الخليج أونلاين-
"السعوديون يُلقّنون أردوغان درساً، وأنقرة تعترف"، كان هذا عنواناً لتقرير أعدته صحيفة "سبق" السعودية، ضُخِّم من خلاله حجم تأثير السعوديين على القطاع السياحي التركي في حال أقدموا على مقاطعة السياحة والسفر إلى تركيا.
التقرير ربط انخفاض عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا في شهري يناير وفبراير من هذا العام (خلال فصل الشتاء)، بتدهور مؤشرات الاقتصاد التركي، وبسياسة الحكومة التركية تجاه السعودية، متغافلاً الارقام المتزايدة للسياح العرب من الدول الاخرى، خلال الفترة نفسها.
وتوترت العلاقات السياسية التركية السعودية، بعد اغتيال فريق أمني مقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الصحفيَّ جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم الثاني من أكتوبر الماضي، وما أعقبه من انتقادات دولية لاذعة ضد المملكة، في ظل إصرار أنقرة على كشف المسؤول الأول عن تنفيذ جريمة اغتيال جمال داخل أراضيها.
وتزايدت التوترات بين أنقرة والرياض على خلفية الموقف التركي المساند لقطر، التي حاصرتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في الخامس من يونيو 2017، حيث دعمت تركيا دولة قطر وشكلت حائط صد لمواجهة أي تهديدات قد تتعرض لها الدوحة، في ظل حديثٍ حينها عن احتمال تدخل الرياض وأبوظبي عسكرياً لإسقاط نظام الحكم في قطر.
ودشن نشطاء سعوديون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وسماً (هاشتاغاً) بعنوان "مقاطعة السفر والمنتجات التركية"، مطالبين السعوديين بمقاطعة المنتجات التركية، وعدم السفر إلى تركيا، في ظل الأزمة القائمة بين البلدين، ومحاولة الضغط على تركيا اقتصادياً، إلا أن الأرقام تظهر أن السياح السعوديين ما زالوا يسافرون إلى تركيا لقضاء إجازاتهم، في حين أن من قاطعها منهم لن تؤثر أعدادهم في الموسم السياحي التركي.
ولم تكتف الجهات الرسمية بذلك، بل إنها تصدر بين فينة وأخرى تحذيرات لرعاياها السعوديين في تركيا وآخرين يعتزمون زيارتها، خاصة قبيل وأثناء موسم الصيف الذي يتهافت فيه ملايين العرب إلى مدن تركية لقضاء إجازة الشهور الثلاثة.
آخر تلك التحذيرات صدرت عن السفارة السعودية في تركيا، الثلاثاء الماضي (2 يوليو 2019)، حيث نبّهت رعياها "بعد تسجيل عمليات سرقة ونشل في مناطق مختلفة بتركيا من قبل مجهولين"، على حد قولها.
وجاء التحذير مع استمرار دعوات "مقاطعة السياحة" في تركيا، إذ دشنت فئة من السعوديين سابقاً "هاشتاغ" استعرضوا فيه عدة أسباب لإطلاق دعوتهم، منها "عدم احترام السائح العربي"، و"عدم الإحساس بالأمان".
لكن في الواقع تفند تقارير تركية رسمية تزايد السياح الخليجيين، والسعوديين خاصة، وهو ما ظهر في فيديو نشرته وكالة الأنباء التركية "الأناضول" حمل عنون "السعوديون وأورطاكوي.. حكاية غرام على بوسفور إسطنبول".
وأظهر التقرير المصور تهاف السعوديين على المكان الذي يمتاز بمقومات عديدة بينها الإطلالة الساحرة والأطعمة والرحلات البحرية، وأكلة "الكومبير" وحلوى "الوافل" الأشهر والأكثر إقبالاً، وهو ما ينجذب إليه السائحون.
