مع إعلان مقررات جلسة مجلس الوزراء السعودي وقرارات سلمان الملكية أول من أمس، يكون الشعب في بلاد الحرمين قد تلقى أولى الصدمات، التي على ما يبدو ستتوالى فصولاً إلى حين دخول قرارات «رؤية» محمد بن سلمان الاقتصادية ــ 2030 حيز التنفيذ
لم تكن مقررات مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين عادية أبداً، فمع نشر وكالة الأنباء الرسمية مقرراتها، ولاحقاً إعلان الديوان الملكي أربعة أوامر ملكية متّصلة بمقررات مجلس الوزراء، اشتعل موقع «تويتر» بتغريدات السعوديين تحت أوسمة عديدة تناولت القرارات الصدمة التي لم ترُق الأغلبيةَ منهم.
أربعة من بنود المقررات التسعة كانت غير مسبوقة، تضمّن أولها قراراً يقضي بإلغاء صرف العلاوة السنوية في العام الهجري 1438 (الذي يبدأ بعد أيام) أو أي زيادة مالية عند تجديد العقود أو تمديدها أو استمرارها أو عند إعادة التعاقد لكل موظفي الدولة، فيما فصّل جدولان الوظائف والقطاعات التي تقرر إلغاء علاواتها كلياً، وجدول ثالث حدّد الوظائف والقطاعات التي لن تُلغى علاواتها، ولكن تُقلّص وتحدّد نسب تقليص كل منها. البند الثاني حدد عدد إجازات الموظفين السنوية التي قلصها لتصبح 36 يوماً في السنة مع تحديد مدة زمنية محددة لأخذ الإجازات، وإلا يتم إلغاؤها أو التعويض مادياً في حال كانت ضرورة عمله تقتضي عدم أخذها في وقتها المحدد. وقضى البند الثالث بمنع توظيف غير السعوديين في الوظائف حتى انتهاء العام القادم، مع إجبار الوزارات والإدارات على تقديم كشوفات بالوظائف الشاغرة منذ سنوات، فيما قلص البند الرابع عدد أيام الإجازة السنوية للوزراء ومن في مرتبتهم (أمراء المناطق) من 42 الى 36 يوماً.
لاحقاً، أصدر الديوان الملكي أربعة قرارات ملكية قضت بـ«تخفيض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%» و«تخفيض الإعانة السنوية التي تصرف لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15%، وتخفيض المبلغ المقطوع الذي يصرف لعضو مجلس الشورى بنسبة 15%، والذي يشمل قيمة السيارة التي تؤمن للعضو وما تتطلبه من قيادة وصيانة ومحروقات خلال فترة العضوية المحددة بأربع سنوات»، و«إيقاف تأمين السيارات لكبار مسؤولي الدولة إلى نهاية السنة المالية»، و«تحمّل الوزير ومن في مرتبته ــ أو ما يعادلها ــ المستحقات المترتبة على تأمين الهواتف الثابتة والمتنقلة المخصصة له من الدولة» اعتباراً من بداية السنة الهجرية. اللافت أن الملك سلمان بن عبد العزيز قرر أن يخفّف من وقع قرارات مجلس وزرائه على عسكره بالتحديد خوفاً على معنوياتهم، فقرر في أمر ملكي أن يُستثنى من قرار إلغاء العلاوات والمكافآت العسكريون المشاركون فعلياً في المعارك والأعمال العسكرية عند الحدود مع اليمن، والمشاركون في العمليات العسكرية والاستخبارية والأمنية في الخارج، على أن تشكّل لجنة خاصة للقيام بوضع الضوابط اللازمة لتحديد العسكريين المشمولين بالاستثناء.
هذه القرارات والأوامر غير المسبوقة في تاريخ السعودية، جعلت السعوديين يشعرون بحجم الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الرياض منذ أكثر من عام، وما هم مقبلون عليه في المرحلة المقبلة. مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ كان قد عبّر عن حجم المأزق ــ بطريقة غير مباشرة ــ عندما دعا في مطلع آب الماضي «البنوك والمؤسسات الأهلية ورجال الأعمال إلى التبرع للمرابطين في الحد الجنوبي»، الأمر الذي اعتبره الإعلام الغربي مؤشراً على خسائر الرياض المالية جراء استمرار انخفاض أسعار البترول والتكلفة الضخمة للعدوان المستمر على اليمن وما يكبّد الاقتصاد من خسائر.
