حسن عبدالله عباس- الراي الكويتية-
كثُر الحديث عن الضرائب ورفع الدعومات الحكومية. والحكومة كل يوم تصرح بأنها تدرس هيكلة الاقتصاد، وأنها بدأت بوقف بعض علاوات القياديين، في مقابل تصريحات مضادة من النواب بالتحذير من الاقتراب من جيوب المواطنين.
ليس مستغرباً أن ترتفع الأصوات وتُوجه الأنظار لـ«شد الحزام» مع خسارة النفط لأكثر من 70 في المئة من قيمته خلال الأشهر الماضية. فالكويت كبقية دول المنطقة تعتمد ميزانيتها بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل، لكن من الخطأ الانتباه إلى أسعار النفط ونتغافل عن ملفات شديدة الارتباط بها.
ما أقصده أن انهيار أسعار النفط ليس شيئاً مستغرباً في عالم السياسة والاقتصاد الدولي، فهذه الأمور أصبحت معتادة خصوصاً في منطقة كإقليمنا الثري بالمشاكل والخلافات البينية، لهذا ما يجب أن يشد انتباهنا وتساؤلاتنا هو العلاجات وما الذي فعلناه ويجب أن نفعله كي نحمي أنفسنا من ربط مصيرنا بسلعة متغيرة وخطيرة كالبترول.
علماء الاقتصاد يقولون إن التوجه لتقليل المخاطر الاقتصادية يستدعي العمل على جبهتين. الأولى تنويع مصادر الدخل والثانية مكافحة الفساد. بالنسبة للأولى سمعنا الكثير الكثير، والقصة تعود إلى بدايات عصر البترول وتكررت بجدية وحرارة أيام انهيار الأسعار في ثمانينات القرن الماضي، وبدأت تعلو من جديد الآن. هذا يعني أن الخلل باقٍ منذ ذاك الزمان ومازال مستمراً، وأذكر أن النائب الدكتور محمد الحويلة طالب بتحويل الجُزر إلى مرافق سياحية قبل يومين وهي نفس المطالبة التي تحدث عنها أكثر من طرف خلال الأسابيع الماضية، لكنها برأيي لا تعدو أن تكون أكثر من التزام سياسي تجاه القواعد الانتخابية لا أكثر.
فلو كانت المطالبات جدية، لاستطاع المجلس أن يقضي على المشكلة منذ زمن بعيد، وأعتقد أنكم جميعكم سمعتم كيف احتفلت دبي قبل اسبوعين بفك ارتباطها بالنفط واعتمادها على مصادر بديلة، فالأمر ليس صعباً أبداً، وبالمناسبة قدمت الحكومة مقترحات متعددة لتنويع المصادر في مايو 2014 اُقر من بينها 9 بنود، وشُكلت هيئة عُليا لمتابعة الأمر لكن لم يحصل شيء إلى الآن. فلو كانت النية والجهد الحقيقي موجودين، لعولجت القضية من زمان كما حصل مع ملف الإسكان.
الشيء الآخر هو ان تنويع الاقتصاد لوحده لا يكفي. فلو كانت الدولة تمتلك مصادر لا نهائية، ستظل عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية طالما الفساد منتشر بهذا الشكل. قبل ايام تابعنا جميعا ندوة «الحملة الوطنية لمكافحة الشهادات الوهمية والمزورة». فما قاله النائب الشايع يكفي كنموذج لنُدرك مستوى التراجع الحاصل.
يقول الشايع إن «5 آلاف شهادة مزورة أو حصل عليها أصحابها من دون إجازة رسمية، يمارس أصحابها أعمالهم ويتمتعون بكامل مميزات حملة هذه المرتبة، وأضف على ذلك نوعية الخريجين ممن درسوا على يد أولئك. فالعيب فينا لأن هذا الكلام قاله حسن جوهر منذ عشر سنوات ولم نحرك ساكناً». وأجمع إلى جنب ذلك حجم التجنيس المزور ممن بدأت وزارة الداخلية بكشفهم وفضحهم. فالملفات هنا ضخمة وبالمليارات إن حسبت المناقصات والحيتان والسرقات المتنوعة، والقصة لا تنتهي هنا، فالمواطن هو طرف فيها كونه يمارس السرقات على «قده» كحيلة العلاج بالخارج وبيع مواد التموين وبيع الإقامات وتزوير التبصيم والمعاقين الأصحاء ومخالفات المباني والمزدوجين وهلم جرا...
إذاً يتبقى السؤال: كيف ستنتظم الحياة وتستقر الأوضاع الاقتصادية سواء مع النفط أو بدائله إن كانت الدولة بطرفيها المواطن والحكومة هما السبب الرئيسي في الأزمة؟