لم يعد خافياً أن جيوشاً إلكترونية تقف وراء شن حروب تستهدف مؤسسات أمنية وحكومية في دول أخرى؛ بهدف إلحاق خسائر أمنية واقتصادية، تصل في بعض الأحيان إلى أكثر مما تخلفه الحرب التقليدية، كذلك صارت تلك التقنية المتطورة وسيلة لتجنيد المواطنين في مختلف البلدان، واستخدامهم لتحقيق غايات "إرهابية".
ودول الخليج تعي تماماً قوة هذه الحروب وأهميتها، وتدرك أيضاً أنها مهددة بتلك الحرب، وتتعرض لها، خاصة بعد تكرر حدوث أعمال إرهابية راح ضحيتها العشرات، وزاد المشكلة سوءاً ما تكشفه التحقيقات من عدم وجود ارتباط، أو لقاء شخصي، بين أغلب الفاعلين وقيادتهم في بلدان أخرى، والاكتفاء بالتجنيد "الإلكتروني".
وكانت دول الخليج العربية دشنت في 25 مارس/آذار 2015، الشبكة الخليجية التي تربط بين دول مجلس التعاون، تسمح وتسهل عملية التبادل الآمن لبيانات الخدمات الحكومية الإلكترونية؛ بوصفها حلقة وصل للشبكات الوطنية لدى دول مجلس التعاون الخليجي بعضها مع بعض.
ونظراً لتقدم خدماتها الإلكترونية، يعد استهداف دول الخليج إلكترونياً أمراً بديهياً، بحسب مختصين، ولا سيما أن من يروم شن هجمات يستغل الموضوعات الساخنة، مثل الأخبار السياسية، أو الأحداث الرياضة؛ لإغراء الأفراد بفتح المرفقات، أو الوصلات الخبيثة، وتشغيل البرامج الضارة على أجهزة الحاسوب الخاصة بهم.
وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول الخليجية التي تتعرض للتهديدات والحوادث الإلكترونية، بحسب فريق البحث والتحليل العالمي بشركة "كاسبرسكي لاب"، إذ تصل نسبة تهديدها مقارنة ببقية دول الخليج إلى 39%، تليها الإمارات بنسبة 29%، فقطر بـ8%، في حين احتلت عمان المرتبة الرابعة بنسبة 6%، والكويت بـ5%، والبحرين أخيراً بنسبة لم تتجاوز الـ3%.
وتستهدف الهجمات الإلكترونية القطاعات الحيوية؛ كالقطاعات المالية، والتجارة الإلكترونية، والاتصالات، والمؤسسات الحكومية.
الكويت بدورها، وفي سبتمبر/أيلول 2015، أطلقت "جيشاً إلكترونياً"؛ لإدراكها حجم التهديد الإلكتروني الذي تتعرض له، خصوصاً بعد تكرار عمليات عدة زعزعت أمن البلاد، كتفجير مسجد الصادق، والقبض على خلايا إرهابية نائمة، والكشف عن مخازن بأطنان من الأسلحة.
ودشنت رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي "جيشها الإلكتروني" بحسابين رسميين على موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر"، و"إنستغرام" باسم (KuwaitArmyGHQ).
وفي مايو/أيار الماضي أطلقت الكويت "مؤتمر ومعرض الكويت الثامن لأمن المعلومات" للتعريف بأحدث الحلول وتقنيات الحماية ضد القرصنة الإلكترونية بكل أنواعها، وهو كذلك يسهم في التعريف بأهمية الحفاظ على سرية وأمن المعلومات الخاصة بالمجالات البارزة في عالم التكنولوجيا.
وبحسب المدير العام للجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات الكويتي بالإنابة، المهندس قصي الشطي، فإن المؤتمر الذي أقيم بالتعاون مع شركة بروميدا العالمية، وبمشاركة كبرى شركات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، يأتي في وقت أصبحت فيه القرصنة الإلكترونية خطراً يجتاح العالم، ويهدد سرية المعلومات والبيانات الخاصة بالأفراد، والمؤسسات، وحتى الدول.
من جهتها دشنت دولة قطر رسمياً، الأربعاء 1يونيو/حزيران الجاري، المرحلة الأولى من مشروع "الدرع الأمني الإلكتروني"، الذي يهدف إلى تعزيز حماية البنى التحتية المعلوماتية، والشبكات الإلكترونية الحيوية بالبلاد، ورفع مستوى الأمن الإلكتروني.
ويرتكز عمل المشروع على غرفة عمليات الأمن الإلكتروني، التي تعمل على مجموعة من الأهداف؛ منها مساعدة أجهزة الدولة ومؤسساتها لحماية بنيتها التحتية المعلوماتية الحيوية؛ لمواجهة التهديدات الأمنية الإلكترونية، بالإضافة إلى التعاون مع الجهات المعنية بالدولة لسن السياسات الأمنية، والتدريب، وتقديم الاستشارات المتعلقة بالأمن الإلكتروني.
وكشفت تقارير صدرت في أوقات سابقة أن إيران تقف وراء شن هجمات إلكترونية على بلدان خليجية، وهو ما أكده جيمس لويس، المسؤول الأمريكي بمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، حين أظهر ضلوع إيران في تدبير فيروس شامون، الذي أدى إلى شل عشرات الآلاف من أجهزة الحاسب في الشركة السعودية أرامكو، وشركة رأس غاز القطرية للغاز الطبيعي، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتسعى إيران -منذ عقود- إلى ترسيخ فكرة أنها أكبر الجيوش الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، وهو ما أكده نائب ممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري، العميد محمد حسين سبيهر، بأن "الحرس الثوري يمتلك رابع أكبر قوة إلكترونية في العالم".
وفي مارس/آذار 2013، أعلن المرشد الأعلى، علي خامنئي، إنشاء المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، الذي يضم رئيس البلاد، والمتحدث باسم البرلمان، ورئيس القضاء الأعلى، وقائد قوات الحرس الثوري، وقائد قوات الشرطة، بالإضافة إلى ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، والمسؤولين عن قطاعات البث الرسمي، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم.
وفي عام 2011، أطلقت إيران عملاءها لتجنيد قراصنة محترفين؛ بإغرائهم بمبالغ مالية طائلة للعمل ضمن فريق الجيش الإلكتروني، أو السايبر الإيراني، وعزز من صحة خطوات التجنيد ما قاله العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني، محسن سازيغارا، من أن النظام الإيراني يدفع قرابة 10 آلاف دولار شهرياً لهؤلاء.
ووفق تقارير إسرائيلية فإن إيران رصدت مليار دولار -على الأقل- للحصول على تقنيات وتكنولوجيا، وتجنيد وتدريب خبراء لتطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، عزز ذلك ما صرح به العميد، قولامريزا جلالي، من أن بلاده ستقاتل العدو حتى في الفضاء الإلكتروني، ومن خلال حروب الإنترنت.
كامل جميل - الخليج أونلاين-