بدأ المواطنون السعوديون ربط أحزمتهم وترشيد نفقاتهم في ظل إجراءات التقشف التي تنتهجها الحكومة، لمواجهة التراجع الحاد في الإيرادات المالية الناتجة عن هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014.
ويتفق تجار ومواطنين وخبراء اقتصاد، على أن الترشيد انسحب على السلع والخدمات غير الأساسية، مثل السفر والسياحة والمجوهرات والأجهزة المنزلية، والملابس والسيارات وخلافه.
ويرى تجار التقتهم الأناضول، أن الإنفاق على السلع الغذائية الأساسية لم يتأثر حتى الآن، باستثناء تراجع الإقبال على المطاعم بسبب خفض نسب التوجه نحو الأكلات السريعة توفيراً للنفقات.
ويتفق خبراء ومحللون اقتصاديون سعوديون، أن العام المقبل سيشكل مرحلة فاصلة في السياسات الاقتصادية السعودية، انتظارا لما ستؤول إليه توافقات منتجي النفط حول العالم لإعادة الاستقرار للأسعار والأسواق معاً.
ونتيجة لتراجع أسعار النفط، لجأت السعودية لخفض الدعم عن الطاقة والمياه والكهرباء نهاية العام الماضي، فيما خفضت بدلات وعلاوات موظفي الدولة، كما خفضت رواتب الوزراء بنسبة 20%، ومكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15% في محاولة لترشيد الإنفاق.
وأعلنت السعودية في 25 أبريل/نيسان الماضي عن رؤية اقتصادية لعام 2030، تهدف إلى خفض اعتمادها على النفط الذي يشكل المصدر الرئيس للدخل.
وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم في الوقت الراهن من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه عام 2014.
وقال «خالد محمد»، سعودي الجنسية ويعمل موظفاً حكومياً: «قمت بإعادة تقسيم ميزانيتي الشهرية وإعادة ترتيب الأولويات، بعد خفض بعض البدلات من قبل الحكومة».
وأضاف «على سبيل المثال ألغيت إشتراكي في شبكة قنوات مدفوعة، لأني أعتبرها في الوقت الحالي غير ضرورية».
بينما أصبح المواطن «حسين علي» وعائلته، يرشدون في استهلاك الطاقة بأنواعها في أعقاب ارتفاع أسعارها خلال العام الجاري، عما كانت عليه في 2015.
ويرى «يوسف القفاري»، الرئيس التنفيذي لشركة أسواق العثيم للسلع الغذائية في البلاد، أن مبيعاتنا لم تتاثر بالأوضاع الاقتصادية الحالية، بل زادات في ظل توسعاتنا.
وأضاف «في الأزمات الاقتصادية عادة تتأثر مبيعات الالكترونيات والملابس والسفر والسياحة وخلافه، لكن نحن نبيع أرز وسكر وزيت وهذه لا يمكن أن يستغني الفرد عنها».
وزاد: «في مثل هذه الظروف تنخفض رحلات السفر إلى الخارج، والحديث هنا عن آلاف الأسر التي ستلتزم المملكة ولن تخرج، وهذا يعني استمرار الاستهلاك محلياً بالنسبة لهذه العائلات».
وقال «عبدالعزيز القحطاني»، موظف في أحد وكالات السيارات في السعودية «بالفعل لمسنا تراجعاً في الأقبال من المواطنين والوافدين».
وأعلنت السعودية مطلع العام الجاري، عن موازنة تتضمن عجزاً يبلغ 87 مليار دولار أمريكي للسنة المالية الحالية، بعد تسجيلها عجزا بـ 98 مليار دولار العام الماضي نتيجة تراجع إيرادات مبيعات النفط الخام.
ولمواجهة العجز المتوقع في الميزانية، جمعت السعودية تمويلا قيمته 17.5 مليار دولار مؤخراً، عبر أول سندات عالمية مقومة بالدولار.
ويبلغ الدين العام السعودي 73 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب الماضي، 63 مليار دولار منها داخلية، و10 مليارات دولار خارجية. ويعادل الدين العام 5.9% من الناتج المحلي للبلاد بنهاية 2015.
وقال الخبير والكاتب الاقتصادي السعودي «فضل البوعينين»، إن ترشيد الإنفاق بالنسبة للسعوديين لم يتم بشكل مفاجيء، عبر التنازل عن السلع الثانوية مع تراجع الدخل أو ارتفاع النفقات الأساسية.
وأضاف «البوعينين» «عادات الترشيد تحتاج إلى وقت من الزمن، لكن ما يتم حاليا في السعودية هو الترشيد القسري بمعنى أن السلع التي كان المواطن يستطيع شراءها سابقاً، أصبح اليوم غير قادر على تلبيتها بسبب انخفاض دخله وارتفاع السلع الأساسية».
وأشار إلى أن الأسرة السعودية عادة تنفق 25% - 30% من دخلها على السلع الغذائية، وهذا من الصعب أن يتاثر بانخفاض الدخل.. لكن ما تأثر فعلياً هو تناول المواطنين للوجبات السريعة في المطاعم أو طلبها، كون ذلك مكلف كثيراً على دخل الأسرة.
وزاد: «ما تأثر بشدة أيضاً سفر السعوديين للخارج، والدليل توجه شركات السياحة والسفر وشركات الطيران لتقديم تخفيضات على أسعارها بشكل غير مسبوق، كذلك تأثر شراء السيارات ما دفع وكلاء السيارات لتقيم عروض كبيرة لبيع المخزون لديهم».
وأكد «البوعينين» أن العام المقبل سيشكل الترشيد الحقيقي للإنفاق الأسري في السعودية، استنادا إلى الأسعار الحقيقية للنفط الخام وما يقابلها من حملات تقشف إضافية ورفع في الدعم عن سلع أخرى.