أخذت معظم دول الخليج تكثف من اعتمادها على السحب من الاحتياطات العامة لسد العجز في موازناتها، في ظل استمرار التراجع الحاد لأسعار النفط، الذي فقد أكثر من 60% من قيمته خلال العامين الماضيين، وهو المصدر الرئيس للدخل في كل دول الخليج العربية.
وبحسب خبراء وتقارير اقتصادية عالمية فإن دول الخليج النفطية لديها ودائع في الخارج تقدر بتريليون دولار، منها نحو 600 مليار دولار مملوكة للسعودية وحدها، إضافة لاستثمارات خليجية في الخارج تتجاوز تريليونَي دولار، قد تكفي لسد احتياجات هذه الدول 5 سنوات، بفرض عدم تلقي إيرادات جديدة أخرى.
ولتجاوز أزمتها الحالية أخذت دول الخليج بمراجعة مؤسساتها المالية عالمية، واستشارة بعض المنظمات الاقتصادية الموثوقة، وخرجت بتقارير تشير إلى أن أفضل الوسائل التي تساعد على تجاوزر أزمة العجز المالي الحالية وضع سياسة نقدية جديدة، وإصدار السندات المالية، والتقشف في إهدار الأموال التي قد تنعكس سلباً على الاقتصادات المحلية، بينما فضلت بعض دول المجلس خفض المشاريع التنموية، والتركيز على المشاريع الاستثمارية.
ما هي السندات الحكومية؟
هي أداة دين تلجأ إليها الحكومات لتمويل مشاريعها، حيث توفر عائداً جيداً للمستثمرين مقابل مخاطرة مقبولة، ويختلف معدل العائد حسب المدة الزمنية، وقيمة السند، ومدى نفوذ الحكومة على المؤسسات العامة، والبنوك التجارية، وتوافر التمويل لديها، كما تعد السندات أوراقاً مالية ذات قيمة معينة، وهي من أوعية الاستثمار.
وأصدر "بنك الخليج الدولي" في السعودية سندات بسعر فائدة متغيرة قيمتها 2 مليار ريـال سعودي، (نحو 533 مليون دولار)، مدتها 5 سنوات، حيث تم إغلاق الإصدار في 18 أبريل/نيسان، متضمنة سعر فائدة بلغ 140 نقطة أساسية، فوق متوسط سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية، والمعروف بالـ"سيبور" لثلاثة أشهر.
أما في الكويت فقد أظهرت بيانات نشرها بنك الكويت المركزي أنه أصدر سندات (تورق)، وهي إحدى صيغ التمويل الإسلامي، بقيمة 600 مليون دينار (2 مليار دولار) منذ بداية السنة المالية الحالية 2016-2017؛ لتمويل عجز الميزانية العامة.
ورغم تراجع أسعار النفط العالمية منذ أكثر من عام، يواصل الاقتصاد القطري نموه، وتقدمه، ونهوضه، ليس على الصعيد العربي فحسب؛ بل على الصعيد العالمي أيضاً، فقد حلت قطر في المركز الثاني بين أكثر الاقتصاديات نمواً في العالم، بنسبة بلغت - حسب مصادر اقتصادية متطابقة - نحو 7.1% خلال العام الماضي، وفقاً لتصنيف شبكة سي إن إن "CNN" الأمريكية لتوقعات الأداء الاقتصادي العالمي لعام 2015، وتقرير لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد القطري صدر في أبريل/نيسان من العام 2015.
ولم تتأثر قطر تقريباً جراء هبوط أسعار النفط، فمع أنها منتج كبير للنفط غير أن أسعار صادراتها من الغاز الطبيعي لا ترتبط بالنفط ارتباطاً وثيقاً؛ حتى عند مستويات الأسعار الحالية للنفط، فإن محللين لا يتوقعون أن تسجل ميزانيتها عجزاً خلال العام الجاري؛ بفضل صادراتها من الغاز، واحتياطياتها المالية الضخمة.
وفي الإمارات تدرس الحكومة إقرار قانون يسمح لها بإصدار السندات، ويُتوقع صدور القانون خلال الأشهر القليلة المقبلة، على أن يتولى المصرف المركزي عملية الإصدار، كما تتوقع الحكومة الإماراتية أن تتراوح قيمة إصدارها من السندات ما بين 80 و100 مليار درهم (27.2 مليار دولار).
