د.علي الزعبي- الشاهد الكويتية-
لا جدال في أحقية التضحية من أجل الوطن عندما يمر بأزمات اقتصادية، ولا جدال –أيضاً- في أن أهل الكويت لا ينتظرون أن يقال لهم «افزعوا» لوطنكم، لأن التاريخ يشهد على تضحياتهم المتكررة في ظروف تاريخية معروفة سواء في الماضي أو الحاضر.
الكويتيون أهل فزعة لكل محتاج، فما بالكم إن كان الوطن هو من في عازتهم؟ فالوطن بالنسبة للكويتيين، بجميع مرجعياتهم ومشاربهم وطبقاتهم يأتي في المقدمة دائما، والفزعة له تأتي طوعا وعن محبة. ولكن، وطالما الأمور لا تزال في المتناول ويمكن التعامل معها، فإن بروز بعض الاصوات التي تنادي بضرورة فرض الضرائب على المواطنين أو إلغاء «الدعوم» عنهم بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط، يعد امرا غير منطقي لأن الإشكالية الاقتصادية لا تتمثل في «خنق جيب المواطن» بقدر ما تتمثل، وعلى وجه السرعة، في ايجاد مداخيل اخرى غير النفط.
فإذا كان علم الاقتصاد يحث على تخفيض الضرائب, في حال الانكماش الاقتصادي، فكيف يطالب جهابذتنا في الكويت باللجوء لها الآن وفي ظل تراجع مالية الدولة؟ من ناحية اخرى، تعتبر الضرائب أداة وليست غاية بذاتها، وهنا علينا أن ننتبه إلى الفرق بين الضرائب كأداة وتنويع مصادر الدخل كغاية، وفي كل الأحوال لا يمكن اعتبار الضريبة نوعاً من مصادر الدخل.
ايضا يجب أن ننتبه إلى أن الضرائب تحتاج إلى نسق إداري متطور قادر على عملية الجباية، ولعل الكثير منا يتوجس -أيضا- من خطورة فكرة الضرائب في ظل غياب نظام إداري جيد وواضح المعالم لا يستطيع –بأي حال من الأحوال- أن يضمن نجاحها.
إذاً ما الحل؟
الحل يتمثل في البحث عن تنويع مصادر الدخل طالما أن «مالية الدولة» متينة وفي وضع ممتاز حتى الآن، فالتركيز على «جيب المواطن» سيقودنا إلى الكارثة تلو الآخرى، ناهيك عن أنه لن يحل أبدا الأزمات الاقتصادية القادمة التي سنتعرض لها طالما ظل سعر النفط على ما هو عليه الآن.
على الحكومة الآن أن تركز على المشاريع ذات الجدوى المتينة والفائدة السريعة، كما يجب عليها التخلي عن المناقصات والمشاريع المكلفة والتي لا تمثل ضرورة هامة في الوقت الحالي أو يمكن الاستغناء عنها، وعليها أن تسعى جاهدة إلى تخفيض الإنفاق الحكومي الضار وغير المبرر وأن تتبنى سياسة «إنفاق حكيمة»، وعليها -أيضا- محاربة «سمنة العطايا الخارجية» بالتكميم والترشيد، والابتعاد عن أسلوب «الفسفسة» حسب قول صديقنا العزيز علي الموسى.
في المقابل, من الضروري أن تعمل الحكومة على تحرير الأراضي من سلطة الاحتكار غير المنطقية، وأن تسعى وبجدية نحو سن القوانين العملية التي تسمح وتيسر للشركات الأجنبية استثمار أموالها في مشاريع متنوعة، وأن تساهم في تطوير مشاريع مشتركة اهلية مع القطاع الخاص والمواطنين، ناهيك عن ضرورة دعم المشاريع الصغيرة الجادة والهادفة التي يقدمها المواطنون وبعيدا عن سياسات التنفيع والمحسوبية وفلسفة «هذا ولدنا .. وهذا مو ولدنا»!
والأهم من كل هذا وذاك, على الحكومة تطوير برامج فعالة حجر زاويتها الاستثمار في البشر, ليكونوا شركاء في صنع السياسات العامة للدولة، والسماح لهم بالمشاركة –ايضا- في قيادة قاطرة التقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي في المجتمع, إن تحول المواطنين من «موظفين بأجر» إلى «مساهمين» و«شركاء» في بلدهم سيحدث تغييرات بناءة على كل المستويات، وخصوصاً في مجالات الاقتصاد والثقافة .