ستراتفور- ترجمة شادي خليفة-
هناك معضلة شائعة بالنسبة إلى جميع الدول النفطية التي تشعر بالقلق إزاء الاقتراب السريع من الوصول إلى نهاية ذروة الطلب على النفط، حيث يسعى العالم إلى تقليل الاعتماد العميق على الهيدروكربونات.
وقد اتبعت الكويت، على سبيل المثال، مسارا محكما في محاولاتها لمواجهة ذلك، من خلال تطبيق الضرائب، وتقديم رسوم جديدة، ومحاولة تعزيز القطاع الخاص.
وبطبيعة الحال، يتم تمويل معظم الخطط من الثروة الوفيرة للإمارة الساحلية، مما يمنحها هوامش كبيرة للعب بها بينما تحاول تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
لكن اقتصاد الكويت يعاني من عجز كبير، وقوة عاملة غير فعالة، واعتماد مفرط على الإنفاق العام، وليس الخاص، من أجل النمو.
وتعد واحدة من أكبر مشاكل البلاد هي المبلغ الذي تنفقه الدولة على الكويتيين، حيث تسعى العائلة المالكة إلى شراء رضى مواطنيها، لاسيما تجار المنطقة الأقوياء، وأصحاب المصلحة السياسيين، أثناء الانتقال إلى اقتصاد غير قائم على النفط.
ويعد البرلمان الكويتي الفريد، وهو الهيئة التشريعية الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لديها سلطة إقالة الوزراء، عنصرا آخر في هذه الفترة الانتقالية.
إلا أن هذه الدرجة النسبية من الديمقراطية تبطئ محاولات الإصلاح، حيث قاوم المشرعون، الذين يرتبطون أكثر بالجمهور، تدابير التقشف بطريقة ليست ممكنة في الدول المجاورة ذات البرلمانات الضعيفة أو التي تغيب عنها البرلمانات بالكلية.
ونتيجة لذلك، لم يكن أمام الحكومة الكويتية خيار سوى وضع عبء الإصلاح الاقتصادي على كاهل العديد من العمال الأجانب.
الحاجة للإصلاح
وتحتاج الكويت إلى مستثمرين أجانب إذا أرادت نجاح خطط تنويعها الاقتصادي، لكن طلباتها بالتمويل الدولي قد تقع على آذان صماء بسبب تقلب المنطقة، ولطالما سعت الكويت إلى عزل نفسها عن الصدمات الاقتصادية في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، عبر رفض ربط عملتها بالعملات الخليجية الأخرى.
وفي الواقع، كانت الكويت أول دولة خرجت من محادثات إنشاء عملة خليجية موحدة قبل عقد من الزمان، وبسبب حاجتها إلى التمويل، تشعر الكويت أنها ملزمة، ليس فقط بالمساعدة في الحفاظ على السلام في جوارها لضمان استقرارها، ولكن أيضا بتخفيف أي مخاطر مالية ناشئة عن أوجه عدم اليقين الجيوسياسية في المنطقة.
وهذا جزء من الدور الكبير الذي تلعبه الكويت في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية عبر التوسط في مفاوضات السلام والصراعات الدبلوماسية، من اليمن إلى فلسطين، مع الحفاظ على التوازن بين علاقاتها بجيرانها الأقوياء جيوسياسيا، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والدول الأخرى المهمة في المنطقة، مثل إيران والعراق.
وربما تكون أكبر مشكلة في الكويت هي نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الوقت الحاضر، يعد الرقم هو الأعلى في دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب ارتفاع الأجور العامة، وارتفاع فواتير الدعم، وارتفاع مستويات الدعم للشركات المملوكة للدولة.
ويخلق هذا الإنفاق، مقترنا بخسائر البلاد الاقتصادية الناجمة عن دفع أجور باهظة للمواطنين الذين ينتجون القليل، فجوة كبيرة في ميزانية البلاد.
وفي نهاية المطاف، يساهم هذا في عجز الكويت الكبير، والذي يقدر صندوق النقد الدولي أنه سيولد احتياجات مالية تصل إلى 100 مليار دولار على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، باستثناء دخل الكويت من الاستثمارات.
وعلى الرغم من أن الكويت تتمتع بموارد كبيرة، بما في ذلك صندوق ثروتها السيادية، الأقدم في العالم العربي، وهو واحد من أكبر الصناديق في العالم، يبقى من الواجب عليها سداد قدر كبير من الديون في الأعوام القادمة.
وحرصا منها على الاستعداد للأيام القاتمة، تسعى الكويت إلى إيجاد طريقة بديلة لتمويل جهود الإصلاح الهيكلي، وهو السعي الذي يجبرها على محاولة معرفة كيفية تحفيز النمو في القطاع الخاص.
الكفاح من أجل التوطين
وفي سعيها لتحقيق هذا الهدف، شرعت الحكومة في أحد أهم إصلاحاتها، وهو تأميم العمالة.
ويهدف هذا البرنامج إلى زيادة نسبة الكويتيين العاملين في القطاعين العام والخاص خلال فترة 5 أعوام.
