إذا لم تكن السعودية تملك النفط، كان من الممكن أن يصبح العالم مكاناُ مختلفًا. يقول «برنارد لويس» الأستاذ الشهير في التاريخ الإسلامي بجامعة برينستون، متحدثًا عن تأثير الثروة النفطية السعودية على الإسلام:
«تخيلوا لو كان كو كوكلس والأمة الآرية قد تحكموا في ولاية تكساس واستخدموا كل عائداتها من النفط في بناء شبكة من المدراس والجامعات تنشر نسختهم الخاصة من المسيحية. هذا ما فعله السعوديون مع الوهابية. فقد مكنتهم عائدات النفط من نشر نسختهم المتشددة من الإسلام في العالم الإسلامي كله وبين مسلمي الغرب. وبدون ذلك النفط وبدون قيام المملكة السعودية، كان الوهابية ستظل مجرد جماعة متشددة في دولة هامشية».
من السهل أن ننسى كيف تحولت المملكة سريعًا. فخلال زيارتي الأولى للمملكة في عام 1994، رأيت أطلال المباني القديمة من الطوب اللبن لا تزال موجودة. ولقد عاش أجداد هؤلاء الذين يحكمون السعودية الآن في مكان لا توجد فيه وسائل الراحة الحديثة أو حتى البنية التحتية الأساسية. وبينما جلبت أموال النفط زخارف الحداثة المادية إلى المجتمع السعودي، كانت العقلية السعودية أبطأ بكثير في التغيير.
ويذكر عن «أحمد زكي يمني»، وزير النفط السعودي في الفترة من 1962 إلى 1986، والذي يحظى باحترام وتقدير السعوديين على نطاق واسع، أنه قال ناصحًا السعوديين، أنّ العصر الحجري لم ينته بسبب نقص في الحجارة. على الرغم من ذلك، لم يتنبه خلفاؤه لأولوية تنويع حصة السوق. ومع الاعتماد المفرط شبه الكامل على عائدات النفط في الميزانية ودعم المجتمع، كان لابد أن ينطبق المثل «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع».
وراهنت المملكة من قبل على إبقاء أسعار النفط منخفضة على مدار السنوات القليلة الماضية، من أجل تقويض الصحة المالية لإيران، بل ولضمان انهيار صناعة النفط الصخري ليس في أمريكا فقط، بل وفي الصين أيضًا. لكنها لم تحسب حساب احتمال أن يقوم الرئيس «باراك أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري» بإنقاذ إيران من عثرتها الاقتصادية، أو أن تتورط في حرب مكلفة في اليمن بدون استراتيجية خروج واضحة.
ومؤخرًا، تجاوز الكونغرس فيتو «أوباما» ضد قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يسمح للمواطنين الامريكيين بمقاضاة السعودية لتورط مواطنيها أو بعض مسؤوليها في هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ومع إمكانية أن يضر القانون بممتلكات السعودية في الولايات المتحدة، فإنه قد أحدث صدمة للاستقرار المالي للمملكة في الوقت الذي يتعرض فيه للضغط بالفعل.
والآن، يقول بعض المحللين الماليين أن هناك إشارات تحذيرية في سوق العقود الآجلة، من بينها أن السعودية قد تتوجه لخفض قيمة عملتها المرتبطة بالدولار. ولسنوات، حافظت السعودية على هذا الارتباط بشكل مستقر، ولكن الآن مع تناقص احتياطياتها من العملة الصعبة، ربما حان الوقت للانفصال. وإذا استيقظ السعوديون يومًا ما ليجدوا عملتهم أصبحت تعادل 15 أو 25 أو 35% من قيمتها الليلة الماضية، قد يؤدي ذلك إلى تداعيات شديدة وانهيار للاستقرار السياسي.
ولكن هل تستحق السعودية ما يحصل لها؟ بالتأكيد سيوافق ضحايا 11 سبتمبر/أيلول على ذلك. وسيبدي العديد من العراقيين موافقتهم.كما ستهلل إيران لذلك كثيرًا من باب الحقد على المنافس اللدود.
ولكن هل تكون الأزمة المالية في السعودية أو حتى وصولها للإفلاس في صالح أمريكا؟ الإجابة لا. ما يحصل في الرياض، لا يظل في الرياض. فدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تربط عملاتها أيضًا بالدولار، وإذا انخفضت قيمة العملة السعودية سيرتد صدى ذلك على الفور في الكويت وقطر والبحرين وعمان. ولهذا لن يكون عدم الاستقرار في السعودية شيئا جيدا. إذا ما تحولت المملكة إلى وضع حرج مفاجئ، لا يمكننا توقع أن يتعامل الشباب العاطل مع ذلك الأمر بليبرالية وتسامح.
وخلال الحملة الانتخابية في عام 2000 بين المرشحين «آل جور» و«جورج بوش الابن»، لم يكن يتخيل الكثيرون أن تتورط الولايات المتحدة بعدها بعام في حرب ضد الإرهاب في أفغانستان، ناهيك عن غزو العراق. وقد فاجأ الأمر كل الأوساط الدولية. ولكن الآن من السائد أن يتم سؤال المرشحين عن كيفية تعاملهم في حالة الأزمات المتوقعة مستقبليًا مثل التهديدات من روسيا والصين وكوريا الشمالية. والآن لابد من النظر عن قرب إلى وضع الاستقرار السعودي، حيث يبدو أن السلطات السعودية قد لا تتمكن من السيطرة على أسعار النفط كما كانت تظن.
أميركان إنتربرايز - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد -