صباح نعوش-
تعاني السعودية من عجز مالي مزمن أدى إلى تصاعد الديون الداخلية والخارجية، وإلى تناقص الإحتياطي النقدي. وللتخفيف من حدّة هذه التداعيات لجأت السلطات العامة إلى زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة، الأمر الذي يؤثر بشدة على مستوى معيشة المواطنين. ورغم ما يصرّح به المسؤولون بأن السعر سينخفض في المستقبل القريب، إلا أن الواقع وتحليل مالية الدولة يؤكّدان صعوبة ذلك.
في عام 2015 بلغت حصيلة الضرائب 68 مليار ريال، أي 11.1% من إيرادات الدولة، ثمّ ارتفعت حتى وصلت في عام 2021 إلى 257 مليار ريال، أي 30.2% من إيراداتها. جاء هذا الإرتفاع السريع نتيجة إدخال الضريبة الإنتقائية وكذلك وبصورة خاصة تزايد سعر الضريبة على القيمة المضافة. وبذلك أصبحت السعودية تحرز حالياً المرتبة العربية الأولى من حيث حجم ضرائبها تليها مصر ثم الجزائر.
أيضًا الضغط الضريبي (حصيلة الضرائب ÷ الناتج المحلي الإجمالي × 100) انتقل من 2.7% في عام 2015 إلى 8.6% في عام 2021.
ولا شك أن الضغط الضريبي السعودي لا يزال ضعيفاً مقارنة بالدول الصناعية، لكنّه ارتفع بصورة كبيرة خلال فترة قصيرة، وهو يقتصرعلى الضرائب غير المباشرة التي تتخذ من الاستهلاك مادة لها، وبالتالي فهو يؤثر تأثيراً بالغاً على معدل التضخم.
في العام الجاري قُدّرت حصيلة الضرائب على استهلاك السلع والخدمات بمبلغ 209 مليار ريال، أي 81.3% من مجموع الضرائب. وهذا يعكس بوضوح المكانة المرموقة التي تحتلها الضريبة على القيمة المضافة.
إرتفاع السعر
في يوليو/تموز 2020، إنتقل سعر الضريبة على القيمة المضافة من 5% إلى 15%. لكنّ وزارة المالية ترى بأن للدولة إمكانات مالية عالية يمكن الحصول عليها من عدة مصادر، في مقدمتها القروض والإحتياطي النقدي والصندوق السيادي، إضافة إلى الأموال المتأتية من الأصول القابلة للخصخصة.
لا شك أن السعودية تملك هذه الإمكانات المالية الكبيرة، وهي لجأت إليها مراراً وبدون استثناء. مع ذلك قررت زيادة السعر الضريبي، كما أقدمت على تقليص الدعم المقرر لتعضيد أسعار الإستهلاك، وهذا دليل واضح على عدم كفاية تلك المصادر التي أشارت إليها الوزارة.
تُرى ماذا يمكن أن يحدث في حالة اقتصار الإعتماد على تلك المصادر؟ وما هي تداعيات الإبقاء على سعر ضريبي قدره 5%؟
الإبقاء على هذا السعر يعني انتقال العجز المالي للسنة الجارية 2021 من 141 مليار ريال إلى 241 مليار ريال على أقل تقدير. أي من 4.9% إلى 8.3% قياساً بالناتج المحلي الإجمالي. كما سيرتفع العجز في السنوات القادمة على نحو يختلف كلياً عن التقديرات الحالية، وسيفشل إذاً برنامج تحقيق التوازن المالي في عام 2023، وهو الركيزة الأساسية للرؤية السعودية 2030، أيضًا سيستمر ارتفاع الديون العامة وانخفاض الإحتياطي النقدي على نحو أسرع، وهكذا تتراجع القدرة المالية للدولة، الأمر الذي يؤدي إلى تداعيات سلبية خطيرة، من بينها هبوط التصنيف الائتماني للدولة، وبالتالي انخفاض الاستثمارات الأجنبية وارتفاع أسعار الفائدة في القروض الخارجية.
وعلى هذا الأساس يدخل تصاعد سعر الضريبة على القيمة المضافة في إطار زيادة الإيرادات العامة من جهة، وتشجيع رؤوس الأموال الأجنبية وتجنب إرتفاع أسعار الفائدة من جهة أخرى. المشكلة إذاً لا تنحصر بوجود أو عدم وجود مصادر للتمويل، حتى وإن كانت كافية، بل تمتد لتشمل تداعيات هذا المصدر أو ذاك.
