عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-
يذهب البيان المالي لميزانية عام 2019 الصادر عن وزارة المالية بسلطنة عمان إلى تقديرات متفائلة لأداء اقتصاد البلاد خلال عام 2019، حيث قدر معدل نمو الناتج المحلي بنحو 3%، وهو تقدير يختلف تمامًا عما ذهب إليه البنك الدولي في تقريره الأخير الصادر في يونيو 2019، حيث يتوقع التقرير أن يتراجع معدل نمو الناتج بالسلطنة إلى 1.2% خلال 2019، مقارنة بـ 2.1% في عام 2018.
وثمة شواهد تشير إلى تفاقم الوضع المالي في السلطنة، فوفق تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” لمنطقة الشرق الأوسط، الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2019، فإن سعر النفط المحقق لتعادل المالية العامة بالسلطة ينبغي أن يكون عند 90 دولاراً للبرميل، مقارنة بأن أسعار النفط بالسوق الدولية يتراوح اليوم ما بين 65 – 70 دولاراً للبرميل في أحسن التقديرات، ولا يتوقع أن تشهد الأسعار تحسنًا يجعلها تتخطى سقف الـ 70 دولاراً للبرميل، وهو ما يعني أن السلطنة ستظل تعاني من وضع مالي صعب، وهو ما تعكسه أوضاع الدين العام، الذي بلغ نحو 39.7 مليار دولار بنهاية 2018، بينما كان بحدود 3.9 مليار دولار في 2013.
تجاوز الدين العام في سلطنة عمان نسبة 50% بقليل مع نهاية عام 2018، وهو مرشح للزيادة خلال السنوات القادمة ما لم تتحسن أسعار النفط في السوق الدولية. ووفق أرقام البيان المالي لموازنة السلطنة في عام 2019، فإن عوائد النفط والغاز الطبيعي تم تقديرها بنحو 7.4 مليار ريال (19.1 مليار دولار) وبما يعادل نسبة 74% من إجمالي الإيرادات العامة المقدرة بنحو 10.1 مليار ريال (26.1 مليار دولار).
وفي حين تبلغ النفقات المقدرة بموازنة عام 2019 بنحو 12.9 مليار ريال (33.4 مليار دولار)، يبلغ العجز نحو 7.3 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 9.2%. وحسب توجهات الحكومة فسوف يتم تمويل هذا العجز من مصدرين؛ الأول الاقتراض من المصادر المحلية والخارجية بنسبة 86%، وسيكون للاقتراض الخارجي النصيب الأكبر، بينما يعتمد المصدر الثاني لتمويل العجز على السحب من الاحتياطيات بنحو 400 مليون ريال.
وفي مايو 2019 نشرت وكالة “رويترز” أن الحكومة العمانية اتفقت مع بنكيين دوليين لطرح سندات دولية بنحو 2 مليار دولار، ولكن إلى الآن لم تطرح نشرة الاكتتاب، وسيكون إقدام عمان على طرح سنداتها في السوق الدولية عالي التكلفة بعد أن أجمعت وكالات التصنيف الائتماني الدولية الثلاث على سوء الأوضاع المالية بالسلطنة، ووضعها عند تقدير أقل من مرتبة الاستثمار، بسبب الأوضاع المالية، وأن وضع عمان المالي بات شديد الشبه بالوضع المأزوم في البحرين.
استبعاد العون الخليجي
تكاد تكون الأزمة الخليجية التي اندلعت قبل عامين في منتصف 2017، قد ذهبت بمجلس التعاون الخليجي ككيان يمكن الاعتماد عليه من قبل أعضاءه، فضلًا عن التوجهات السياسية لسلطنة عمان التي تفصلها عن باقي دول مجلس التعاون، وهي أمور قد لا تشجع كل من السعودية والإمارات على مد يد العون لسلطنة عمان كما فعلت في عام 2018 مع البحرين، التي حصلت على دعم بنحو 10 مليارات دولار.