وقد حققت الحكومة بعض النجاح خلال العام الأول (2017-2018) من البرنامج، بإنهاء توظيف 3 آلاف أجنبي في وظائف القطاع العام، لإفساح المجال أمام الكويتيين.
وهناك المزيد من التدابير التي تلوح في الأفق؛ حيث تخطط وزارة التعليم لتسريح ما يصل إلى 1000 موظف أجنبي في العام المقبل، في حين أصدرت الحكومة أيضا قرارا حديثا ينص على أن الكويتيين وحدهم هم المسموح لهم بقيادة سيارات الأجرة في المطار.
كما ناقش البرلمان مقترحات أخرى، مثل فرض ضريبة جديدة على رواتب المغتربين قبل إرسال تحويلاتهم إلى الوطن، بالإضافة إلى منح الهيئة العامة للقوى العاملة مزيدا من سلطة التدقيق على مستويات مهارة العمال الأجانب، بهدف إنهاء عمل أولئك الذين يعتبرون غير أكفاء.
وفي هذا العام، شددت الحكومة الكويتية أيضا القيود المفروضة على السن على الأساتذة الأجانب، كجزء من هدفها المتمثل في تحقيق التوازن بين الحاجة إلى أساتذة الجامعات ذوي الجودة العالية في التعليم العالي، والرغبة في فتح المناصب الأدنى للمواطنين الأصليين.
وبالنظر إلى أن أهداف التوطين، التي تتلخص في توظيف المزيد من المواطنين في مناصب مرغوبة، فلا غرابة في أن البرنامج أثبت شعبيته لدى مواطني البلاد.
كما تابعت الحكومة البرنامج، أو على الأقل مراحله الأولية، بحماسة، خاصة أنه أكثر قبولا من الناحية السياسية من فرض تدابير التقشف.
ومن جهة، تواجه الحكومة القليل من العقبات في جذب المزيد من الكويتيين للقطاع العام، بسبب الموقف الاجتماعي الإيجابي نحو العمل في مثل هذه الوظائف.
فبعد كل شيء، يرى العديد من المواطنين أن التوظيف الحكومي جذاب، مما أدى إلى وجود أعداد كبيرة من الشباب الكويتيين الذين ينتظرون فرصة للعمل بأجور أعلى في القطاع العام، بدلا من اختيار وظيفة أقل أجرا في شركة خاصة لا توفر أي ضمانات طويلة الأمد.
ولكن كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، أخطأت الحكومة الكويتية كثيرا بفرض التزامات على القطاع الخاص وإجبار القطاع الخاص على إتاحة الفرص للكويتيين.
وفي هذا، تركت الكويت عبء إصلاحات سوق العمل الخاصة بها يقع على المغتربين، وليس على الكويتيين، الذين يمكنهم المطالبة بالمزيد من الحكومة.
وفي الواقع، دفعت الجوانب السلبية للبرنامج الحكومة إلى التراجع عن بعض أهدافها.
وأولا، يفتقد الكويتيون إلى حد كبير المهارات المطلوبة للعديد من الوظائف التي يشغلها المغتربون في قطاعات الصحة والتعليم والقطاعات التقنية.
وثانيا، تدرك حكومة الكويت أيضا أنها، على المدى الطويل، لا تزال تنخرط في منافسة على مستوى مجلس التعاون الخليجي لجذب أفضل وأكفأ العمال الأجانب، في خضم التحرك لإنهاء توظيف عمال أجانب آخرين أقل كفاءة، ولذا فقد تحركت الحكومة لتوفير بعض الامتيازات للمغتربين، مثل زيادة فترات التأشيرة لأسر العمال غير الكويتيين.
الصدمة
ومع وجود 13 ألفا و523 مواطنا عاطلا عن العمل حاليا فقط، فإن لدى الحكومة الكويتية، في نهاية المطاف، بعض الوقت لإضفاء الصبغة الكويتية على الوظائف في الكويت.
ومع ذلك، فإن الضغط من أجل التنويع سيستمر في التعمق.
وفي الوقت الحاضر، تتخذ حكومة الكويت الطريق الأقل مقاومة، وتقدم للكويتيين ما يريدون من خلال إزالة عقبة العمال الأجانب الذين يقفون ظاهريا في طريقهم. ومع ذلك، فإن تدفق المزيد من الكويتيين إلى القطاع العام سيضع الحكومة في نهاية المطاف في مأزق رفع فاتورة الأجور العامة.
وفي الواقع، فإن نظرة سريعة على التناقض في الأجور بين القطاعين العام والخاص أكثر من كافية لتوضيح صراع الحكومة الشاق لإقناع المزيد من الكويتيين بالتخلي عن أحلامهم في الحصول على وظيفة فخمة في القطاع العام لصالح التوظيف في القطاع الخاص الأكثر طلبا للوظائف.
ونظرا لمثل هذه الحالة، فإن العمال الأجانب هم الذين سيتحملون وطأة تجارب الحكومة الكويتية لإصلاح العمالة في الأعوام القادمة.