العائد المنخفض يضر الاقتصاد، وهو ما دفع الحكومة لسحب بعض الدعم، ما تسبب في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتقليص المستهلكين حجم نفقاتهم.
اعتاد الموظف السعودي «محمد إدريس» السفر إلى لندن مرة أو اثنتين كل عام، ولكنه هذه الأيام يطالب زوجته بتقليل استخدام سيارة الأسرة من أجل توفير الوقود، وقام بتثبيت الألواح الشمسية للمطبخ من أجل تقليل تكلفة الكهرباء.
لعقود، كان المواطنون السعوديون، مثل السيد «إدريس»، يتمتعون بحياة مرفهة في المملكة التي اعتاد حكامها إنفاق المليارات من الدولارات من عائدات النفط لدعم الحاجات الأساسية مثل الوقود والماء والكهرباء.
ولكن الهبوط الحاد في أسعار النفط، المصدر الأساسي لعائدات السعودية، أجبر الحكومة على سحب وتقليص بعض الدعم هذا العام، وهو ما زاد من تكلفة المعيشة في المملكة وأضر بالطبقة الوسطى، التي عاشت طويلًا بعيدة عن مثل تلك المشاكل.
وتتوجه السعودية الأسبوع القادم للاجتماع مع كبار منتجي النفط في موقف حرج. ويؤدي الاقتصاد بطيء النمو وتقلص الاحتياطيات الأجنبية إلى الضغط على السعودية من أجل دعم أسعار النفط، كما فعلت هذا الشهر في اتفاقها مع روسيا.
ويعدّ التضخم في السوق هو السبب الرئيسي للانهيار الحاد في أسعار النفط، وتتحمل السعودية نفسها مسؤولية جزئية في هذا الأمر. فقد استمر كبار منتجي النفط في العالم في إنتاج النفط بمستويات قياسية ليحافظ كل منهم على حصته في السوق.
ويقول بعض المحللون أن أحد الخيارات المطروحة التي يمكن أن تعمل لحل المشكلة، هو تجميد مستويات الإنتاج عند حد معين، واستثناء إيران من هذا الاتفاق لحين وصولها إلى مستويات ما قبل توقيع العقوبات. لكن السعودية قد سبق ورفضت التوقيع على أي اتفاقية تستثني إيران العدو اللدود.
ولكن بعد أن بدأ الألم يصيب مواطنيها، يمكن لهذا الرأي أن يتغير.
وتعاني السعودية من فقدان كبير للوظائف بين عمال البناء، وأكثرهم من الدول الأجنبية الأشد فقرًا، حيث تعاني شركات البناء المدعومة سابقًا من الحكومة من جفاف التمويل الحكومي.
ويضرب تقليص النفقات الآن الطبقة العاملة الوسطى السعودية نفسها.
وأصبح المستهلكون السعوديون الذين يعمل أغلبهم في وظائف حكومية، قلقون أكثر حول مستوى إنفاقهم في الأشهر الأخيرة، وفق ما قالته «أريج العاقل» من شركة صون للاستشارات المالية، والتي تقدم خدمات التخطيط المالي لأفراد وأسر الطبقة المتوسطة. وهذا يعني تقليص نشاط شعبي لأغلب السعوديين في الطبقة المتوسطة، وهو تناول الغداء خارج المنزل.
وقد خفضت السعودية دعم الوقود والكهرباء والمياه في ديسمبر/ كانون الأول من أجل تعزيز الوضع المالي للمملكة، بعد أن وصل عجز الموازنة لرقم قياسي العام الماضي. كما تخطط الحكومة لتقليص حجم نفقاتها على الأجور العامة ورفع عائداتها غير النفطية بفرض مزيد من الضرائب.
ولكن نتيجة لهذه التحركات، ارتفع التضخم للضعف عن العام الماضي ليصل إلى 4% الآن.
