يعاني الاقتصاد الأمريكي من وضع اقتصادي كارثي، وأزمة ديون خانقة، إلا أن خطة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الاقتصادية تنذر بأوضاع اقتصادية أكثر سوءًا؛ حيث تؤدي إلى زيادة العجز والدين العام، وفقدان 3.5 ملايين نسمة لوظائفهم، ونسبة معدل البطالة ستكون حوالي 7٪، وركود اقتصادي طويل الأمد.
خطورة الديون الأمريكية والمؤشرات الكثيفة عن تزايدها في عهد ترامب تجددان المخاوف بشأن محاولة واشنطن تطبيق ما يعرف بـ"قانون الغاب الأمريكي"، بحسب محللين، وتعني استباق الوضع المنهار بالانقضاض على أموال ومدخرات واستثمارات الأجانب، وهي خطوة بدأتها واشنطن بالفعل عبر قانون "جاستا" الأمريكي الذي يستهدف السيطرة على أموال السعودية؛ حيث تعد الرياض من أكبر الدائنين لواشنطن، بالإضافة إلى عقلية التاجر والمقاول والقرصان التي تهيمن على ذهنية ترامب في تعاطيه مع الدول الأخرى.
فما هو الوضع الاقتصادي الأمريكي؟ وما خطة ترامب الاقتصادية وآثارها الكارثية؟ وما هو قانون الغاب الأمريكي الذي بدأت تطبيقه عبر قانون جاستا؟ وما خطورة ذلك على ثروات السعودية؟ والتي يعد استهدافها مجرد خطوة أولى لسرقة ونهب أموال الخليج؟:
سطو القرصان لسداد ديون أمريكا
من جهته، حذر أ. د. حاكم المطيري؛ الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة أستاذ التفسير والحديث بجامعة الكويت، عبر "توتير"، "من تبعات قدوم ترامب رئيسًا، قائلًا: "أيها الخليجيون، ثرواتكم في مهب الريح، وما بقي منها سيسطو عليه القرصان ترامب لسداد ديون أمريكا من جيوبكم!".
يأتي هذا التحذير وسط مؤشرات اقتصادية تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية مُقدمة على أزمة اقتصادية طاحنة ستتزايد فيها معدلات الدين العام، وبخاصة مع تطبيق خطة دونالد ترامب الاقتصادية، فهل ستكون من بدائل "ترامب" تعميم قانون جاستا على دول الخليج بادعاءات كاذبة، أو باختراع قوانين أخرى تحقق الغرض نفسه، بحيث يفرض نوعًا من الجباية والضرائب على الخارج تحت مسميات أخرى.
خطة ترامب تؤدي لزيادة العجز والدين العام
حتى أبريل 2016، كانت تسعة وخمسون ألفًا وسبعمائة وثمانية وأربعون دولارًا هي حصة كل أمريكي وأمريكية من الدين العام، ما يعادل 19 تريليونًا بشكل إجمالي. مبلغ يقول دونالد ترامب إن بإمكانه تسديده بسهولة في 8 سنوات. إزالة الدين العام في 8 أعوام يعني تعديل الميزانية أولًا، وسيتطلب الأمر حظًّا خياليًّا مع الكونغرس، ثم يجب أن تدفع أكثر من تريليوني دولار سنويًّا، لكن إنفاق الإدارة الأمريكية هذا العام يصل إلى ما يقارب 4 تريليونات دولار.
ويزعم ترامب أن بإمكانه القيام بالأمر عن طريق التفاوض حول الصفقات التجارية، وهو أمر يقول خبراء الاقتصاد بأنه قد يُحدث نتائج كارثية إذا ما حصلت حروب تجارية مع الصين والمكسيك، فهي ستؤدي إلى ركود وخسارة الوظائف، وعجز أكبر عندما تنهار عائدات الضرائب. كما أن ترامب يريد خفض الضرائب للجميع، ما سيحد من عائدات الأموال، ويقفز بالعجز إلى مستوًى أعلى. وفي الحقيقة، إن حسابات الضرائب تشير إلى أن خطة ترامب ستزيد من العجز والدين العام.
ركود طويل الأمد و3.5 ملايين بلا وظائف
أفادت وكالة "موديز" الدولية للتصنيف الائتماني، في 21 يونيو 2016، أن "إصلاحات دونالد ترامب الاقتصادية ستؤدي إلى ركود طويل الأمد في البلاد، وضياع ملايين فرص العمل."
