تضع دول الخليج اللمسات الأخيرة على مشاريع وقوانين خاصة بضريبة القيمة المضافة والانتقائية، لإقرارها قبل نهاية العام الجاري؛ بهدف تعزيز الإيرادات التي تقلصت من جراء هبوط أسعار النفط، إضافة إلى تسهيل بيئة الأعمال في دول مجلس التعاون، والحفاظ على حقوق المستهلك، فضلاً عن تجاوز المخاطر والصعوبات التي تحيط بها عقب أزمة أسعار النفط.
- تحذيرات
وتقول ماري أوينز ثومسن، كبيرة المحللين الاقتصاديين في مجموعة "إندوسويس" السويسرية لإدارة الثروات، إن معدلات تضخم اقتصادات الخليج لا تزال تحت السيطرة، إلا أن هناك سقفاً زمنياً لاستمرار هذه الحالة، إذ إنه كلما طالت مدة بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة للغاية ازدادت المخاطر والصعوبات التي تواجه اقتصادات دول المنطقة.
وتؤكد "ثومسن" أنه: "إضافة إلى أسعار النفط المنخفضة، تواجه تلك الدول مشكلة وقوعها في منطقة ذات مخاطر جيوسياسية كبيرة، وبالتالي تحتاج إلى تعزيز جاذبيتها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أكثر من غيرها".
- تدارك للمخاطر
ولتدارك المخاطر التي نبه إليها عدد من الخبراء، اتفقت لجنة التعاون الاقتصادي والمالي بدول مجلس التعاون الخليجي، عقب مناقشات في الاجتماع الاستثنائي 104 لوزراء المالية في الدول الأعضاء، الخميس 16 يونيو/حزيران، على مشروع الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة، واتفاقية الضريبة الانتقائية، وقررت عقد اجتماع استثنائي آخر في الربع الثالث من العام الحالي، بين شهري سبتمبر/أيلول، وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين؛ تمهيداً للتوقيع على الاتفاقيتين ودخولهما حيز النفاذ، وفقاً لوزير المالية الكويتي، أنس الصالح.
- ما هي الضريبة المضافة؟
وتفرض الضريبة المضافة على فارق سعر التكلفة وسعر المبيع للسلع، وذلك على تكلفة الإنتاج، وتعتبر ضريبة غير مباشرة ظهرت للمرة الأولى سنة 1954 في فرنسا، وكان معدلها العادي 20%، مع زيادات لغاية 23% و25%، كما كانت تتضمن معدلات منخفضة بحدود 6 و10%.
ويتم استيفاء القيمة في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية من إنتاج وتوزيع واستهلاك، وكذلك تفرض عند الاستيراد على القيمة الجمركية مضافاً إليها الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى الموجبة أصلاً، وبذلك تصل إلى المستهلك النهائي، ويقع العبء المالي فيها عليه.
ورغم أن الضريبة تستثني الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، و94 سلعة غذائية عند تطبيقها، إلا أن متخصصين يرون أن من سلبيات الضريبة أن المستهلك يتحملها بشكل كامل، وتعفي المنتج من حصة يتوجب عليه دفعها؛ إضافة إلى سلبية تحميل مختلف طبقات الشعب الاجتماعية قيماً متساوية من الضريبة نتيجة تطبيقها على سلع أساسية، وهو ما قد يتساوى فيه الفقير مع الغني في الدولة.
ومن المقرر أن تطبق ضريبة القيمة المضافة على السلع المصنفة كسلع مالية، أما الضريبة المنتقاة فستطبق على مجموعة من السلع يتم الاتفاق عليها؛ منها المضرة بالصحة، وذات السعرات الحرارية المرتفعة، فيما يبقى فرض الضريبة على التحويلات المالية للعمالة الأجنبية إلى الخارج بشكل أحادي؛ لأنها لم تبحث بشكل مشترك بين دول المجلس.
- مراجعات
ووفقاً لتقرير المركز الإحصائي لدول المجلس الذي صدر في شهر فبراير/شباط الماضي، تتشابه معدلات التضخم لدول مجلس التعاون الخليجي مع معدل التضخم العالمي خلال السنوات الست الماضية، لتستقر خلف حاجز 2% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي 2015، عدا دولة الكويت.
وباتت مسألة مراجعة السياسات الضريبية لدى دول الخليج أمراً ملحّاً، في ظلّ تراجع أسعار النفط، وما يعكسه عليها، على اعتبار أنه عامل أساسي في اقتصادها، لتفعيل مشروع التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، كما تؤدي الضرائب دوراً مهماً في استقرار النشاط الاقتصادي في الخليج، ويعد فرضها أحد الإصلاحات الاقتصادية المهمة، حيث الأنظمة الضريبية محدودة للغاية؛ إذ لا تفرض ضريبة على الدخل، لكن بعض هذه الدول يفرض رسوماً، مثل رسوم الطرق.
ففي العام 2009 قررت الإمارات تطبيق شيء من ضريبة القيمة المضافة، ما اعتبر سابقة بين دول الخليج، حيث أضافت نسبة قد تبلغ 5% على فواتير المتسوقين في مراكز الإمارات التجارية التي تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، إلا أن السلطات قالت حينها إن الضريبة لن تتجاوز نسبة رسوم الجمارك المفروضة وهي 5%، فيما قدر صندوق النقد الدولي أن هذه الخطوات ستدر في النهاية إيرادات تعادل 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات.
وطلبت الكويت في وقت سابق مساعدة صندوق النقد من أجل فرض ضرائب على الشركات؛ بهدف تنويع مصادر الدخل العام في مواجهة انخفاض أسعار النفط الخام، حيث استفادت منطقة الخليج خلال العقود الماضية من عدم فرضها أي نوع من الضرائب، وتمكنت من استقطاب مستثمرين أجانب.
- مواجهة أزمة النفط
المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، حثت دول الخليج على البحث عن مزيد من الوسائل التمويلية لزيادة العائدات المالية؛ من أجل مواجهة تراجعات النفط الخام، وقالت إن دول الخليج الغنية بالنفط خسرت ما يقارب 70% من إيراداتها المالية بسبب تراجع الخام، لذلك لا بد لها من تأمين مصادر تمويلية بديلة، وعلى رأسها الضرائب.
وطالبت لاجارد بضرورة استمرار دول الخليج في مسيرة الإصلاح الضريبي، مع ضرورة التركيز بشكل أكبر على ضرائب دخل الشركات، أو استحداث ضريبة الدخل على الأفراد، التي من شأنها توفير وسيلة جيدة لتأمين الاحتياجات التمويلية الضرورية، بالإضافة إلى تأمين مصادر للإنفاق على الخدمات العامة، وعلى رأسها التعليم والصحة، وأشارت إلى أن فرض ضريبة القيمة المضافة المتوقع تطبيقها من جانب دول الخليج، ستكون عند مستويات متدنية، ولن تسهم في دعم الإيرادات سوى بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم أن إقرار اتفاقيات الضريبة قد يُحمّل المواطن الخليجي أعباء مالية إضافية، إلا أن الصالح أكد أن الاتفاقية تضمن ألا يدفع المواطن الضريبة الواحدة على السلعة نفسها أكثر من مرة واحدة، وأن الهدف المرجو من الضريبتين رفع إيرادات دول المجلس دون أن يكون لها انعكاس سلبي على المواطنين، في حين ستكون الضريبة المزمع فرضُها هي الأولى من نوعها في الدول الخليجية الست المنتجة للنفط، والتي تتمتع عادة بإعفاءات ضريبية اجتذبت عمالة أجنبية كبيرة.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين