سلمى حداد - الخليج أونلاين-
يبدو أن المملكة العربية السعودية تدخل العام 2024 وهي تراهن على القطاعات غير النفطية في دعم اقتصادها في ظل تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط وتحول أسعار الخام للانخفاض مع تراجع الطلب العالمي وارتفاع مخزونات النفط الخام الأمريكي.
وأعلنت السعودية، في نوفمبر الماضي، تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط، البالغ مليون برميل يومياً، حتى نهاية الربع الأول من العام 2024، وذلك بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق "أوبك+"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس).
ووفق الوكالة فإن إنتاج المملكة وفقاً لهذا القرار سيكون حوالي 9 ملايين برميل يومياً حتى نهاية شهر مارس من عام 2024.
وأضافت الوكالة: "ودعماً لاستقرار السوق، ستتم إعادة كميات الخفض الإضافية هذه تدريجياً وفقاً لظروف السوق"، أي إنه في حال تواصلت أسعار الخام بالهبوط فإن السعودية ستواصل خططها لخفض الإنتاج مع مجموعة "أوبك+".
وذكرت "واس" أن الخفض هو بواقع مليون برميل يومياً، وبدأ تطبيقه في يوليو 2023، بالإضافة إلى الخفض الطوعي البالغ 500 ألف برميل يومياً الذي سبق أن أعلنت عنه المملكة في شهر أبريل من عام 2023، والممتد حتى نهاية ديسمبر من عام 2024.
وأكدت أن هذا الخفض الطوعي الإضافي يأتي لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول "أوبك+" بهدف دعم استقرار أسواق البترول وتوازنها عالمياً.
وفي المقابل، فإن الأنشطة غير النفطية السعودية ستواصل صعودها بالعام المقبل ضمن استراتيجية المملكة لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن الاعتماد كلياً على النفط.
نمو كبير متوقع
وقال كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، نايف الغيث، في تصريحات لقناة "العربية"، في 31 ديسمبر 2023: إن "الناتج المحلي الإجمالي يتوقع أن يحقق نمواً بنحو 4% في 2024، في حين تشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي غير النفطي، سيرتفع بنحو 5% خلال العام نفسه".
وأضاف الغيث أن الناتج المحلي غير النفطي بالمملكة يحقق نمواً كبيراً مدفوعاً بمشاريع عملاقة مثل "نيوم" وغيرها من المشاريع.
وتابع: "هناك الكثير من القطاعات التي تؤدي إلى نمو الناتج المحلي غير النفطي، وخاصة السياحة، وكذلك القطاع التكنولوجي.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يسهم قطاع التكنولوجيا بصورة إيجابية كبيرة في نمو الناتج المحلي غير النفطي.
وذكر أن نتائج المشاريع السعودية العملاقة ستظهر بصورة أكبر بالعام 2025.
وتوقع الاقتصادي السعودي أن يصل نمو الناتج المحلي غير النفطي في العام 2025 إلى 6%.
ولفت إلى أن الشركات السعودية لن تتأثر كثيراً بتقلبات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل النمو الذي يحققه القطاع غير النفطي في المملكة.
ونما اقتصاد المملكة بنحو 8.7% خلال العام الماضي، وفقاً لأحدث تقارير صندوق النقد الدولي الصادر في 13 ديسمبر 2023.
ولفت إلى نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 4.8% بدعم من معدلات الاستهلاك المرتفعة إلى جانب الاستثمار الخاص غير النفطي وازدهار قطاعات البناء والنقل إضافةً إلى تجارة التجزئة.
وتشير تقديرات الصندوق إلى أن السعودية استطاعت إغلاق فجوة الإنتاج خلال العام الماضي في ظل استمرار زخم النمو غير النفطي.
يشار إلى أن وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" توقعت انتعاش نمو اقتصاد السعودية إلى 2.7% في 2024 من انكماش بنسبة 0.4% في العام 2023.
وأضافت الوكالة، في تقرير بشأن الأسواق الناشئة، أن النمو في السعودية تراجع في العام 2023 بسبب تخفيضات إنتاج النفط التي تنفذها المملكة ضمن تحالف "أوبك+" الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء من بينهم روسيا.
لكن الوكالة تتوقع في الوقت ذاته تحسن النمو في العامين الحالي والقادم، على أن يبلغ 3.7% في 2025، بدعم من الاقتصاد غير النفطي.
جدير بالذكر أن مؤسسة موديز أناليتكس توقعت نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في السعودية بين 3 و4% سنوياً حتى العام 2030.
