قالت صحيفة «الأهرام» الحكومية المصرية، إن قطر توظف أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، في سياق التوتر الحاصل بين القاهرة من جهة والرياض والدوحة من جهة أخرى.
وفي تقرير لها اليوم، تصدر موقعها الإلكتروني، قالت الصحيفة إن سد النهضة الإثيوبي أصبح جزءا من مسألة التجاذبات السياسية بين دول الخليج ومصر، ومجموعة من العواصم الإفريقية التي تندرج تحت إطار ما يسمى بدول حوض النيل.
وأشارت في التقرير الذي حمل عنوان «قطر تدخل على خط التجاذبات السياسية بين الخليج ومصر بشأن سد النهضة»، إلى أن زيارات مسئولين عرب من السعودية وقطر إلى أديس أبابا، كرست فكرة توظيف أزمة سد النهضة في سياق التوتر الحاصل.
وتوجه وزير الخارجية القطري «محمد بن عبد الرحمن» إلى إثيوبيا مساء الإثنين بعد حضوره الاجتماع الوزاري للجامعة العربية، وهي الزيارة التي أثارت قلق القاهرة بشأن التأثير على إثيوبيا في قضيتها مع مصر بخصوص «سد النهضة» الذي تخشى مصر أن يقلص من حقوقها التاريخية في مياه النيل، بما ينعكس سلبا على خطط التنمية بها، وربما يمتد التأثير ليطال نصيب المواطن العادي من حصته من مياه الشرب .
زيارة الوزير القطري، جاءت بعد أيام من زيارة مستشار العاهل السعودى بالديوان الملكي «أحمد الخطيب» لأديس أبابا و«سد النهضة»، لبحث تعزيز التعاون في عدة مجالات، ودعا رئيس الوزراء الإثيوبي «هيلي ماريام ديسالين»، السعودية فيها إلى دعم سد النهضة والاستثمار في إثيوبيا.
ورقة ضغط
وبحسب الصحيفة الحكومية، فإن «زيارة الوزير القطري إلى أديس أبابا، لم تكن الأولى من نوعها في هذا السياق»، وقالت: «يبدو أن نوايا الدوحة تجاه القاهرة بشأن محاصرتها إفريقيا وقطع الطريق أمام أي تواصل مع القارة السمراء، كان هدفا لدى صانعى القرار القطري فترة حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق ووزير خارجيتها الأسبق، الذي أنهى فترة التوتر في العلاقات بين أديس أبابا والدوحة، عندما زار إثيوبيا في 2012، ليفتح مرحلة جديدة من العلاقات مع الدولة الأفريقية، بعد قطيعة بينهما على خلفية اتهامات إثيوبية لقطر بدعم إرتيريا خلال الحرب بين الدولتين الإفريقيتين 1998 -2000».
«الزيارة الغريبة، حسب وصف مسئولين مصريين بحجم وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي تطرح استفهاما حول تحول أديس أبابا إلى مزار لدول الخليج في الفترة الراهنة وصناعة مسار مسياسي من أزمة سد النهضة»، أضاف التقرير.
وأشار التقرير إلى أن علاقة الخليج بسد النهضة وتوظيفه كورقة ضغط في سياق الخلاف مع القاهرة لم تكن وليدة اليوم، حيث «تحدثت تقارير إعلامية موثقة في فترات سابقة عن شكوك بشأن مشاركة السعودية وقطر في تمويل السد الذي يحتاج إلى مليارات للانتهاء منه، وهو ما سبب مشكلة في فترة من الفترات لإثيوبيا دفعتها لتسهيل دخول (إسرائيل) إلى القارة السمراء بعد أن أعلنت دول بحجم الإمارات والصين الانسحاب من التمويل».
ولفت التقرير إلى أن «مسألة التجاذبات السياسية بين الخليج ومصر وإفريقيا، هي مسألة شديدة التعقيد ومتشابكة، بشكل يجعل من الصعب قراءة مشهد التفاهمات القطرية السعودية –الإثيوبية، بمعزل عن حركة التحالفات الإقليمية، خصوصا أن منطقة القرن الإفريقي مليئة بالتوترات وتربط أعضائها قضايا خلافية حول الحدود والثروات».
وتابع: «بالإضافة إلى أهمية المنطقة من حيث قربها من البحر الأحمر في حسم الحرب اليمينة من خلال استغلال إثيوبيا بشكل أو بأخر في تلك الأزمة، لاسيما بعد تزايد النفوذ الإيراني فيها، وهو ما يفسر إعلان الرياض منذ أيام عن قاعدة عسكرية لها في جيبوتي».
التقرير المنشور في الصحيفة الحكومية، قال إن «القاهرة من ناحيتها تعاملت مع التوجه الخليجي في القارة الإفريقية من منظور الأزمة مع الرياض والدوحة، ومحاولة الدولتين تطويق مصر من الجنوب، والضغط عليها بورقة المياه للحصول على توجهات معينة في ملفات مثل سوريا والإخوان وغيرهما».
رسائل خليجية
وأشارت إلى أن هذا الطرح دعمه أستاذ العلوم السياسية «حسن نافعة» الذي كان أحد أبرز الوجوه في مصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وكان قريبا من دوائر صنع القرار المصري في هذا التوقيت، الذي قال إن «زيارة الوفد السعودي والقطري لإثيوبيا ما هي إلا رسالة من السعودية وقطر، مفادها أن بمقدورهما التحالف مع أي أحد حال لم تتجاوب القاهرة مع السياسة الخارجية للرياض»، متوقعا أن «الزيارة ستزيد التوترات في العلاقات المصرية السعودية القطرية»، مشددا على أن «القاهرة لن تتساهل أبدا مع أي دعم سعودي لمشروع بناء سد النهضة».
