أهم المحاور التي تمت مناقشتها في واشنطن خلال الاجتماع الثاني للتحالف الدولي لمحاربة داعش هو التصدي لانتشار هذا التنظيم المتطرف، نجاح داعش في توظيف الأدوات والوسائل التقنية في تجنيد مزيد من الأتباع بفضل الرسائل التي يوجهها، على رأسها مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها يعكس الدور الكبير الذي تلعبه الشبكة العنكبوتية لتحقيق غرض الانتشار، الحلول الإلكترونية بطبيعة الحال لا تقل أهمية عن الحلول السياسية والعسكرية والأمنية، وتتطلب جهود شاملة ومنسقة بمشاركة دول التحالف على الصعيد الداخلي والدولي.
مكافحة دعاية داعش إلكترونياً ليست فكرة جديدة، بل يتم طرحها بشكل مستمر في اجتماعات التحالف، ونتج ما يسمى التحالف المعلوماتي؛ لكن لا يزال بحاجة لمزيد من الجدية على الصعيد الداخلي والدولي. خبراء في شؤون الجماعات المتطرفة يؤكدون أن أكثر الطرق نجاحاً لمواجهة داعش هو استخدام نفس سلاحهم، من خلال استحداث حسابات في وسائل تواصل مختلفة مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تليغرام" تختص في دحض الحجج المستخدمة في إقناع مجندين ومتعاطفين جدد، ويجب أن يكون الخطاب المضاد يضاهي جودة ما يقدمه العدو الداعشي من مقاطع بإخراج "هوليودي" محترف، وليس فقط بالاعتماد على الطرق التقليدية المملة، كما يجب ألا يتم إغفال الاستعانة بشهادات وتجارب المقاتلين العائدين من تلك المستنقعات القتالية الإرهابية، لتقديم الصورة الحقيقية المرعبة لداعش وتروجيها بشكل يلائم الأساليب الحديثة الجاذبة لأكبر عدد من المتلقين لتحصينهم من الإصابة بداء "التدعشن".
هذه المسؤولية ملقاة على عاتق الحكومات والمؤسسات الإعلامية، وكذلك الأفراد بإعادة نشرها وتوزيعها, وقبل كل هذا يجب أن يكون هناك دراسة شمولية مستمرة لمعرفة أساليب داعش في الترويج لنفسه والطرق المتغيرة التي يتبعها إلكترونياً, وهذا يندرج تحت مضلة التوعية الأمنية والذي يعد خط الدفاع الأول.
أما من الناحية الفنية التشغيلية، عدد من حلفاء المملكة العربية السعودية في الحرب على داعش يملكون المقومات التقنية المتقدمة القادرة، إما على منع التواصل أو نزع الثقة في استخدام وسائل التواصل العامة، كونها غير آمنة وأنهم قد يكونون مراقبين أو حتى استدراجهم إلى مواقع يسهل استهدافهم بها.
نائب وزير الدفاع الأميركي صرح قبل عدة أشهر أن تم استحداث وحدات خاصة لشن حرب في الشبكة العنكبوتية، وأنهم يلقون قنابل إلكترونية وهجمات إلكترونية نوعية تستخدم للمرة الأولى ضد داعش، مما قد يعد مؤشر لجدية الأميركان تجاه حربهم الإلكترونية تجاه هذا التنظيم المتطرف.
أشاد أوباما بنتائج هذه الوحدة الحربية الإلكترونية رغم حداثتها بأنها عطلت كثير من عمل مراكز التحكم والقيادة الداعشية وعطلت اتصالاتهم، هدف هذه العمليات بشكل عام هو تثبيط وتيرة التجنيد ونشر الدعاية الداعشية والأهم من ذلك منع تدفق الأموال والحوالات الإلكترونية لهم. هذا الحماس الأميركي والأوروبي بشأن الحرب الإلكترونية على داعش هو نتيجة تعرض بلدانهم لعمليات إرهابية، كان أهم عواملها التواصل الآمن بين قيادات داعش في سوريا والعراق والمتعاطفين معهم في أميركا وأوروبا وسهولة تجنيدهم.
يجب أن نعلم علم اليقين أن هذا الحماس الأميركي والأوروبي في الحرب الإلكترونية لن يدوم طويلاَ، بمجرد أن يصلوا لمرحلة الاطمئنان من شرور المتعاطفين المتواجدين في بلدانهم فقط، سيتم تحويل الجهود الأمنية الإلكترونية تجاه العدو التقليدي لهم في الصين وروسيا وكوريا الشمالية كما كان في السابق. أما نحن في المملكة العربية السعودية فمن الملائم في هذا الوقت أن نندمج في هذه الحرب الإلكترونية لكسب المهارة والخبرة اللازمة لخوض هذا النوع من الحروب.
د. عدي بن محمد الحضيف- الرياض السعودية-