في نهاية إبريل 2021، صرح أحد كبار المسؤولين بأن قرار زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة إتُخذ بسبب جائحة كورونا، وذكر بأن العودة إلى سعر يتراوح بين 5% و10% ، وهو (بتقديره) السعر المذكور في الاتفاقية الخليجية المشتركة، ستجري في فترة أدناها سنة واحدة وأقصاها خمس سنوات.
لابد من دراسة هذا التصريح نظراً لتأثيره على مالية الدولة من جهة وعلى مستوى معيشة المواطنين من جهة أخرى.
في مايو/أيار 2020 صدر الأمر الملكي رقم أ/638 بشأن زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة إلى 15%، ونصّ على تطبيق هذا السعر الجديد إعتباراً من مطلع يوليو/تموز 2020، ولا يوجد فيه ما يدل على سعر مؤقت إذ يخلو من أية فترة زمنية لسريانه.
أما الإتفاقية الخليجية المشتركة، فلا إشارة فيها إلى سعر 10%، وهي جاءت بسعر موحد ووحيد للضريبة على القيمة المضافة قدره 5% فقط. وهذا السعر منصوص عليه في موضعين: ديباجة الاتفاقية والفقرة الأولى من المادة 25.
في منتصف العام المنصرم 2020 أدّى وباء كورونا إلى تدهور هائل لأسعار النفط وانخفضت إيرادات الدولة، الأمر الذي شجّع السعوديين على زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة، علماً بأن دول الخليج الأخرى التي تطبق هذه الضريبة (الإمارات والبحرين وعمان) والتي عانت كذلك من هذا الوباء، لم تجر أي تعديل على سعرها المتفق عليه بصورة جماعية.
إنّ زيادة السعر تجاوز واضح لهذه الاتفاقية، فقد إتفق الخليجيون على مبدأ سموّ الإتفاقية على القانون المحلي: ” في حال ما نشأ تناقض أو اختلاف بين إتفاقية ضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون الخليجي ونظام الضريبة المحلي فإن إتفاقية مجلس التعاون تحل محل قانون ضريبة القيمة المضافة المحلي”. وهو مبدأ أقرّته السعودية ومذكور في منشور الضرائب غير المباشرة الصادر عن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
إحتمالات التخفيض ضعيفة
إذا كانت كورونا السبب الذي أفضى إلى زيادة سعر الضريبة فهل تعني معالجة الوباء العودة إلى السعر المتفق عليه؟
من الصعب الربط بين هذه المعالجة وتخفيض سعر الضريبة. لكن هناك إحتمالات أربعة قد تدعو إلى التخفيض.
الاحتمال الأول: إرتفاع كبير لإيرادات النفط بحيث يمكن الإستغناء عن السعر الحالي للضريبة. إلا أنه يصعب الاعتماد على هذا التكهن لعدم وجود إشارات واضحة لمثل هذا الإرتفاع.
لا شك أن أسعار الخام إرتفعت في الأشهر السابقة وباتت تعادل بل تفوق الأسعار التي كانت سائدة قبل وباء كورونا، لكنّ هذا الإرتفاع ناجم عن تقليص الإنتاج بدرجة كبيرة وفق سياسة أوبك+، والسعودية في مقدمة البلدان التي قلصت إنتاجها، والعوائد النفطية كما هو معلوم لا تعتمد فقط على الأسعار فقط بل كذلك على حجم الإنتاج.
وحتى على افتراض تحسنت هذه العوائد، فأن ذلك لا يمنع من زيادة الإيرادات الضريبية، خاصة وأن رؤية السعودية 2030 تدعو وبقوة إلى الإعتماد المتزايد على الإيرادات غير النفطية.
الاحتمال الثاني: تحقيق التوازن المالي. فإذا كان العجز السبب في زيادة الأسعار الضريبية فإن التوازن، ومن باب أولى، الفائض يؤدي إلى تخفيضها. لكنّ هذا التخفيض قد يقود إلى عجز مالي جديد، وبالتالي لا جدوى منه.
الاحتمال الثالث: إنتقال الاقتصاد السعودي من الركود إلى الرواج. تعتمد الضريبة على القيمة المضافة اعتماداً أساسياً على الأنشطة الاقتصادية، فكلما تحسنت هذه الأنشطة إرتفعت حصيلتها والعكس صحيح. ينبني على ذلك احتمال تزايد إيرادات الضريبة حتى بعد تقليص أسعارها شريطة أن تتحسن أنشطة السوق بالبيع والشراء بصورة كبيرة.
