فاينانشيال تايمز - ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
فقدت المملكة العربية السعودية حصتها السوقية في أكثر من نصف البلدان الأكثر أهمية التي تقوم ببيع النفط الخام لها خلال السنوات الثلاث الماضية، رغم قيام المملكة بزيادة إنتاجها إلى مستويات قياسية.
وقد فقد المصدر الأكبر للنفط في العالم الأرض لصالح منافسيه في 9 من أصل 15 من بين الأسواق الأكثر أهمية بين عامي 2010 و2015 بما في ذلك الصين وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة، وفقا لتحليل البيانات الجمركية.
وكانت المملكة العربية السعودية قد حددت لنفسها هدفا مع نهاية عام 2014 وهو الحفاظ على حصتها في سوق الخام وسط تخمة المعروض التي دفعت أسعار النفط نحو الانهيار. ولكن بيانات الواردات التي جمعتها FGE لاستشارات الطاقة، تشير إلى أن استراتيجية البلاد قد عانت انتكاسات في بعض العملاء الرئيسيين خلال العام الماضي.
وتظهر بيانات أخرى أن المملكة العربية السعودية حققت زيادة محدودة في حصتها في السوق العالمية في عام 2015 مقارنة مع عام 2014، على الرغم من أن الرقم في العام الماضي كان أقل من نظيره المسجل خلال عام 2013.
صعوبات في بيع النفط
«تواجه المملكة العربية السعودية صعوبات جمعة في بيع النفط خلال هذه البيئة»، وفقا لـ«إد موريس» المحلل في سيتي جروب. ويضيف «موريس»: «تجري المنافسة في سوق يبدو مزدحما بطريقة غير مسبوقة».
الدول المنتجة للنفط بما فيها روسيا والعراق تضع ضغوطا كبرى على المملكة العربية السعودية في الأسواق التي تعتبرها استراتيجية. وقد أشارت المملكة إلى إحداث تحول طفيف في استراتيجية الحصة السوقية خلال الشهر الماضي حين وافقت على التوصل إلى اتفاق مؤقت مع روسيا وبعض المنتجين الآخرين لتجميد الإنتاج عند مستويات يناير/كانون الثاني. ويعكس هذا الاتفاق جزئيا الأثر الضار لانخفاض أسعار النفط على الاقتصادات المنتجة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
وقد هوى سعر خام برنت، المؤشر الدولي لسوق النفط العالمية إلى أدنى مستوى له منذ 13 عاما إلى أقل من 30 دولار للبرميل في يناير/كانون الثاني متراجعا من ذروة بلغت 115 دولارا منتصف عام 2014 ، قبل أن يتعافي نسبيا ليصل إلى قرابة 40 دولارا مع يوم الاثنين الماضي.
وقد جاء تراجع سعر مزيج برنت منتصف عام 2014 بفعل تضخم إمدادات النفط العالمية وطفرة النفط الصخري التي تقودها الولايات المتحدة. ثم تزايد الانخفاض بعد أن قام وزير النفط السعودي «علي النعيمي» بقيادة قرار تاريخي في أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بعدم خفض إنتاج النفط من أجل دعم الأسعار.
وقد قامت أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة، بتنفيذ استراتيجية وزارة النفط، حيث قامت برفع الإنتاج إلى أكثر من 10 ملايين برميل يوميا في أعقاب اجتماع أوبك. وقد حافظت السعودية على صادراتها عند معدل 7 ملايين برميل يوميا.
السعودية لم تربح معركة الحصة السوقية
منذ أواخر عام 2014، أكد المسؤولون السعوديون مرارا وتكرارا تمسكهم بالحفاظ على حصتهم السوقية واستعدادهم للتضحية بعائدات النفط على المدى القصير مؤكدين أن المملكة ليست ملزمة بدعم منافسيها مرتفعي التكلفة بما في ذلك شركات الصخر الزيتي الأمريكية عن طريق خفض الإنتاج.
ولكن بيانات FGE تبين أن حصة السعودية من إجمالي واردات النفط الصينية قد تراجعت من أكثر من 19% في عام 2013 إلى ما يقرب من 15% في عام 2015، بسبب زيادة الإمدادات من روسيا.
وقد انخفضت حصة السعودية من واردات جنوب أفريقيا بشكل حاد خلال هذه الفترة، من ما يقرب من 53% إلى 22%، حيث زادت كل من نيجريا وأنجولا من شحناتهما إلى البلاد.
وفي الوقت نفسه، فإن طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهمت في تقليص حاجة البلاد لشراء النفط الخام من الخارج. وتراجعت حصة السعودية من واردات الولايات المتحدة من 17% إلى ما يقرب من 14% بين عامي 2013 و2015.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، تراجعت كذلك حصص المملكة في كل من كوريا الجنوبية وتايلاند وتايوان والعديد من بلدان أوروبا الغربية.
ورغم ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية تلعب دور المورد الأكبر للنفط إلى العديد من البلدان بما فيها الصين. وقد سجلت زيادة في حصتها السوقية في كل من البرازيل والهند واليابان بين عامي 2013 و 2015.
كما تظهر البيانات أيضا أن متوسط فقدان المملكة العربية السعودية لحصتها السوقية عبر البلدان الأساسية الـ15 قد تباطأ في عام 2015 مقارنة بالعام السابق ولكنه لم يتوقف بشكل نهائي.
وقد زادت السعودية من حصتها الإجمالية في السوق العالمية بشكل طفيف في العام الماضي، وذلك استنادا إلى بيانات «جودي»، وهي قاعدة بيانات للنفط الخام معتمدة من أوبك ووكالة الطاقة الدولية.
