بغض النظر عن كون قيمتها تبلغ 700 مليار دولار، كما قالت مصادر رسمية، أو ألف مليار دولار (أي تريليون دولار)، كما قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية قبل أيام، فإن السؤال المطروح هنا هو:
هل ستفعلها السعودية وتسحب الأصول والاستثمارات المملوكة لها داخل الأسواق الأمريكية والموجودة في قطاعات اقتصادية حيوية؟
السؤال يبدو منطقيا مع زيادة حجم المضايقات التي باتت تتعرض لها هذه الاستثمارات، وزيادة المخاطر المالية والسياسية المحيطة بها، وكذا زيادة تحرش الإدارة الأمريكية بالمملكة وبأموالها وبملياراتها في الخارج؟
يوم الجمعة الماضية كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن أن السعودية تدرس إمكانية وقف استثماراتها في الاقتصاد الأمريكي، وأن الرياض تراجع استراتيجيتها الاستثمارية في الولايات المتحدة نظرا للتغيرات في المشهد السياسي بها.
واستندت الصحيفة في تحليلها إلى مؤشرين، الأول هو تعليق صندوق الاستثمارات العامة السعودي (الصندوق السيادي) استثماراته في الاقتصاد الأمريكي، حتى يتضح النهج الذي ستختاره واشنطن إزاء علاقاتها مع الرياض.
والثاني هو أن إدارة شركة "أرامكو"، عملاق النفط السعودي، قد تجري عملية الطرح الأولي لأسهمها، خارج الأسواق الأمريكية، علما بأن هذا الطرح البالغ قيمته نحو 125 مليار دولار، هو الأضخم في تاريخ الأسواق المالية العالمية.
المتابعون لملف العلاقات السعودية الأمريكية يرصدون زيادة تحرش الإدارة الأمريكية بالسعودية خلال الشهور الماضية، وهذا التحرش بلغ قمته في خطوتين، الأولى جاءت عقب إقرار الكونغرس قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف اختصارا بقانون جاستا، والذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية منها السعودية.
وقد أثار هذا القانون المثير للجدل قلق قادة السعودية من استغلاه في مصادرة استثمارات للمملكة تقدر بمليارات الدولارات عبر أحكام قضائية تصدر لصالح ضحايا هجمات 11 سبتمبر.
وربما يترجم ذلك القل التصريح الخطير الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير في أبريل/نيسان الماضي وقبل تمرير القانون حيث لوح بسحب استثمارات المملكة من أمريكا في حال إقرار القانون، وقد تجاهل الكونغرس تلويح المسؤول السعودي البارز.
أما الخطوة الثانية للتحرش الأمريكي ضد المملكة فهي انتخاب دونالد ترامب رئيسا لأمريكا وهو الذي أعلن مرارا عن دعمه لقانون جاستا، كما هدد بوقف استيراد النفط السعودي، قائلا إنه يريد الاستقلال عن "خصوم أمريكا".
إزاء هذه التطورات نعود للسؤال المطروح: هل تفعلها السعودية وتسحب استثماراتها من الأسواق الأمريكية؟
من الناحية النظرية يمكن الإجابة عن هذا السؤال بـ "نعم ..المملكة تستطيع فعل ذلك"، إذ إن هذه أموالها تتصرف فيها كما تشاء، كما أن القانون الأمريكي يحترم الملكية الخاصة ويحظر مصادرتها".
لكن من الناحية العملية فإن هناك صعوبات جمة يمكن أن تواجه المملكة في حال إقدامها على هذه الخطوة، فالقوانين الأمريكية تخضع عملية سحب الأجانب لاستثماراتهم لإجراءات وموافقات معقدة قد تستغرق سنوات طويلة، وتزداد الفترة إذا كان الأمر يتعلق باستثمارات في قطاعات حساسة مثل البنوك والقطاع المالي والبترول والطيران والموانئ والمطارات، كما أن الاستثمارات السعودية موجودة في أصول واستثمارات يصعب تسييلها بين يوم وليلة أو خلال فترة زمنية قصيرة.
وسأضرب هنا مثالا بأصول باستثمارات شركة أرامكو داخل أمريكا، فالشركة تمتلك أصولا بالمليارات منها مشروع صدارة المشترك مع "داو كيميكال" ويستهدف إقامة أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم باستثمار 20 مليار دولار، هل من السهل أن يتم إيجاد مشتر سريع لهذا العملاق النفطي؟
أيضا استحوذت شركة أرامكو السعودية على أكبر مصفاة بأمريكا بعد شرائها مصفاة "بورت آرثر" بولاية تكساس التي تعتبر "جوهرة التاج" بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية حيث تبلغ طاقتها الاستيعابية 600 ألف برميل يوميا، هل من السهل أن تعثر المملكة على مستثمر يشتري هذه المصفاة العملاقة؟
ومن بين الاستثمارات السعودية أيضأ مشروع مشترك للألمنيوم بين شركتي التعدين العربية السعودية "معادن" و"الكوا" الأمريكية باستثمارات 10.8 مليارات دولار لبناء أكبر مجمع متكامل في العالم لإنتاج الألمنيوم.
كما تمتلك السعودية حصصا ومساهمات في فنادق فيرمونت بلازا الشهير في نيويورك، وفيرمونت في سان فرانسيسكو، وفور سيزونز ومجموعة سيتي جروب أكبر مصرف عالمي، وشركات نيوز كوربوريشن وتويتر وتايم وورنر وغيرها.
الخيارات المتاحة أمام المملكة، محدودة وتحتاج إلى وقت لإدخال تعديلات جوهرية على السياسة التي تنظم استثماراتها الخارجية خاصة الموجودة داخل الولايات المتحدة، والأسواق والفرص الاستثمارية القادرة على استيعاب هذه المليارات لا تزال محدودة، بما فيها الفرص المتاحة داخل المنطقة العربية لأسباب عدة منها زيادة المخاطر.
إذا كانت المملكة عازمة بالفعل على تحريك استثماراتها من الأسواق الأمريكية فعليها أن تبدأ اليوم قبل الغد، المهم هو أن تبدأ، والبداية يمكن أن تكون بعدم تجديد اكتتابات المملكة في الأذون والسندات الأمريكية والبالغة نحو 100 مليار دولار، وسحب الأموال المودعة لدى البنوك الأمريكية في شكل ودائع أو أدوات دين قصيرة ومتوسطة الأجل.
مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-