تركيا الأولى أوروبياً
ما تشير إليه الأرقام والإحصائيات الرسمية، الخاصة بأداء القطاع السياحي في تركيا، يُظهر حجم النمو الهائل الذي تحقق خلال العام الماضي.
فحتى نهاية عام 2018، تصدرت تركيا نمو القطاع السياحي، حيث فاق عدد السياح الذاهبين إلى تركيا حاجز 45 مليون سائح للمرة الأولى، ليبلغ 46.1 مليوناً، محقِّقة ارتفاعاً بنسبة 22.3% مقارنة بعام 2017، وذلك على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي تعانيها المؤشرات الاقتصادية.
في عام 2018، بلغ حجم السياح الوافدين إلى تركيا 46.1 مليون سائح من جميع دول العالم، وكانت نسبة السياح العرب قرابة 10% من إجمالي السياح الوافدين.
وتأتي السعودية في المرتبة الـ17 ضمن أهم الدول المستثمرة بتركيا، حيث يصل حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة إلى 11 مليار دولار، وإجمالي عدد شركاتها العاملة يصل إلى ألف شركة خلال السنوات الأخيرة، وفق التقارير الرسمية.
فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي السياح الوافدين فقط من جورجيا وبلغاريا 17.7% من إجمالي السياح الوافدين، وبلغ إجمالي السياح الألمان فقط 9.4% من إجمالي السياح.
وبالعودة إلى حجم التضخيم الذي يروَّج له من تأثير السعودية على القطاع السياحي في تركيا، يتضح أن نسبة السياح القادمين من السعودية والإمارات والبحرين- وهي الدول التي قادت حملات مقاطعة للسياحة التركية- لا تتعدى 18% من إجمالي السياح العرب ككل.
وتروج التقارير السعودية لحدوث انخفاض كبير في القطاع السياحي بتركيا في الشهرين الأولين من عام 2019، مرجعةً السبب إلى سياسة الحكومة الخاطئة، وارتفاع عدد حالات الاعتداء على السياح الخليجيين عموماً، والسعوديين خاصة، إضافة إلى انعدام الأمن في مدنها، حيث تراجع عدد السعوديين الذين دخلوا تركيا بقصد السياحة إلى 41 ألف سائح فقط مقارنة بـ71 ألف سائح خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
لكنها في الوقت نفسه تتجاهل الأسباب الاقتصادية التي يعانيها المواطن السعودي، وكان لها دور أساسي في تقليل إنفاق المواطن السعودي على السياحة بصفة عامة، إضافة إلى الانطباع السيئ الذي شاب صورة السعوديين حول العالم، بسبب جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
وبالعودة إلى الإحصائيات والأرقام، نجد أن هناك ارتفاعاً كبيراً في عدد السياح الوافدين من معظم الدول العربية بتلك الفترة نفسها.
فقد ارتفع عدد السياح الجزائريين من 26 ألف سائح في شهري يناير وفبراير من عام 2018، ليصل إلى 35 ألفاً خلال الفترة نفسها من العام الحالي.
وارتفع عدد السائحين المصريين من 26 ألفاً إلى 35 ألف سائح عن الفترة نفسها، وبلغ عدد السياح الليبيين 40 ألف سائح خلال الفترة ذاتها.
السياح البحرينيون الوافدون إلى تركيا ارتفع عددهم أيضاً من 15 ألف سائح إلى 20 ألفاً خلال الفترة نفسها، في حين ارتفع عدد السياح العراقيين من 124 ألف سائح إلى 162 ألفاً.
في حين ارتفع عدد السياح الكويتيين من 40 ألفاً إلى 49 ألف سائح خلال الفترة نفسها، وزاد عدد السياح الأردنيين من 31 ألفاً إلى 40 ألف سائح خلال الفترة ذاتها.
هذه الأرقام تشير إلى حجم النمو في السياحة العربية فقط خلال الشهرين الأولين من عام 2019، وهو الأمر الذي ينبئ بنمو كبير في القطاع السياحي التركي عام 2019.