وتمثل صادرات النفط الخام السعودية 8.1% من الطلب العالمي على النفط، بعد استبعاد الاستهلاك الخاص بالمملكة، وذلك في عام 2015، مقارنة بـ 7.9% في عام 2014. وقد كان هذا الرقم يعادل 8.5% خلال عام 2013.
تنافس محموم
وتدفع المعركة الضارية على الحصة السوقية المملكة العربية السعودية إلى مواجهة روسيا في ساحتها الخلفية. وقد زادت المملكة العربية السعودية من تركيزها على أوروبا عبر توقيع عقود توريد مع المشترين التقليديين للنفط الروسي مثل مصفاة بريم السويدية ومصافي أورلين ولوتوس في بولندا.
«إنها أساسيات الاقتصاد»، وفقا لما صرح به مسؤول في شركة أرامكو السعودية، والذي أضاف بالقول: «هناك الكثير من النفط الخام الذي يضخ في الأسواق. يقوم الروس والعراقيون بملاحقة الأسواق الجديدة وبالطبع فإن إيران بعد رفع العقوبات الدولية سوف تسعى إلى استعادة عملائها القدامى. نحن أيضا نسعى إلى الاستفادة القصوى من هذه البيئة».
وتظهر بيانات «جودي» أن صادرات النفط الخام السعودية قد ارتفعت إلى أعلى مستوى في 10 أشهر لتصل إلى 7.8 مليون برميل يوميا في يناير/كانون الثاني. ولكن بالنظر إلى تزايد استخدام النفط الخام محليا داخل المملكة ليبلغ 3 ملايين برميل يوميا مع بعض قيود الصناعة التي تحد الإنتاج، فإن العديد من المطلعين يشككون في قدرة البلاد على زيادة صادراتها بشكل أكبر لتعويض الخسارة في حصتها السوقية.
ويقول محللون آخرون إن المملكة العربية السعودية تلعب لعبة طويلة. حيث تستخدم شركة أرامكو السعودية قوتها المالية من أجل شراء المزيد من الحصص في مصافي النفط الخارجية من أجل غلق مبيعات الخام. تقوم الشركة التي أعلنت هذا الشهر عن خطط للحصول على الملكية الكاملة لمصفاة تكساس، المصفاة الأكبر في أمريكا الشمالية، بالبحث عن المزيد من التسهيلات في الصين، وكذلك في الهند واندونيسيا وماليزيا وفيتنام.
«هذه هي استراتيجية التصدير المستقبلية في المملكة العربية السعودية»، وفقا لما يقوله «جيم كرين»، وهو زميل في معهد بيكر في جامعة رايس للسياسة العامة. «عبر خلق أسواق أسيرة في البلدان المستوردة الهامة التي تملك مصافي للنفط. يمكن للمملكة تأمين حصتها في هذه الأسواق بهذه الطريقة».
نموذج أكثر توازنا
تسلط هذه المبادرة الضوء أيضا على سعي أرامكو السعودية إلى تطبيق نموذج أعمال أكثر توازنا. حيث تسعى الشركة إلى إعطاء أولوية إلى إنتاج وتصدير المنتجات المكررة مثل الديزل. وقد نمت الصادرات من هذه الأنواع من الوقود إلى أكثر من مليون برميل يوميا خلال العام الماضي. ولدى أرامكو السعودية خطط طموحة لمضاعفة طاقتها التكريرية إلى 10 ملايين برميل يوميا من أجل أن تصبح أكثر انسجاما مع قدراتها الإنتاجية.
ويؤكد أحد المسؤولين في أرامكو السعودية أن انخفاض أسعار النفط قد ركز الانتباه على أهمية زيادة القدرات التنافسية في مجال إنتاج الوقود المكرر والمنتجات الكيماوية. «نحن بحاجة للحصول على أقصى استفادة ممكنة من كل برميل ننتجه من النفط».
يعقب «أمريتا سين» المحلل في «إنيرجي أسبكت» بالقول: «بالطبع فإن السعوديين يسعون لزيادة صادراتهم من المنتجات المكررة». وأضاف بالقول: «ولكن في المستقبل المنظور سوف يظل النفط الخام هو الأساس. لهذا السبب كانت استراتيجية النعيمي بالدفاع عن الحصة في سوق النفط الخام».
وقد حرصت أرامكو على إدخال تغييرات جوهرية في نموذج أعمالها منذ أن صارت تحت قيادة الأمير «محمد بن سلمان» نائب ولي العهد. ويحرص «بن سلمان» على تسييل الموارد الطبيعية في البلاد عاجلا وليس آجلا. وهذا قد يشمل إدراج بعض وحدات أرامكو ضمن سوق الأوراق المالية.
ويبدو أن القادة السعوديين قلقون على نحو متزايد بشأن التهديدات المحتملة للهيمنة النفطية للبلاد في وقت يبدو فيه أن إمكانات الطلب على النفط قد بلغت ذروتها في ظل تخمة في العرض، إضافة إلى الجهود العالمية لمعالجة تغير المناخ.
وسط هذه الشكوك، يقول «سداد الحسيني»، الرئيس السابق لقسم التنقيب في أرامكو السعودية إن الشركة تبذل قصارى جهدها للدفاع عن موقع البلاد كقوة نفطية رائدة. ويضيف بالقول: «إن الهدف من ذلك هو تحقيق الاستقرار في حصتها في السوق وتحقيق الاستقرار لعملياتها».