الخليج أونلاين-
نمو كبير يشهده الاستثمار في السندات والصكوك بالمملكة العربية السعودية، يعيده متخصصون للبنية التحتية التي وفرتها المملكة لهذا النوع من الاستثمار، إضافة إلى أنه كان الأمن بين صنوف الاستثمارات المالية الأخرى في وقت انتشار فيروس "كورونا".
حلت السعودية في مقدمة إصدارات سوق السندات والصكوك الخليجية، في النصف الأول من العام الجاري، بقيمة إجمالية بلغت 32 مليار دولار.
هذه القيمة تشكل 38٪ من إجمالي قيمة الإصدارات، تليها الإمارات بنسبة 34٪، ثم سلطنة عمان في المرتبة الثالثة بنسبة 10٪.
ساهم في هذا الارتفاع توجه الشركات إلى الاستفادة من تراجع أسعار الفوائد، وارتفاع إقبال المستثمرين على أسواق الدين من أجل الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ مشاريعها التوسعية، وتعزيز مستويات السيولة لديها بعد أزمة كورونا.
يقول سيباستين مير وكريم هينيد، من شركة "آي إتش إس ماركت" للخدمات المالية: إنه "منذ أواخر 2020 ومنحنى العائد لأدوات الدين من 5 إلى 15 عاماً قد أخذ في الارتفاع"، بحسب صحيفة "الاقتصادية" المحلية.
هذا الارتفاع يأتي وفقاً لحركة العائد، وذلك بالتزامن مع ما يحدث في الأسواق العالمية؛ بسبب تغير اتجاه حركة عوائد سندات الخزانة الأمريكية منذ الربع الثاني من 2020.
الصكوك والسندات
تعرف الصكوك بأنها إحدى أشكال الاستثمار والتمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والاستفادة منها لم تقتصر على القطاع الخاص، وبخاصة الشركات الكبيرة والمساهمة العامة، بل امتدت إلى القطاع العام، سواء الحكومات أو المؤسسات الحكومية التابعة لها في تمويل مشاريعه.
ليست الصكوك والسندات دائمة طالما تدوم الشركة المصدرة لها، كما كانت الحال بالنسبة للأسهم، بل هي مرتبطة بأجل تجري تصفيتها عند بلوغه، بالطرق المنصوص عليها في نشرة الإصدار باعتبارها أداة تمويلية، وتمثل ملكية المشروع الذي أصدرت من أجله.
ولحامل السهم عند تصفية الشركة التي يسهم فيها حصته من أصولها بعد تسديد ما عليها من ديون، علماً أن السهم جزء من رأس مال الشركة، والشركات ليس لها عادة تاريخ للتصفية؛ لأن الغرض من إنشائها هو الاستثمار والتوسع والاستمرارية إلى أجل غير مسمى.
أما الصكوك فإنها تختص عادة بمشاريع لها تاريخ انتهاء وتاريخ ابتداء، وحامل الصك ممول للشركة المصدرة.
وتعتبر السندات ورقة مالية تحمل فوائد، وحامل السندات لا يتأثر بنتيجة أعمال الشركات ولا بمركزها المالي؛ لأن مالكها يستحق القيمة الاسمية للسند مضافاً إليها الفوائد عند الاستحقاق.
أما مالك الصك فإنه يتأثر بنتيجة أعمال الشركة أو المشروع، ويشارك في تحمل الأخطار، فله المكاسب التي يحققها المشروع وعليه الغرامات التي يتعرض لها.
وتتمتع الصكوك التي تصدرها الحكومات بدرجة عالية من الثقة والضمان واستقرار العائد؛ لذلك تشهد إقبالاً كبيراً على هذه الأدوات.
كما أن طريقه تقويم الأخطار واحدة سواء للسندات أو الصكوك، إذ تعتمد عملية التقويم على التصنيف الائتماني لمصدر هذه الصكوك ووزن الأصول الداعمة لهذا الائتمان، بحيث يقوم المستثمر بتقويم العائدات المتوقعة على تلك الصكوك، ويقارنها بالأخطار المحتملة، وبناء عليها يتخذ قراره الاستثماري.
أكثر أماناً
الباحث في الشأن الاقتصادي وسام الكبيسي قال في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إن ما يجعل الصكوك اليوم مفضلة لدى الناس هو أنها من أكثر طرق التمويل والاستثمار أماناً من المخاطر.
كذلك فإن من إيجابيات الاستثمار في الصكوك -وفق الكبيسي- أنها تحافظ على قيمة المدخرات، بالإضافة لوجود صكوك تُصدر وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية تشجع المسلمين على الاستثمار فيها.
يضاف إلى هذا أن هذه الصكوك تحمل موثوقية عالية؛ نظراً لأن الجهة التي تصدرها هي جهة حكومة أو شبه حكومية غالباً، أو شركات خاصة كبيرة، وتتميز بسمعة عالية، وفق ما يقول الكبيسي.
تأثير كورونا
وسبق أن اعتبر الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في شركة البلاد المالية، هيثم سليمان السحيمي، في مقابلة مع "العربية"، أن الإقبال القوي على إصدارات الصكوك بالفترة الأخيرة يأتي بعد تأثر الاقتصادات بجائحة كورونا.
ومع التعافي حالياً يسعى الكثير من الشركات إلى الاستفادة من أسعار الفائدة المتدنية، وكذلك التوسع في النشاطات التشغيلية والتمويلية، بالتوازي مع التفاؤل تجاه الاقتصاد السعودي مستقبلاً ضمن رؤية المملكة 2030، والتعافي الملحوظ بالفترة الأخيرة.
وتوقع هيثم السحيمي استمرار زخم الطلبات على الصكوك، لافتاً إلى وجود طلبات كثيرة لإصدارات صكوك في قطاعات البنية التحتية والطاقة والبنوك، وهو ما يشير إلى وجود طلبات متزايدة يتوقع استمرارها في الربع الأخير من 2021 و2022.
وأوضح أن تفضيل الصكوك على السندات يعود إلى الوجود جغرافياً في عالم إسلامي استثماري يفضل الكثير من مستثمريه الصكوك على السندات، لا سيما أن التكاليف متشابهة بين الاثنين، لكن الاختلاف يكون في الهيكلة.
من جانبه فإن الباحث في الشأن الاقتصادي وسام الكبيسي، لا يذهب بعيداً في الرأي عما قاله السحيمي، إذ يرى أن زيادة الإقبال على الصكوك والسندات جاءت على خلفية تداعيات فيروس كورونا.
وأيضاً يرى الكبيسي أن الإقبال على الصكوك والسندات جاء أيضاً على خلفية انحسار الكثير من الأنشطة، وتعطل حركة الإنتاج والتسويق في الكثير من القطاعات الاقتصادية.
ولا يتوقع الكبيسي أن تنحسر حركة إصدار وتداول الصكوك مع انحسار الفيروس والعودة التدريجية للنشاط الاقتصادي.
وعلل ما ذهب إليه "بأن التوسع في المشاريع سيتطلب أوعية كبيرة لجمع مدخرات تفي بمتطلبات هذا التوسع، مع الأخذ بالاعتبار أن السوق السعودي يعد من أنشط الأسواق".
وأضاف أن من بين الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد باستمرار الطلب على الصكوك أن "نسبة العائد الاستثماري في هذه الصكوك من المتوقع أن تكون مرتفعة؛ نتيجة لتوسع حجم الطلب بعد فترة انحسار في معدلات الطلب على السلع والخدمات بعد الإجراءات والسلوكيات التي فرضها فيروس كورونا طوال أكثر من عام ونصف ماضيين".