وبحسب توقعات الميزانية الحالية، سينتقل الناتج المحلي الإجمالي الإسمي من نقص بنسبة 16.4% في عام 2020 إلى زيادة بنسبة 15.3% في عام 2021. من الناحية المبدئية سيكون هذا التحول كفيلاً بزيادة مبالغ جميع الضرائب بما فيها الضريبة على القيمة المضافة. ولكن من الخطأ الإعتقاد بأنّ هذه الحالة ستتحقق إذا انخفض سعر الضريبة، لأن الميزانية الحالية وضعت تقديراً لإيرادات الضرائب على الإستهلاك قدرها 209 مليار ريال كما ذكرنا. وتمّ تقدير هذا المبلغ بناءًا على تلك الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي وعلى السعر الحالي للضريبة على القيمة المضافة، وعلى هذا الأساس ستنخفض حصيلتها إذا هبط سعرها رغم تحسّن الأنشطة الاقتصادية.
أضف إلى ذلك أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي بنسبة 15.2% في عام 2021 يعتمد على حسابات الحالة الاقتصادية المتردّية لعام 2020 الناجمة عن وباء كورونا، حيث لم يرتفع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 مقارنة بعام 2019 بل هبط بنسبة 3.8%.
كما ستشهد السنة القادمة 2022 ارتفاعاً طفيفاً لهذا الناتج لا يقود إطلاقاً إلى تحسن كبير لحصيلة الضريبة على القيمة المضافة. ونفس هذا التحليل ينطبق على عام 2023، فإذا انخفضت حصيلة الضريبة نتيجة هبوط سعرها رغم تحسن الأنشطة الاقتصادية، فإن هذا الانخفاض سيكون أكبر عندما لا يشهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً حقيقياً مرتفعًا.
الاحتمال الرابع: العامل السياسي يرتبط بأزمة منطقة الخليج. فمن المعلوم أنّ الإعتمادات العسكرية السعودية تستحوذ على قسط كبير من المصروفات العامة، الأمر الذي يستوجب زيادة الإيرادات لتمويلها، فترتفع بذلك الضرائب. بالتالي فإذا انخفضت النفقات العسكرية أمكن تقليص أسعار الضرائب خاصة الضريبة على القيمة المضافة. لكن يقتضي هذا الإفتراض انتهاء الحرب في اليمن والتخلّص من الخطر الإيراني.
التخفيض خسارة فادحة
انطلاقاً من نتائج هذه الإحتمالات سوف لن تستطيع السعودية تقليص سعر الضريبة على القيمة المضافة. ويدعم هذا الإستنتاج الخسائر التي ستسجّلها مالية الدولة جراء هذا التخفيض. وللتوضيح أجرينا الحساب التقريبي التالي:
سعر الضريبة نسبي قدره حالياً 15%، وعلى افتراض أن حصيلتها 150 مليار ريال في السنة، فإن ذلك يعني أن النقطة المئوية الواحدة تعادل عشرة مليارات ريال في السنة (حاصل قسمة الحصيلة على السعر).
10 مليار ريال × 10 نقاط مئوية = 100 مليار ريال حجم الخسارة السنوية الناجمة عن تطبيق سعر ضريبي 5% بدلاً من 15%.
تصدر السعودية 5.6 مليون ب/ي من النفط بحوالي 50 دولاراً للبرميل (الإيراد الصافي بعد طرح تكلفة الإنتاج).
5.6 مليون ب/ي × 50 دولاراً × 3.75 ريال للدولار = 1050 مليون ريال. الإيرادات النفطية اليومية.
أي أن خسارة العودة إلى سعر 5% للضريبة على القيمة المضافة تعادل إيرادات نفطية لمدة 95 يوماً في السنة، وهو وضع لا تتحمله مالية السعودية إطلاقا، وبالتالي فأن تلك التصريحات غير قابلة للتطبيق.
تسهم الضريبة على القيمة المضافة مساهمة فاعلة في تمويل الإنفاق العام. وبالنظر لضخامة العجز المالي سيكون من الصعب تقليص هذه المساهمة بتخفيض سعرها، بل قد تضطر الدولة إلى تعديل الضرائب الأخرى للحصول على إيرادات أكبر. كما ستحتاج الدولة للمزيد من الأموال لخدمة الديون الداخلية والخارجية التي تشهد ارتفاعاً سريعاً ومستمرًا.