ولا تملك الحكومة الكثير من الخيارات. حيث تباطأ النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.5% في الربع الأول من العام، وفقًا لمكتب الإحصائيات التابع للدولة، ووفقًا لبيانات الكابيتال إكونوميكس فقد ارتفعت النسبة لـ 2% في الربع الثاني من العام. والأكثر من ذلك، أن القطاعات التي تشهد تباطؤًا هي القطاعات التي تقدم الخدمات والمنتجات بشكل مباشر للمستهلكين، والتي بدأت تعاني منذ بداية هذا العام، حيث أدى التضخم المرتفع إلى تآكل دخل الأسر.
وتتعرض السعودية إلى مخاطر سياسية مرتفعة في معالجتها لهذا التباطؤ. وكانت السعودية قد نجت من الاضطرابات السياسية التي أطاحت بالعديد من الزعماء والحكومات في دول الربيع العربي، واضطر آخرون للتغيير وبذل مزيد من النفقات والوظائف لاسترضاء شعوبهم. ويعمل حوالي ثلثي العاملون السعوديون في وظائف مرتبطة بكيانات حكومية.
وبجانب الوظائف السهلة واليسيرة للسعوديين، فهم يحصلون على مدفوعات إضافية اعتيادية. وكان الملك «سلمان» قد أمر بمكافأة ضخمة للموظفين الحكوميين حين تولى عرش المملكة.
ولكن كل هذه المميزات تبدو كشيء من الماضي.
وبجانب تقليص نفقاتها على دعم الوقود والكهرباء والمياه، تخطط الحكومة لخفض نفقاتها على الأجور العامة لتصل إلى نسبة 40% في عام 2020 حيث تبلغ الآن 45%، كجزء من خطتها الطموحة للتحول الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط. كما تخطط لتقليص الوظائف بنسبة 20%.
وبدأ السعوديون بالتحدث حول قلقهم من وجود أزمة اقتصادية، حيث يقول «عماد الماجد»، فني صيدلة بالرياض: «نحن نمر بفترة صعبة، وسوف تكون هناك معاناة».
وأخذ السيد «ماجد»، وهو والد لطفلين، قرضًا من البنك لشراء شقة العام الماضي، وهو القرار الذي جعله يعيد النظر في طريقة إنفاقه كما يقول.
وأضاف السيد «ماجد»: «إذا كنت معتادًا على نمط معين من الإنفاق، كيف يمكن لأحدهم إخبارك بتحديد نفقاتك وإلغاء بعض الأشياء؟ إنها فكرة جيدة، ولكن وقت التنفيذ سيكون الأمر صعبًا على كثير من الأشخاص».
ويقول بعض المحللون، أن المواطنون السعوديون غير مستعدين للشكوى من ارتفاع التكاليف، لكن هناك استياء عام من ذلك بشكل واضح. وفي منطقة غارقة في الصراع السياسي والطائفي، يمكن للمملكة التعرض لاضطرابات سياسية مماثلة.
ويقول «روبن ميلس»، المدير التنفيذي لشركة قمر للطاقة: «يتم التعبير عن الغضب حتى الآن باعتدال، لكن إذا استمر التباطؤ وبدأ التأثير على الوظائف المحلية، يمكن لهذا أن يتغير».
حتى يتحسن الوضع المالي للسعودية، كما يقول المحللون، فإنّها تحتاج لارتفاع سعر برميل النفط إلى 70 دولارا صعودا من مستواه الحالي البالغ 46 دولارا.
وفشلت السعودية وكبار منتجي النفط في الوصول إلى اتفاق بتجميد مستويات إنتاج النفط في أبريل/ نيسان، ولكن شعبها الآن قلق حول المستقبل. وهذا ما جعل شخصا مثل السيد «إدريس» يكون أكثر حذرًا نحول نفقاته، لأنه يرى أن الناس في نفس طبقته سيتحملون كلفة تعويض انخفاض عائدات النفط.
حيث يقول: «لقد أصبحت أكثر حرصًا تجاه نفقاتي لأنني أرى المستقبل من منظور متشائم. وهناك الكثير من الحديث حول تنويع الاقتصاد، لكن التركيز يبدو أنه سيتوجه إلى رفع الضرائب».
وول ستريت جورنال- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-