ومما يجعل السلطنة في موقف صعب، الوضع الإيراني الراهن، ومعاناة الأخيرة من عقوبات اقتصادية تكاد أن تعصف باقتصادها، والمعروف أن سلطنة عمان كانت دائماً ما تتبياين عن مواقف دول الخليج تجاه إيران، وقد يكون من الأصعب أن تحصل عمان على دعم مالي من إيران؛ فضلاً عن أن مسقط كانت دائماً ما تمتنع عن قبول أي مساعدات من دول المنطقة.
قد لا تجد عمان مشكلة في الحصول على احتياجاتها المالية من سوق السندات الدولية، ولكن تبقى المشكلة في التكلفة العالية، وبخاصة في ظل الاتجاه الصعودي لدينها العام، وعدم وجود بوادر بشأن تحسن أسعار النفط في السوق الدولية. حيث إن التوجه الأمريكي في ظل ترامب ألا تتكرر موجة الصعود في أسعار النفط بالسوق الدولية كما حدث في منتصف العقد الماضي، حيث تجاوزت الأسعار سقف الـ 100 دولار.
في الدائرة الخليجية تحديداً قد تجد عمان ملجئًا لدى قطر أو الكويت، ولكن الأمر يحتاج إلى قراءة الواقع السياسي بشكل جيد في ضوء الصراع الخليجي، باعتبار أنه إذا تمت هذه الخطوة، وبخاصة من قبل قطر، سوف تصنف عمان على أنها انحازت إلى قطر ضد السعودية والإمارات والبحرين، ولم تعد في موقف الحياد كما هو الحال مع الكويت.
ولا نستبعد أن تتصرف عمان في إطار بعيد عن مجلس التعاون الخليجي، وتفضل سوق السندات الدولية، وأن تتحمل نتيجة الاقتراض الخارجي.
وصفة غير ناجعة
لم تكن وصفة صندوق النقد الدولي التي تضمنها تقرير خبرائه بعد الزيارة الدورية لعمان في أبريل 2019، لتختلف عن روشتته العامة، أو الخاصة التي قدمت لدول الخليج، من ضرورة تخفيض الإنفاق العام، وضبط عجز الموازنة، والعمل على تنوع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط، وإفساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في خلق فرص العمل.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي في السلطنة يمر بمشكلات صعبة، أبرزها مشكلة البطالة التي قدرتها منظمة العمل الدولية في عام 2017 بنحو 17%، وبين الشباب بنحو 49%، ولعل هذا ما دعا الحكومة لعدم الأخذ بوصية صندوق النقد إلى الآن بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وفضلت –كما جاء في بيان الموازنة لعام 2019- بالإعلان عن تطبيق ضريبة انتقائية على بعض السلع مثل التبغ والخمور وغيرها، لأن ضريبة القيمة المضافة من شأنها أن تحد من النشاط الاقتصادي المتراجع في الأصل.
المخرج الآمن
بلا شك أن إصلاحات هيكلية على نمط تنوع النشاط الاقتصادي، وافساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصاد وتوفير فرص عمل، قد تكون مقبولة في ظل اقتصاديات كبيرة تتمتع بتنوع الموارد وحجم السوق الكبير، وهي شروط تفتقدها كل دول الخليج، ومن بينها سلطنة عمان.
لذلك لا مخرج على المدى المتوسط والبعيد، إلا بأن تفكر دول الخليج بشكل جدي، في استعادة لحمة مجلس التعاون الخليجي ليكون نواة صلبة لإحياء مشروع التكامل الاقتصادي العربي، فهو المشروع العاصم لجميع الدول العربية، والذي يمكنه أن يحمي اقتصادياتها ضد تقلبات الأسواق الدولية، سواء كانت تلك التقلبات ناتجة عن الأسواق المالية، أو أسواق السلع الأولية، أو الصراعات بين القوى الاقتصادية الدولية الكبرى.
إن ما قدمته الصين على سبيل المثال خلال السنوات الماضية، من انشاء مصانع في عدة دول عربية في مجالات الطاقة الشمسية أو صناعة البتروكيماويات أو المواد البناء، لم يكن بالشئ الصعب على أن يتم تنفيذه في إطار عربي، ويسهم في تنشيط العديد من الاقتصاديات العربية، التي تعاني على مدار العقد الماضي من أزمات الركود والمديونية.