الخليج أونلاين-
"رب ضارة نافعة"، عبارة اختصر بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم 21 يوليو 2017، نظرة حكومته ومنهجها بالتعامل مع أزمة حصار بلاده من قبل أشقائها الخليجيين؛ السعودية والإمارات والبحرين؛ وتبعاً لهم مصر، في أول خطاب له تناول فيه هذه القضية.
وعكست العبارة الكيفية التي تعاملت بها قطر لمواجهة تداعيات الحصار البري والجوي، وتحولت إلى رؤية استراتيجية تعتمد على استكشاف مكامن قوة المجتمع القطري وإرادته وعزيمته، بحسب الخطاب، وتجلت المخرجات في جملة من التحولات بإدارة موارد الدولة، واستحداث وابتكار طرق جديدة تلتف على الحصار، وتحول المحنة إلى منحة.
وفي سياق ما حققته هذه الرؤية من إنجازات يمكن الإشارة إلى الاعتماد على الذات في مجال الصناعات الغذائية، وبناء المصانع القادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المتطلبات الرئيسية، والاستعاضة عن الطرق البرية التي أغلقت أمام البلد باستحداث خطوط ملاحة بحرية توظف العلاقات الدبلوماسية الطيبة بالمحيط إلى الإقليمي، لتشكل بدائل أوجدت الحلول وراعت الزمن والكلفة.
كما يمكن الإشارة إلى ما حققته الخطوط الجوية القطرية من منجزات بعد أن أغلقت في وجه طائراتها خطوط الملاحة في دول الحصار، لتتفوق على 300 شركة طيران حول العالم؛ خلال توزيع جوائز "سكاي تراكس" العالمية لعام 2019، بينها جائزة الأفضل في العالم.
السياحة مورد جديد
ورغم غناها بالثروات الطبيعية من النفط والغاز، والتي تدر على الدولة ميزانية ضخمة، فإن الدوحة اتجهت للبحث عن موارد جديدة للدخل تقلل الاعتماد على الخامات الطبيعية التي تمتاز أسواقها بالتقلب والتذبذب تبعاً لمجريات الأحداث العالمية.
ووجدت في السياحة سبيلاً لتحقيق هذه الغاية، لكون هذا القطاع أحد التوجهات الاستراتيجية القائم على مفهوم التنمية المستدامة، حيث تتجه إليه العديد من الاقتصادات في العالم، المتقدمة والنامية على حد سواء، باعتباره محفزاً لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في نفس الوقت.
وهذا التوجه تبنته منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي منظمة الأمم المتحدة؛ من خلال التركيز على مفهوم التنمية المستدامة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.وفي عام 2017 وخلال استضافة الدوحة فعاليات الاحتفال بيوم السياحة العالمي، أُعلنت استراتيجية جديدة حددت آفاق النمو التي تسعى لها قطر خلال خمس سنوات من 2018 لغاية 2023.
وخلال الجلسة الافتتاحية ليوم السياحة استعرض حسن الإبراهيم، رئيس قطاع التنمية السياحية في الهيئة القطرية العامة للسياحة، أبرز ملامح تلك الاستراتيجية، مشيراً إلى أنه تم تحديد طرق فعالة مبنية على أسس متينة تم إرساؤها للقطاع السياحي منذ عام 2014.
واعتبر الإبراهيم أن الإنجازات التي حققتها قطر منذ عام 2014 هي أنها أصبحت الدولة الأكثر انفتاحاً في المنطقة، بفضل سلسلة من السياسات التي استهدفت تبسيط إجراءات التأشيرات، ومن ضمن ذلك إعفاء مواطني 80 بلداً من تأشيرة الدخول، إلى جانب ظهور قطاع حيوي لسياحة الرحلات البحرية حيث ارتفعت نسبة السياح القادمين عبر البحر بنحو 1000%.
وأضاف أن من بين الإنجازات التي تحققت في قطاع السياحة زيادة مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد القطري الكلي.
وأشار الإبراهيم إلى أن الاستراتيجية تتضمن خطة تطويرية للقطاع السياحي في الدولة، وتوضح الطرق الكفيلة بتنفيذ هذه الخطة التي تقوم على تقسيم البلاد إلى ست مناطق جغرافية تربط كل منطقة بنوع سياحة معين، استناداً إلى السمات الجغرافية للمنطقة ومقوماتها الطبيعية.
وأوضح أن الخطة الخمسية تهدف إلى جذب 5.6 ملايين زائر إلى قطر سنوياً بحلول عام 2023، كما تهدف إلى تحقيق معدل إشغال نسبته 72% في جميع المنشآت الفندقية، وإلى زيادة المساهمة المباشرة للسياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 5.4 مليارات دولار في 2016، إلى 11.3 مليار دولار بحلول 2023.
ومنذ إطلاق المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للسياحة في البلاد، ارتفعت المساهمة الكلية للسياحة (المباشرة وغير المباشرة) في إجمالي الناتج المحلي القطري إلى 6.7%، بحسب أرقام رسمية صادرة عن المجلس الوطني للسياحة.
ووفقاً للأرقام التي نشرها موقع "الجزيرة نت"، في 20 يناير الماضي، فقد حقق الموسم السياحي في قطر 2017-2018 نمواً قدره 39% في عدد الزوار القادمين على متن الرحلات البحرية، مع توقعات باستمرار هذا النمو خلال الموسم الحالي، ليصل إلى أكثر من 100% في عدد الزوار والرحلات التي سيستقبلها ميناء الدوحة.
