انسحبت طيران المها القطرية من السوق السعودية قبل أيام قلائل من حصولها على الرخصة النهائية، وهو ما لم يحصل للأسف بعد انتظار جاوز الأربعة أعوام والمواطن يمني نفسه بتشغيلها دعماً لسيادة المنافسة وجودة الخدمة وانخفاض الأسعار (حصلت المها على الترخيص المبدئي نهاية العام 2012).
انسحاب طيران المها يفتح باب الأسئلة على مصاريعه حول جديتنا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وحول القوانين المنظمة لتلك الاستثمارات، وإجراءات وتصرفات الهيئات المسؤولة عن استقطاب وتوطين الاستثمار الأجنبي في سوقنا.
فطيران المها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد فقدنا قبلها مصنع تاتا للسيارات، حيث كانت الشركة التي تصنع «جاغوار» و«رنج روفر» على وشك افتتاح ثالث أكبر مصانعها في العالم عندنا، إلا أنها انسحبت في اللحظة الأخيرة لسبب لم يعلن عنه إلى اليوم. كما تتحدث الأخبار عن سحب مشروع بناء محطة ينبع للكهرباء والماء من سامسونغ الكورية، بسبب عزاه القنصل الكوري إلى عدم التزام وزارة البيئة والمياه والكهرباء ببنود العقد.
بالتأكيد، الموضوع محبط ومؤسف، فالدول تتصارع وتتنافس على استقطاب المستثمرين الأجانب، وتذلل لهم العقبات والصعوبات، وتعطيهم الإعفاءات والإغراءات، ونحن نفقد الفرص السهلة بسبب تصرف موظف أو مكابرة مسؤول أو تعنت جهة حكومية.
والواضح أنه على رغم المزايا التي ينفرد بها اقتصادنا في المنطقة إلا أننا لم نستفد منها، والواضح أيضاً أن بيئتنا الاستثمارية تعاني من مشكلة تجعلها طاردة للاستثمار لا جاذبة له، ويجب أن نصلحها أولاً حتى لا نوقّع الاتفاقات ونقيم المعارض وندعو المستثمرين، وعندما يأتون سرعان ما يعودون أدراجهم لينقلوا صورة سلبية عن بيئتنا الاستثمارية تجعل غيرهم لا يفكر في دخول سوقنا أصلاً!
سوق «نمو» التي افتتحت هذا الأسبوع بسبع شركات فكرتها جيدة، فهي تمكّن الشركات غير المؤهلة للطرح في السوق الأساسية لتستفيد من التمويل الذي يوفره طرح الشركة في السوق، كما تهيئ الشركات لتكتسب الخبرة والمراس، لتنتقل بعدها إلى السوق الأساسية كشركة مكتملة التأهيل والنضج.
كما أن قصر التداول في هذه السوق على الصناديق والمحافظ الكبيرة ومنع الأفراد من تداول أسهمها، يمنع سيطرة سلوك المضاربة ونفخ الأسعار بلا مبرر منطقي ولا جوهري على أسهم هذه الشركات. ما يجب أن تتنبه له هيئة السوق هو أن تكون هذه السوق على اسمها سوق «نمو» فعلاً لا سوقاً لهروب وتخارج الملاك من الشركة بعد حصولهم على كعكة علاوة الإصدار.
وهذا يتطلب وضع شروط صارمة لعدم بيع الملاك حصصهم لفترة زمنية لا تقل عن خمسة أعوام، كما يجب أن تذهب علاوة الإصدار لخزانة الشركة لا لجيوب الملاك، فالهدف من إدراج الشركات في هذه السوق هو النمو وليس الهروب والتخارج، وهذا يحتاج قوانين صارمة تجعل الشركة وملاكها يسيرون في الاتجاه الأول لا الثاني.
فحذاري يا هيئة السوق قبل أن تقع الفأس في الرأس، ونعيد تجربة شركات التأمين الفاشلة في السوق، بسبب فتح الباب لشركات صغيرة سرعان ما تعلن إخفاقها، وتبدأ في مداولات خفض رأس المال ورفعه بلا جدية ولا مقدرة فعلية على النجاح!
- لا شك لدى أي منصف أن تجربة صندوق التنمية العقارية كانت إحدى أنجح التجارب التنموية التي دعمت الشقين الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، فمن جهة حركت كل القطاعات المرتبطة بالبناء، وأسهمت في تسارع دوران النقود داخل الاقتصاد وما يتبعها من تنشيط لكل القطاعات - وما أكثرها - كما أسهمت من جهة أخرى في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطن، الذي يوفّره تملُّك المسكن.
للأسف تحويل الناس للمصارف اليوم ليس حلاً لأكبر مشكلة يواجهها الاقتصاد السعودي حالياً، فالمصارف لا تحمل هم التنمية، ولن ترحم الناس، ولن تحل مشكلتهم.
وبالأمس نشرت صحيفة «الوطن» أن أرباح المصارف تصل إلى 78 في المئة من حجم القرض العقاري الذي تقدمه للمواطن، وهي نسبة لا يمكن قبولها ولا احتمالها.
يا وزارة الإسكان أعيدوا الصندوق كما كان، فالتجربة الناجحة يجب دعمها وتطويرها لا إفسادها والقضاء عليها!.
د. عبد الله بن ربيعان- الحياة السعودية-