وذكر تقرير نشرته الوكالة، أنه "بعد تحليل التدابير الاقتصادية التي اقترحها دونالد ترامب، استنتج محللو "موديز"، أنه إذا فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونفّذ مقترحاته الاقتصادية خلال سنوات حكمه الأربع، فإن 3.5 ملايين نسمة سيخسرون وظائفهم، وأن نسبة معدل البطالة ستكون حوالي 7٪ بدلًا من 5٪ حاليًّا.
ووفقًا للتقرير، فإن خطة ترامب الاقتصادية من شأنها أن تقوّض آفاق نمو الاقتصاد الأمريكي، وستؤدي إلى تفاقم الأزمة الحالية.
وكان ترامب قد اقترح فرض تخفيضات ضريبية كبيرة للمواطنين والشركات الأمريكية، وكذلك إلغاء ضريبة الدخل للمواطنين الأمريكيين غير المتزوجين الذين يكسبون أقل من 25 ألف دولار سنويًّا، فضلًا عن خفض معدل الضريبة على الشركات الأمريكية من 35% إلى 15%.
هذا وتعتزم "موديز"، قريبًا، نشر تقرير تحليلي مشابه، تستعرض فيه رؤية محلليها الاقتصاديين بشأن التدابير الاقتصادية التي اقترحتها المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
شبح الكساد العظيم قادم في أمريكا
شبح الكساد العظيم يهدد أمريكا مجددًا. حقائق رصدتها صحيفة «فيسكال تايمز» في13 أكتوبر 2016، نقلًا عن تحليل لـ"السياسة الضريبية" لدونالد ترامب، وأشارت الصحيفة وقتها إلى أن الخصمين اللدودين على استعداد لدفع قانون الضرائب في اتجاهين متضادين تمامًا، لكنهما سيؤديان في النهاية إلى زيادة كبيرة في الديون الطويلة الأجل.
وأضافت الصحيفة أن رجل الأعمال ترامب، الذي تجنب دفع الضرائب خلال 18 عامًا بسبب ثغرات في القانون، تعهّد بخفض الضرائب بمقدار 6,2 تريليون دولار على مدى الـ10 سنوات المقبلة.
وأوضحت الصحيفة أنه إذا تمت خطته، فإن وزارة الخزانة ستفقد ما يقرب من 15% من الإيرادات المتوقعة خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يقرب من نصف الفائدة التي تعود على الطبقة الأغنى، والتي تمثل 1% من دافعي الضرائب، وذلك وفقًا لتحليلات منقحة من مركز السياسة الضريبية.
ارتفاع عجز الميزانية وشبح عجز التريليون دولار
وأشارت الصحيفة إلى تأكيد مكتب الموازنة بالكونجرس خلال أكتوبر الماضي، أن عجز الميزانية آخذ في الارتفاع مرة أخرى للمرة الأولى منذ «الكساد العظيم»، بالإضافة إلى أن عجز السنة المالية المنتهية 30 سبتمبر وصل إلى 588 مليار دولار، بالإضافة إلى تحذير البنك المركزي مرارًا وتكرارًا من أن الإصلاحات الغائبة في برامج الإنفاق، واستحقاق الحكومة في البلاد؛ سوف تخرج، مرة أخرى، شبح عجز التريليون دولار الذي ميز السنوات الأولى من "الكساد العظيم".
وخلص تحليل مركز السياسة الضريبية، بحسب الصحيفة، إلى أن خطة ترامب سترفع الدين الوطني إلى 72 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، عندما يتم تضمين تكلفة الفائدة من الاقتراض. ووفقًا لحسابات «لجنة الميزانية الاتحادية»، فإنه في ظل خطة ترامب، فإن الديون ستزيد إلى 105% من الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة.
قانون الغاب الأمريكي
خطة ترامب الاقتصادية لم تعالج الاقتصاد الأمريكي المنهك، بل ستزيد من أزمة الديون، ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية الضخمة في الأصل؛ مما يعيد للأذهان التساؤل حول كيفية مواجهة ترامب لكل هذه الديون والعجز المتفاقم، وهل سيتبنى خطة "قانون الغاب الأمريكي" لحل الأزمة، والمتمثلة في نهب الأصول والمدخرات الأجنبية وعلى رأسها الخليجية؟
فقد حذّر الكاتب خالد عباس طاشكندي، في مقال بعنوان "قانون الغاب الأمريكي" بجريدة عكاظ، في 16/9/2016، ممَّا كشفه أخيرًا «رون بول»؛ عضو الحزب الجمهوري في مجلس النواب وأحد المرشحين السابقين لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 2008، عن تفسيرات منطقية لما يجري في الولايات المتحدة، وما يدفعها لمثل هذه التوجهات التي حدثت أخيرًا ضد المملكة العربية السعودية، والتي تهدف في المقام الأول للحجز على مئات المليارات من الدولارات، وفقًا لأحكام «عرفية»، أو ما أسماه رون بول «القانون المالي للدفاع عن النفس (Financial Martial Laws)، مشيرًا إلى أنه يتوقع أن الحكومة الأمريكية سوف تقرّها قريبًا لإنقاذ نفسها من بوادر الانهيار الاقتصادي المحتمل الذي تخفيه، حتى لو بلغ الأمر بها نحو السطو على الحسابات المالية للأفراد وحقوقهم القانونية والدستورية؛ لحماية الدولار والاقتصاد الأمريكي من أي انهيار بات وشيكًا، مؤكدًا أن الحكومة الأمريكية ستفعل ذلك إذا لزم الأمر."