تصنيف دولي وتوجه للصين
جهود التوجه نحو صناعة سياحة عالمية آتت أكلها سريعاً؛ حيث حصلت قطر على تقييم أممي متقدم، وصنفت هيئة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة قطر على أنها الأكثر انفتاحاً في منطقة الشرق الأوسط من ناحية تسهيلات تأشيرات الدخول للسياح القادمين إليها.
واختارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قطر من بين أفضل 52 وجهة سياحية حول العالم للعام 2019.
وبحسب تقرير للصحيفة، ترجمه "الخليج أونلاين" في يناير الماضي، اختارت الصحيفة الأمريكية مكتبة قطر الوطنية، التي صممها المعماري ريم كولهاس وشركته "أوما"، كأحد أهم الوجهات السياحية في قطر.
كما حددت الصحيفة متحف قطر الوطني كوجهة أخرى يمكن زيارتها والاطلاع على تفاصيلها، خاصة أنه ذو معمار مميز، ويمتد على شكل أقراص دائرية مائلة ومتشابكة، وصمّمه المصمّم العالمي جان نوفيل.
وفي ذات السياق أدرجت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قطر ضمن قائمتها لأفضل الوجهات السياحية خلال عام 2019؛ مشيرةً إلى أنها احتلت المرتبة الخامسة ضمن الترتيب الذي شمل 12 وجهة.
وفي إطار سعيه لاقتحام أكبر أسواق السياحة في العالم وأكثرها نمواً، أبرم "المجلس الوطني للسياحة" القطري شراكة مع عملاق الهواتف الذكية الصيني "هواوي"؛ بهدف جذب المزيد من الزوار الصينيين للبلاد.
وتحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً في تصدير السياح منذ عام 2013، بحسب صحيفة "الشعب" الصينية، التي أشارت إلى أن البيانات الصادرة عن مصلحة الدولة للإحصاء، أظهرت أن عدد الرحلات التي قام بها الصينيون إلى الخارج بلغ 135 مليون رحلة في عام 2016، مقارنة بـ5 ملايين رحلة في عام 1995، وهو ما يمثل متوسط زيادة سنوية بـ17.6% على مدى 21 عاماً.
ومن المتوقع أن يزداد سوق السياحة الصيني إلى الخارج بنسبة 5% سنوياً في المتوسط، ليصل عدد السياح الخارجيين إلى 157 مليوناً في عام 2020، وفقاً لأكاديمية السياحة الصينية، وهي مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الثقافة والسياحة.
وفي إطار الاتفاق مع "هواوي"، أجرى طاقم التصوير في الشركة زيارة إلى قطر، والتقط صور معالم الجذب التاريخية والشهيرة في جميع أنحاء البلاد باستخدام أحدث هواتف هواوي الذكية.
ويمكن استخدام هذه الصور كخلفية على الإصدارات الجديدة من هواتف هواوي، كما ستروج الشركة لمقاطع الفيديو التي التُقطت في قطر عبر قنواتها على الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من منصات الفيديو لمنح العملاء الصينيين صورة بارزة عن البلاد.
القطرية في الصدارة
تعتبر شركات الطيران ومطارات الدول حول العالم من أهم عوامل الجذب السياحي، وفي قطر ثمة الشركة الأفضل والمطار الأكثر فخامة، حسب التصنيفات العالمية.
وتشغل الخطوط الجوية القطرية أسطول طائرات حديثاً، يضم أكثر من 230 طائرة تتجه إلى أكثر من 160 وجهة عالمية، عبر مقر عملياتها في مطار حمد الدولي.
واحتلت المرتبة الأولى كأفضل شركة طيران في الشرق الأوسط، وبالمرتبة الثانية في العالم لعام 2019، وفق تقييم موقع "تريب أدفايزر"، وهي إحدى أكبر الشركات العالمية لحجز الرحلات السياحية عبر الإنترنت.
وفي فئة أفضل خدمة بشركات الطيران في العالم، جاءت القطرية كأفضل درجة أعمال.
كما تصدرت قطر المركز الأول عبر مطار حمد الدولي لسنة 2019، حسب تصنيف شركة "AirHelp" الدولية للطيران.
وجرى اختيار مطار حمد من بين 133 مطاراً في جميع أنحاء العالم، وفق ما نشرت مجلة "فوربس" في مايو الماضي، بعد اعتماد معايير عن مدى الالتزام بأوقات الرحلات، وجودة الخدمة، وتوفر المطاعم والمحال التجارية.
وفي شهر مارس من العام الجاري، حاز مطار حمد الدولي المركز الرابع ضمن قائمة أفضل المطارات بالعالم، وحاز جائزة "سكاي تراكس" العالمية للمطارات، التي تعتمد على ترشيحات ملايين المسافرين بأكثر من 500 مطار عالمي مشارك في الاستطلاع.
كما نجح المطار في الحفاظ على تقييم 5 نجوم، إلى جانب فوزه بجائزة "أفضل مطار في الشرق الأوسط" للعام الخامس على التوالي، وبلقب "أفضل خدمة موظفين في الشرق الأوسط" للعام الرابع على التوالي.
ويشار إلى أن الفترة التي فرض فيها الحصار الجائر على قطر في 5 يونيو 2017، لم تكن سهلة، وواجهت البلاد بعض المصاعب في اقتصادها، إلا أنها سرعان ما تغلبت عليها، عبر سلسلة إجراءات اقتصادية وقرارات جريئة.
إذ شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً خلال عام 2018، يقدر بنحو 2.5% مقارنة بـ1.6% عام 2017.
كما قفز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لذات الفترة بنحو 14.6%، مع استمرار معدل التضخم في مستواه المنخفض الذي لا يتجاوز 1%، بحسب بيانات مصرف قطر المركزي.