التقرير أضاف أن هناك «مجموعة من المؤشرات دفعت مراقبين إلى الربط بين زيارة المسئولين الخليجيين وأزمة سد النهضة مع القاهرة، فزيارة العاهل السعودي إلى قطر خلال انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية قبل أسبوعين، والحفاوة التي قوبل بها الملك سلمان من أمير قطر تميم بن حمد، أعطت مبررا لبعض المراقبين بتوصيف هذه الحالة بالمكيدة السياسية في وجه مصر، واعتبروها رسالة واضحة عن ملامح سياسة أكثر تشددا في المواقف تجاه القاهرة، وهو ماعبر عنه الموقف الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي حين أعلن الأمين العام للمجلس وللمرة الأولي اعتراضه على اتهامات مصرية طالت قطر، حول ضلوعها في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، والذي وقع الأسبوع الماضي، وأسفر عن مصرع 26 شخصا وإصابة العشرات، الأمر الذي أبدت الخارجية المصرية اعتراضها عليه وطالبت دول مجلس التعاون الخليجي ببحث الأبعاد التي تقف وراء محاولات التحريض على الأمن والاستقرار في مصر».
وزير المياه المصري الأسبق «محمد نصر علام» قال في التقرير إن «مصر تتعرض لضغوط اقتصادية كبيرة وضغوط أمنية داخليا وخارجيا، وتعيش وسط منطقة مضطربة لا يعلم أحد ماذا سيحدث غدا، واللاعبون معظمهم من الخارج وبتمويل عربى»، لافتا إلى أن التحركات الخليجية في منطقة حوض النيل ستزيد من هوة الخلاف بين الطرفين في وقت يحاول فيه الحكماء من الطرفين إيجاد مخرج وخلق نقاط تفاهم يمكن البناء عليها.
وأكد «علام» أن مسألة مياه النيل بالنسبة لمصر هي قضية أمن قومي، ولا يمكن للقاهرة أن تغض الطرف عن أي تحركات هناك في هذا الصدد.
وكان «هشام مجدي» وكيل لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان المصري، قال تعليقا على زيارة وزير خارجية قطر لإثيوبيا، إن الدوحة تتبنى موقفا «عدائيا» ضد مصر ومصالحها في المنطقة.
وأضاف «مجدي» أن قطر «تدعم الجماعات الإرهابية» في مصر، وتابع أن القاهرة «تعود إلى أفريقيا.. إننا لا نُستفز.. القافلة تسير نحو أفريقيا لتحقيق التعاون والتبادل المشترك، بما يهدف لتحقيق مصالح كل دول حوض النيل»، حسب تصريحات نقلتها صحيفة «اليوم السابع» المصرية الخاصة.
وكان الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» زار أوغندا بعد يوم واحد من الإعلان عن زيارة المبعوث السعودي إلى أديس أبابا، وهو الحدث الذي اعتبرته أوساط مصرية محاولة مصرية لمواجهة التحركات الخليجية في منطقة القرن الأفريقي ومحاصرة مصر من الجنوب.
ورغم أن هذا الطرح يتعارض مع طبيعة العلاقات المصرية الأوغندية في هذه المرحلة حيث هناك ملفات كثيرة بين الدولتين منها الحرب في جنوب السودان التي تلعب فيها القاهرة دورا مهما في التقريب بين الطرفين بحكم الموقع الجغرافي لها، إلا أن منطقية الربط تظل حاضرة في سياق التهافت العربي والإقليمي على منطقة القرن الإفريقي ومحاولة توظيفها في الصراعات الدائرة هناك.
وتتخوف القاهرة من تأثير سد النهضة على حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب)، بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن السد سيمثل نفعًا له خاصة في مجال توليد الطاقة، وأنه لن يمثل ضررًا على السودان ومصر.
والعلاقات بين الدوحة والقاهرة متوترة منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013 على «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر؛ بسبب موقف قطر الرافض للانقلابات.
ورغم مساندة العاهل السعودي السابق، الملك «عبدالله بن عبدالعزيز»، للنظام في القاهرة بعد الانقلاب ودعمه ماليا وسياسية، إلا أن العلاقات بين مصر والسعودية في عهد الملك «سلمان بن عبدالعزيز» تأزمت على خلفية موقع نظام «عبدالفتاح السيسي» الداعم لنظام «بشار الأسد» في سوريا، بينما تدعم الرياض المعارضة المناهضة لـ«الأسد».
ورجح مراقبون تصاعد التوتر في العلاقات الخليجية المصرية خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن الوزن الاستراتيجي للدول النفطية قد تراجع لدى القاهرة بعد الاتفاق النووي الغربي مع إيران، وتوقيع «الكونغرس» قانون «جاستا»، وانهيار أسعار النفط، بشكل دفع مصر للبحث عن حلفاء جدد، ربما تتوفر لديهم كميات من «الرز» قادرة على انتشال الاقتصاد المصري من أزمته.
ويرى محللون أن حكام الخليج تخلوا عن «السيسي» الذي لم ترضيهم بوصلته أو عدم تحديد بوصلته بتعبير أدق، لذلك من الطبيعي أن تتوقف مساعدات مالية أو منتجات بترولية كانت تأتي في وقت ما من الرياض للقاهرة، خصوصا في ظل حكم براجماتي يمثله الملك «سلمان بن عبد العزيز».