وذكرت المؤسسة أن هذا النمو المتوقع سيدفع بالاقتصاد غير النفطي ليشكل نحو 56% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
وفي المقابل، توقعت وكالة موديز في تقرير حديث لها، أن يكون نمو القطاع النفطي بين 0.5% و1.5% بعد عام 2025.
تركيز على الأنشطة غير النفطية
من جانبه قال محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، إن من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بنحو 6% هذا العام، مضيفا أنه يتوقع أن يستمر في وضع جيد.
وأوضح الجدعان، في تصريحات صحفية في أكتوبر الماضي، أن السعودية تركز على نمو الناتج المحلي غير النفطي، وهو محور رؤية 2030.
وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في السعودية شهد في الربع الثالث من العام 2023 نمواً بنسبة 6.1%.
وتوقع أن يبلغ النمو بنهاية العام نحو 6%، وأن يكون النمو حول هذا المستوى في العام 2024.
رهان جديد ذروته بـ2030
وفي قراءته للتحولات السعودية نحو الاقتصاد غير النفطي، يقول الكاتب والخبير الاقتصادي، منير سيف الدين: إن "المملكة تدخل العام الجديد مواصلة الرهان على الاقتصاد غير النفطي لدعم اقتصادها الكلي خلال السنوات المقبلة وصولاً إلى الذروة في العام 2030".
ويضيف سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "السنوات الأخيرة شهدت نمواً غير مسبوق في استثمارات غير نفطية مثل التجارة والصناعة والترفيه والبنية التحتية والنقل والمواصلات والخدمات اللوجستية والتعليم والصحة وغيرها من الأنشطة".
وتابع: "شهد العام 2022 نمواً في الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8%، وتحولت المالية العامة إلى تحقيق فائض بعد العجز الذي سجلته في السنوات السابقة".
وحققت الميزانية السعودية في 2022 فائضاً مالياً لأول مرة منذ 9 سنوات، بلغ 103.9 مليارات ريال (27.68 مليار دولار).
وأشار إلى أنه في العام 2023 حقق القطاع غير النفطي صعوداً جديداً بنسبة 5.5% بالنصف الأول من العام2023، مقارنة بما كانت عليه الأحوال بالفترة نفسها من العام السابق له.
وفي الربع الثالث من العام 2023 نما القطاع غير النفطي بنسبة فاقت التوقعات؛ حيث ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 53% إلى 111.5 مليار ريال (29.7 مليون دولار)، مقارنة مع 72.84 مليار ريال (19.4 مليار دولار) في الربع المماثل من 2022.
وفي الوقت نفسه واصلت الإيرادات النفطية تراجعها بنسبة 36% أو ما يعادل نحو 147 مليار ريال (39.20 مليار دولار) في الربع الثالث من 2023، مقابل نحو 229 مليار ريال (61.07 مليار دولار) في العام السابق له.
وعلى مدار الشهور التسعة الأولى من العام الجاري ارتفع إجمالي الإيرادات غير النفطية بنسبة 22% إلى نحو 348.9 مليار ريال (93.04 مليار دولار) في مقابل 287 مليار ريال (76.53 مليار دولار) في الفترة ذاتها من 2022.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن البيان التمهيدي للميزانية السعودية 2024، يراهن على القطاع غير النفطي في استمرار مسيرة النمو خلال العام القادم بنسبة 5.9%.
وأوضح أن من ضمن المؤشرات المهمة على ذلك توسع فرص العمل بالقطاعات غير النفطية، واستمرار التوسع في الصادرات السعودية غير النفطية.
وذكر سيف الدين أن هناك حوافز تقدمها السعودية ومبادرات تشجع المستثمرين الأجانب والمحليين على الدخول للسوق السعودي والاستثمار بالقطاعات غير النفطية.
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي فقد تضاعف رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، حيث بلغ 775 مليار ريال (206.67 مليارات دولار) في عام 2022، مقارنة مع 413 مليار ريال (110.13 مليارات دولار)، في عام 2015، ما يجعل المملكة في المرتبة الـ16 بين اقتصادات دول مجموعة العشرين.
ويعزز نمو القطاع غير النفطي ابتعاد السعودية عن الاهتمام بأسعار النفط والتقلبات الحادثة فيها، وهو ما يفسر سياسة الإنتاج السعودية.
وعلى الرغم من التزام المملكة بخفض إنتاج النفط في إطار تحالف "أوبك+" بمقدار مليوني برميل يومياً ألزمت السعودية نفسها بتخفيض طوعي مقداره مليون برميل يومياً.