وتتوقع أبوظبي أن يسهم إصدار السندات في تخفيف حدة الضغط على السيولة المتاحة لدى قطاعها المصرفي نتيجة ارتفاع وتيرة سحب الودائع الحكومية، لكن الأثر سيكون محدوداً على نمو الائتمان الموجه للقطاع الخاص خلال المرحلة الأولية على الأقل، بحسب تقارير رسمية، بينما توقع مصرف الاستثمار "أرقام كابيتال" أن تسهم عائدات الإصدار في تغطية ما بين 75 و95% من العجز المتوقع في الموازنة العامة خلال العام الحالي، حتى مع بلوغ سعر النفط مستوى 35 دولاراً للبرميل.
بورصة البحرين ذكرت بدورها أنه تم إدراج الإصدار رقم 11 لسندات التنمية الحكومية، التي أصدرها مصرف البحرين المركزي بالنيابة عن حكومة مملكة البحرين اعتباراً من يوم 16 مايو/أيار 2016، حيث سيتم تداولها تحت الرمز GDEV11.BND، بحسب بيان على موقع السوق.
وتابعت البورصة في بيان لها أن حجم الإصدار 200 مليون دينار بحريني (نحو 530 مليون دولار) بقيمة اسمية قدرها دينار بحريني واحد للسند، في حين تبلغ مدة الإصدار 5 سنوات، اعتباراً من 5 مايو/أيار 2016، حتى 5 مايو/أيار 2021.
ويبلغ العائد الثابت 5.875% سنوياً، يتم خلالها دفع فوائد الإصدار كل ستة شهور، تستحق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، و5 مايو/أيار من كل عام خلال مدة الإصدار، وفقاً لبيان البورصة.
ماتياس أنجونين، محلل المخاطر السيادية في وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، قال إن الوكالة تقدر أن إجمالي العجز في موازنات مجلس التعاون الخليجي في 2015-2016 سيقترب من 265 مليار دولار، وهو ما يفوق التقديرات السابقة، مضيفاً أن ذلك لا يشمل الديون التي تحتاج إلى إعادة التمويل، ومن ثم فإن الاحتياجات التمويلية ستتجاوز ذلك على الأرجح.
في حين توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن يصل إجمالي العجز في موازنات دول الخليج في 2015-2016 إلى 265 مليار دولار، مضيفة أن حجم التحديات المالية الناجمة عن هبوط سعر النفط يختلف من بلد لآخر، ويرتبط إلى حد كبير بنصيب الفرد من إنتاج الهيدروكربونات.
وأسست دول الخليج العربي - وهي من أبرز بؤر إنتاج مصادر الطاقة في العالم - نموها الاقتصادي أساساً على إنتاج النفط، وتمتلك احتياطات مالية فائضة متراكمة خلال السنوات الماضية يقدر مجمله بـ2.4 ترليون دولار، وفقاً لمعهد "المالية الدولية"، بفضل ارتفاع أسعار الخام، لذلك يرى خبراء أن الاحتياطات المتراكمة قد تمكّنها من تعويض خسائرها الحالية الناتجة عن انخفاض الأسعار.
وتراجع نمو دول المنطقة المصدرة للنفط من 2.7% في 2014 إلى 2.3% في 2015، في حين تراجع نمو الناتج المحلّي في دول الخليج من 3.7% عام 2013 إلى 3.3% عام 2014، ثم 3.2% في عام 2015؛ لأنها لم تتخذ حينها خطوات استباقية للتغييرات المتوقعة للسوق العالمية، لذلك أخذت تفكر في سد عجزها المالي، الذي قد ينخفض أيضاً إلى 3.1% في العام 2016، وفق تقديرات البنك الدولي.
وفي دراسة لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال "Cebr"، شريك معهد ICAEW، المُتخصّص في التوقعات الاقتصادية، أشار إلى أن دول الخليج المصدّرة للنفط ستتمكن من الاستمرار في خططها للتنمية الاقتصادية على المدى القصير، ومع ذلك فإن الأداء القوي على المدى الطويل سيتطلب إعادة النظر في كل من أولويات الإنفاق العام، ومصادر الإيرادات الحكومية.
ورغم أن قاعدة بيانات البنك الدولي تشير إلى أن دول مجلس التعاون الست لديها احتياطات من النقد الأجنبي المقومة بالدولار الأمريكي بما قيمته 904.1 مليارات دولار، يحذر خبراء من أن استمرار تلك الدول في استهلاك احتياطاتها المالية ستكون له عواقب وخيمة، خصوصاً في حال بقاء أسعار النفط عند مستويات متدنية لسنوات قادمة.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-