياحة وقادرة على تمكينها من النمو والوصول بها إلى مستويات الثقة التي تضمن قدرة المنجز السياحي القائم على تحقيق أهدافه وبلوغ غاياته.