بين خيار إيقاف العدوان على اليمن وإنهاء حالة استنزاف الخزينة، وخيار الاستمرار في العدوان وتعويض العجز المالي من خلال التضييق على شعبه، يختار سلمان أن يمضي قدماً في مشروعه العدواني على اليمنيين، سالباً شعبه رفاهية لطالما أمّنها اقتصاد المملكة الريعي. لم يستوعب المواطن السعودي بعد قرارات فرض ضرائب جديدة على رسوم الكهرباء والمياه والصرف الصحي وجمع النفايات المنزلية التي صاغها ولي ولي العهد محمد بن سلمان قبل أشهر، والإضرابات العمالية التي بدأها عمال شركات المقاولات كـ«مجموعة بن لادن» و«سعودي أوجيه»، وأخيراً موظفو مستشفيي «سعد التخصصي» و«فخري والراجحي» في مدينة الخبر الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ 4 أشهر. أَثَرُ هذه القرارات الجديدة ستظهر في المستقبل القريب، وسط توقعات بأن تتبعها قرارات أشد قسوة على السعوديين، مع إعلان محمد بن سلمان أن أواخر العام الحالي أو بداية 2017 ستشهد فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع.
وفي ما يخص الأمراء والوزراء وأعضاء مجلس الشورى، لوحظ أن أغلب من تحدث منهم عبر حساباتهم في «تويتر» أشادوا بقرارات الملك «الحكيمة» التي من شأنها أن «تنقذ» البلاد من خطر الإفلاس، وأن الدولة «لم تقصّر في أيام الرخاء وأغدقت على أبنائها، ولا خير فيهم إذا لم يقفوا معها في السنين العجاف».
بداية العام الحالي، نشرت صحيفة «عكاظ» خبراً يرصد آراء بعض أعضاء مجلس الشورى حول قرار خفض مخصصات بدل الهاتف من 1000 الى 400 ريال وتخصيص جريدة واحدة بدلاً من ثلاث لكل عضو، فقد عبّر أغلبهم عن انزعاجهم من القرارات التقشفية التي وصفوها بالـ«محبطة». منظومة الولاء لسلطة فرض الضرائب ونزع المكتسبات والانتفاع قد تدخل مرحلة التشكيك والبلبلة، ومع كل أمر ملكي أو قرار صادر عن مجلس وزراء الرياض يقضي بفرض المزيد من الضرائب وسحب الامتيازات، سيتأكد للمراقبين أنّ أحد أسباب حرص آل سعود على إبقاء مستوى عالٍ من العداء في وجه إيران وممارسة لعبة تخويف شعبهم منها هو داخلي، حيث يضمن الملك وحاشيته التفاف حاضنته التاريخية حوله من باب المذهبية المشحونة بالتحريض، لتخفيف وقع النقمة الناتجة من تأزم الحالة الاقتصادية وفرض الضرائب وسحب امتيازات الانتفاع المادي من شعب أدمن الاعتماد على النفط.
إجراءات متتالية
تظهر الأرقام أنّ رواتب الموظفين في القطاع الحكومي في السعودية تمثّل ما نسبته 50 في المئة من ميزانية الدولة، في وقت تبدو فيه إيرادات السعودية التي تعدّ أكبر مصدر للنفط في انخفاض متواصل، مع تواصل الانخفاض في أسعار الخام إلى ما دون خمسين دولاراً للبرميل، وكانت موازنة المملكة قد سجّلت عجزاً كبيراً العام الماضي، وصل إلى 98 مليار دولار، وهو العجز الذي دفع حكومة المملكة إلى الإقدام على خفض الدعم الحكومي المقدم على الوقود والكهرباء والمياه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
غير أن محللين غير سعوديين، حسب ما نقلت «بي بي سي»، يرون أنّ الدوافع وراء إجراءات التقشف المتتالية، من قبل الحكومة السعودية، لا تعود فقط إلى انخفاض الإيرادات بفعل التراجع الواضح في أسعار النفط فقط، بل تعود في جانب كبير منها أيضاً إلى تورط السعودية في جبهات قتال إقليمية في المنطقة. ويرى هؤلاء أنّ تكاليف العملية العسكرية التي تقودها المملكة، ضمن تحالفها في اليمن، والمستمرة منذ ما يزيد على عام، إضافة إلى تورطها في الصراع الدائر في سوريا، كل ذلك يرهق الميزانية السعودية كثيراً عبر مزيد من صفقات السلاح التي تبرمها المملكة.
علي مراد- الاخبار اللبنانية-