قانون وضع اليد .. انهيار كارثي
وأوضح بول "أن الكثيرين يجهلون أن أمريكا فعلت ذلك في السابق من خلال وضع اليد على أموال مواطنيها، وستفعل ذلك مجددًا وتضع يدها على مدخرات التقاعد المقدرة بـ23 تريليون دولار، والحسابات المصرفية للأفراد الخاصة بالمواطنين، وسوق الأوراق المالية لحساب «الصالح العام»، وذلك من خلال سن القوانين التي تخوّل لهم فعل ذلك، وقال: "إن هذا هو المرجح في ظل وجود بوادر لانهيار مالي"، واصفًا الوضع حينها - إذا لم تفعل الحكومة ذلك - بأنه كارثي؛ لأن العديد من الدول التي ضخّت استثماراتها في الاقتصاد الأمريكي واشترت سندات حكومية، باعتبارها الأكثر موثوقية وأمانًا منذ عقود، ستقوم بسحب ملياراتها، وحينها سوف يفلس الكثير من الأثرياء، والعديد من الموظفين سيفقدون وظائفهم، ولن تكون هناك أي مدخرات في حسابات المتقاعدين، وستحدث فوضى اجتماعية تدفع إلى حاجة الحكومة الأمريكية لفرض مثل هذه الأحكام العرفية الديكتاتورية.
الحجر على الاستثمارات
ونبَّه خالد عباس طاشكندي إلى أن هذا هو السيناريو الأمريكي المطروح، وأسبابه الحقيقية بحسب عضو الحزب الجمهوري أزمة اقتصادية ضخمة، قد تقوم بوضع اليد على أموال الغير لحلها، مشيرًا إلى أنه: "بعد فشل المساعي الأمريكية لإيجاد أي دليل يثبت علاقة المملكة السعودية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعلى طريقة رعاة البقر، اتجهت الحكومة الأمريكية نحو تشريع قانون عجيب يخوّل لذوي ضحايا أحداث سبتمبر مقاضاة الحكومة السعودية تحت مسمى "قانون جاستا"، والذي سيحدث فوضى عارمة في تنظيم العلاقات القانونية بين دول العالم؛ بالسماح لمواطنيها بمقاضاة دول أجنبية أخرى، والحجر على استثماراتها دون مسوغات قانونية لذلك."
وأكد أن هذه هي الحقائق حول الوضع في الداخل الأمريكي، والذي من الواضح أنه انعكس على السياسة الخارجية الأمريكية، التي يبدو أنها قررت أن «تتغدى بنا قبل أن تتعشى على شعبها»، من خلال تمرير قانونها الجديد لمصادرة استثمارات سعودية بمئات المليارات.
لماذا هي مستهدفة؟ .. السعودية من أكبر الدائنين لأمريكا
تعد الرياض مستهدفة من قبل واشنطن نظرًا لكونها من أكبر الدائنين لها، وبالتالي كانت الدولة الأولى التي يُطبق عليها قانون "جاستا" الأمريكي، فقد تبين أن الولايات المتحدة مدينة للسعودية بأكثر من 116 مليار دولار، لتكون المملكة بذلك واحدة من أكبر الدائنين للأمريكيين بعد كلٍّ من الصين واليابان، وذلك بحسب بيانات أفصحت عنها الولايات المتحدة بعد أن ظلت سرية طوال أربعين عامًا خلَت.
كذلك من المعروف أن لدى السعودية واحدًا من أكبر صناديق الاستثمارات السيادية في العالم، وهو الصندوق التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، التي توزع استثماراتها على مختلف أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة، لكن هذه المعلومات التي تم الإفصاح عنها تكشف للمرة الأولى أن نحو 20 في المائة من أموال الصندوق هي عبارة عن أذون خزانة أمريكية "سندات حكومية". وتبلغ القيمة الإجمالية لصندوق "ساما" نحو 580 مليار دولار أمريكي.
الخليج العربي-