DW- عربية-
"استمرار الدولة الريعية بات أمرا صعبا"، هذه الكلمات التي تحدثت بها وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية في الكويت "مريم العقيل"، كشفت عن أن الحفاظ على مستوى المعيشة الحالي للخليجين عامة، وليس الكويتيين فقط، لم يعد مضمونا في منطقة لم يعرف مواطنوها الضرائب والرسوم طوال عقود.
هذا التغير، كانت نتيجة طبيعية للأزمات والحروب التي تلقي بظلالها في على اقتصاديات دول الخليج، ومن بينها الأزمة الخليجية وحصار قطر، والتوترات الأمريكية الإيرانية، والحرب الأمريكية الصينية، فضلا عن الحرب في اليمن.
أزمات متعددة
الأزمات في المنطقة متعددة ومتشعبة، أبرزها الأزمة الخليجية، بين قطر ودول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، التي تدخل عامها الثالث، والتي ألقت بظلالها السلبية على اقتصاديات دول الخليج كافة، وليس الدوحة فقط.
الأزمة مع إيران، وصلت إلى مستويات تهدد بنشوء حرب تشعل النفط ومكاسب الاقتصاد التي تحققت على مدى عقود في السياحة والنقل والخدمات المالية.
يضاف إلى ذلك بوادر ظهور تبعات تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لاسيما وأن كلا البلدين شريكان أسياسيان للخليج على الصعيد الاقتصادي.
كما أن هذه الحرب تؤثر بشكل سلبي على التجارة البينية والعالمية مع الشركاء الآخرين بشكل يهدد بتراجع الطلب على النفط الذي يشكل عصب الاقتصاد الرئيسي لدول مجلس التعاون، وفي مقدمتها السعودية التي تعتمد على عائداته بنسبة تزيد على الثلثين. وفي دول أخرى مثل سلطنة عمان والكويت تشكل العوائد النفطية أكثر من 60، وأكثر من 90% على التوالي.
ولا يختلف الأمر في الإمارات، باستثناء إمارة دبي التي تعتمد على السياحة والنقل والخدمات المالية أكثر من اعتمادها على النفط.
اهتمام اقتصادي أقل
هذه الأزمات المحيطة بدول مجلس التعاون، إلى جانب الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، جعل الاقتصاد يبتعد أكثر فأكثر عن محور الاهتمام الحكومي.
فمنذ اندلاع الأزمة الخليجية، توقفت بشكل جزئي أو كلي مشاريع حيوية، هدفت إلى تحديث وتكامل البنية التحتية والمالية والصناعية المشتركة في دول مجلس التعاون.
مقابل ذلك، يشهد الخليج سباق تسلح غير مسبوق، وخاصة في السعودية التي تزيد ميزانية تسلحها على مثيلتها الروسية.
ففي السعودية، تم الانفاق على شراء أسلحة ومعدات أمنية غربية بأرقام خيالية ستصل إلى مئات المليارات على مدى السنوات الخمس المقبلة.
كما تم تخصيص عشرات مليارات الدولارات الإضافية لشراء الأسلحة وتعزيز قوات الأمن والشرطة وملاحقة المعارضين المطالبين بالإصلاح.
وقد تم الاعتماد على القروض جزئيا لتمويل هذه الصفقات.
لا مشروعات تنموية
وهو الأمر الذي زاد الشكوك في إمكانية تنفيذ مشاريع خطط التنمية الطموحة مثل "رؤية السعودية 2030"، بسبب صعوبة حشد الأموال اللازمة لها بقيمة تزيد على 500 مليار دولار.
ولا يأتي ذلك بسبب تذبذب أسعار النفط وانخفاضها فقط، بل أيضا بسبب تزايد المخاطر الاستثمارية مع تزايد حدة الأزمة مع إيران وحدوث تفجيرات استهدفت ناقلات نفطية في ميناء الفجيرة.
وفي ظل المخاطر الجديدة سيكون من غير الواقعي اقناع المستثمرين الأجانب بالمشاركة في مشاريع طويلة الأجل تكلف المليارات مثل المدن الصناعية والتكنولوجية التي تنوي الرياض مثلا إقامتها أو استكمالها.
ويدل على خروج الكثير من استثماراتهم في البورصات الخليجية مؤخرا بعد تزايد حدة التوترات مع إيران.
ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة إلى رؤى مماثلة أعلنتها الإمارات والكويت وسلطنة عُمان.
وحتى الحديث عن هذه الخطط التي كانت تتصدر التصريحات الرسمية ووسائل الإعلام خفت حاليا إلى حين.
ولا تبدو المشكلة في تراجع الاهتمام بالمشاريع المستقبلية الطموحة والضرورية للتنمية المستدامة التي تعتمد على مصادر دخل متنوعة، بل أيضا في المعطيات الاقتصادية الحالية التي لا تدفع إلى التفائل.
فمعدلات النمو الفعلية منخفضة وهي في السعودية ودول الخليج الأخرى دون 1 أو 2% منذ أربع سنوات، إذا أخذنا نسب التضخم المتزايدة بعين الاعتبار.
انخفاض أسعار النفط
ومؤخرا هبطت أسعار النفط إلى نحو 60 دولارا للبرميل على غير التوقعات بارتفاعها، خاصة بعد توقف معظم الصادرات النفطية الإيرانية نتيجة التهديدات الأمريكية.
وكان هذا السعر في الربيع الماضي، أكثر من 75 دولارا للبرميل.
ويأتي التراجع الجديد بفعل مؤشرات على تباطؤ التجارة العالمية بسبب حرب الرسوم الجمركية الترامبية على الصين وأوروبا والمكسيك وغيرها.
ويتمثل الخطر الرئيسي على السعودية ودول الخليج الأخرى النفطية في انكشافها على هذا السوق لآن عائدات النفط تشكل أكثر من ثلتي إيراداتها السنوية.
ومع دخول الأزمة مع قطر عامها الثالث ودخول حرب ترامب التجارية والأزمة مع إيران مرحلة تصعيد جديدة، فليس هناك ما يشير إلى انفراج ينعكس على أسعار النفط والاقتصاد في نفس الوقت، وبالتالي فإن الأيام المقبلة ستكون صعبة.
ويعزز من هذا المنحى تزايد الصادرات الأمريكية من النفط والغاز الصخريين إلى أوروبا والهند وشرق آسيا، حيث سوق النفط العربية بالدرجة الأولى.
نمو ضعيف
يأتي ذلك في وقت تحتاج فيه السعودية ودول الخليج الأخرى إلى مزيد من الأموال لنجاح الإصلاحات الاقتصادية المكلفة التي تتطلب بناء قطاعات جديدة تقلص الاعتماد على النفط كثروة ناضبة.
أما الاعتماد على مزيد من الاقتراض وتسييل الاحتياطات وأصول القطاع العام فإن مجاله أصبح ضيقا، إلا إذا تمت المخاطرة بارتفاع الأسعار، وتراجع أسعار العملات الخليجية أمام الدولار.
وتظهر هذه المخاطرة في السعودية أكثر من غيرها بعد وصول الدين العام إلى سقف زاد على 180 مليار دولار.
وكان استطلاع لـ"رويترز"، أصدره خبراء اقتصاديون، قال إن التوقعات بشأن نمو اقتصادات دول الخليج العربية هذا العام انخفضت، في ظل تقليص إنتاج النفط وإجراءات التقشف وتباطؤ النمو غير المرتبط بالنفط.
وتوقع الاستطلاع الذي شمل 23 خبيرا اقتصاديا بأن الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، سينمو بواقع 1.8% في 2019 و 2.2% في 2020.
وقبل 3 أشهر كانت التوقعات تشير إلى نمو بواقع 2.1% في 2019 و 2.2% في 2020.
وعلى ضوء ذلك سوف تضطر الحكومات لمد يدها إلى جيوب المواطنين بشكل أعمق، من خلال رفع الدعم الحكومي عن الخدمات العامة، ومصادر الطاقة، واعتماد سلم تحصيل ضريبي تصاعدي يطال الجميع حسب مستوى دخولهم.
وفي المحصلة فإن أياما صعبة تواجه اقتصاديات دول الخليج خلال السنوات المقبلة.
وسيكون من الصعب على هذه الاقتصاديات الحفاظ على مستوى النمو والمعيشة الحالي، إلا إذا حدث تحول دارماتيكي يأتي بطفرة أسعار جديدة في سوق الطاقة كما كان عليه الحال قبل عام 2014.