عُقدت في المنامة بالبحرين فعاليات مؤتمر القمة الخليجي الـ37 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي. واتسمت هذه القمة بالتركيز على القضايا الجديدة التي داهمت دول المجلس، والتي من أهمها القضية الاقتصادية، والإرهاب، والأمن، والتوسع الإيراني في المنطقة العربية.
ما يميِّز هذه القمة هو انعقادها وسط ظروف ومتغيرات جديدة، منها تحديات داخلية وإقليمية ودولية.
ويتعلق التحدي الداخلي بكيفية التعامل مع مستقبل الدولة الريعية بعد انخفاض أسعار النفط، وصعوبة إيجاد بدائل عنه في فترة زمنية قصيرة. أما تحدي دول الجوار وتحديداً سوريا والعراق واليمن.. حيث تشتعل حروب طائفية قاتلة في هذه البلاد تنذر بانهيار الدولة المركزية فيها، وبروز الميليشيات العسكرية المؤدلجة التي لا تلزم ولا تخضع لهيمنة السلطة الرسمية، بل تتلقى الأوامر من قياداتها الحزبية المرتبطة بشكل مباشر مع طهران.
أما التحدي الدولي الذي يواجه دول المنطقة، فيتعلق بصعود اليمين الأوروبي والأميركي إلى السلطة.. فقد حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة الفوز في بعض الدول الأوروبية، كما وصل الرئيس ترامب للسلطة في أميركا. علينا أن نشيد بقادة الخليج، لأنهم -رغم كل التحديات المحيطة بهم محلياً وإقليمياً ودولياً- اتخذوا قرارات رشيدة وعقلانية وعملية.
ففي المجال الاقتصادي أكد القادة ضرورة الحفاظ على الازدهار الاقتصادي في مواجهة التحديات، حيث أشار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى أن كل دول الخليج تعاني من تحدي انخفاض أسعار النفط الأمر الذي أدى إلى اختلالات في ميزانياتها وتأثيرات سلبية في مجتمعاتها، وهو ما يتطلب مراجعة كثير من الأسس والسياسات على مستوى أوطاننا وعلى مستوى علاقاتنا بالعالم.
قادة دول مجلس التعاون بحثوا المقترح السعودي الداعي إلى تحقيق الاتحاد الخليجي، ورغم أهمية فكرة الاتحاد إلا أن القادة اكتفوا بتكثيف التنسيق والتعاون العسكري في هذه المرحلة، رغم اشتعال الحروب الأهلية الطائفية في المحيط الإقليمي، وشعور دول الخليج بأن التمدد الإيراني هو الذي يثير كل هذه الحروب في المنطقة.
مشاكل دول الخليج كثيرة ومعقدة ولا يمكن للقادة معالجتها في يوم أو يومين لأن لدينا خلل سكاني واقتصادي وأمني يتطلب دراسات موسعة. فتنويع مصادر الدخل مثلاً ليس بالعملية السهلة، إذ يتطلب التخفيف تدريجياً من مفهوم الدولة الريعية، والتحول بالمجتمع من مجتمع استهلاكي يعتمد على الدولة في كل شيء إلى مجتمع إنتاجي وخلاق ومبدع يعتمد على ذاته، وهذا لن يتحقق إلا بتقليص دور الدولة. وتضخم جهاز الدولة أدى إلى بروز ظاهرة المحسوبية والفساد وسوء الإدارة في كثير من الحالات..
لذلك مطلوب اليوم تشجيع القطاع الخاص ليتولى مسؤوليته في توظيف المواطنين. المشكلة هنا هي أن بعض المواطنين في دول التعاون غير مؤهلين للأعمال الفنية والميكانيكية والعملية، لأن مخرجات التعليم في الخليج ضعيفة وغير ملائمة لمتطلبات سوق العمل.
ورغم اتفاق دول المجلس على خطورة التدخل الإيراني في المنطقة، إلا أن السؤال هو: كيف يمكن مواجهة هذا التمدد، خصوصاً وأن لديه بعض الجماعات والأحزاب والحركات السياسية الطائفية التي تدعوه للتدخل في بلدانهم من منطلق طائفي؟ على دول الخليج توحيد صفوفها وتعزيز وحدتها الوطنية، لكي لا تترك لأحد فرصة التدخل في شؤونها الداخلية. هنالك متغيرات كثيرة علينا مواكبتها.
د. شملان يوسف العيسى- الاتحاد العمانية-