يظهر الهجوم الأخير للبرامج الخبيثة على قطاع النقل والمؤسسات الحكومية الأخرى في المملكة، أنّه على الرغم من الاستثمار المرتفع في تدابير أمن الإنترنت المتطورة، تظل جرائم الإنترنت تهديدًا رئيسيًا يهدد حكومات دول الخليج وأعمالها التجارية والاستثمارية كذلك. ومع معدلات مرتفعة لانتشار الهواتف الجوالة، يصبح هناك عدد أكبر ومتزايد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، ومع أولوية الحكومة المتصورة للتوجه نحو «الاقتصاد الرقمي»، فمن المرجع أن يتصاعد هذا الخطر بشكل أكبر.
ومن قبيل المصادفة، بعد أيام قلائل من كشف الهجوم السعودي، تمكّنت عملية دولية منسقة من تفكيك شبكة جرائم إنترنت عالمية بنجاح معروفة باسم «أفالانش». وكان ذلك نتيجة جهود 4 سنوات من التحقيق والتعاون بين الشرطة في 30 دولة ووكالات مثل مكتب التحقيق الفيدرالي.
وعلى الرغم من الفوائد المسبقة لاستخدام التعاون الدولي في مواجهة جرائم الإنترنت، تظل دول الخليج بعيدة عن تلك الجهود الدولية، الأمر الذي يعرض حكوماتها وشركاتها ومواطنيها لمخاطر متزايدة.
أكثر عدوانية وتعقيدًا
ويوجد سببان رئيسيان ينبغي أن يكونا دافعًا كافيًا لدول مجلس التعاون الخليجي لإعادة النظر في كيفية تعاملها مع هذا التحدّي العالمي المرعب. أولًا، على المستوى الاستراتيجي، يساعد التعاون الدولي في تحديد أفضل سبل معالجة التحديات الناشئة في مجال جرائم الإنترنت. فجرائم الإنترنت اليوم أكثر عدوانية وتعقيدًا وأكثر تنظيمًا والأهم، أصبحت غير متوقعة بشكل غير مسبوق.
وفي محاولة لمكافحتها والتخفيف من آثارها، تجد الحكومات نفسها في مياه مجهولة، وفي موقف لا يمكنها فيه التوقع أو الاحتواء. وتميل دورة حياة مواجهة هجمات الإنترنت لأن تكون قصيرة المدى، حيث تنشأ وتتطور طرق وأساليب جديدة في ارتكاب جرائم الإنترنت بشكل مستمر. لذا، فالذي يعمل اليوم، من الممكن ألّا يعمل بعد شهر أو حتّى بعد أسابيع.
وغالبًا ما تتجاوز المعرفة التكنولوجية لمجرمي الإنترنت ما لدى وكالات إنفاذ القانون التي كلّفت بمحاربتهم، الأمر الذي يزيد من التحدّي المتمثّل في مكافحة جرائم الإنترنت، ويجعل جهود المكافحة بدائية. وبالتالي، فإنّ الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا في محاربة هذه الجريمة، هي الطريقة التي تستند إلى الخيال والإبداع وفوق كل شيء، التعاون.
تحتاج الدول لتشارك المعلومات والاستخبارات والخبرات والدروس المتعلّمة من أجل إيجاد أفضل السبل للحد من الجريمة الإلكترونية والتصدّي للتحديات الناشئة، مثلما يفعل مجرمو الإنترنت داخل شبكاتهم. ويجب تطوير الأدوات التنظيمية والقانونية والتكنولوجية بشكل جماعي وتحديثها بشكل مستمر. وهذا ما يهدف التعاون الدولي لتحقيقه.
ثانيًا، على المستوى العملي، يساعد التعاون الدولي على التغلب على التحدّيات في التحقيقات والمحاكمات المتعلّقة بالجرائم العابرة للحدود. ويحظى مجرمو الإنترنت باليد العليا على حساب وكالات إنفاذ القانون بسبب طريقة عملهم. فهم يميلون للعمل في مجموعات منظمة، في نفس الولاية القضائية أو أكثر من ولاية، وتصيب أعمالهم أجهزة الحاسوب والضحايا في ولايات وبلدان أخرى.
ونظرًا لأنّ وكالات إنفاذ القانون كالشرطة والنيابات مسموح لهم بالعمل فقط داخل النطاق الجغرافي لولاياتهم، تصبح جهودهم من أجل جمع الأدلة والتحقيق أكثر تعقيدًا. وبسبب السيادة الوطنية، تخضع أية تحقيقات عابرة للحدود لقنوات قانونية طويلة لطلب المساعدة.
هذه العملية تكون طويلة ومعقّدة، ويكون التحقيق ككل محدود النجاح، وغالبًا ما يفلت مجرمو الإنترنت من قبضة العدالة. ومع ذلك، تساعد منصات التعاون الدولي، مثل نقاط الاتصال على مدار الساعة على تسهيل هذه البيئة الصعبة. ويزود التعاون الدولي كذلك وكالات إنفاذ القانون بالسلطات التي تمكنهم من «التكاتف» بفاعلية في تحقيقات الجرائم العابرة للحدود، والتي تزيل عقبات الحدود الدولية مع الحفاظ على سيادة القانون.
والحقيقة المجردة تقول ثلث العام فقط يشارك في محادثات التعاون الدولي. وتعتبر اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم الإلكترونية هي السند الدولي الأكثر أهمية في محاربة جرائم الإنترنت، ولكنّها تضم فقط 50 دولة مشاركة حتّى الآن، وهناك عشرات الدول إمّا موقعين أو في سبيلهم إلى الانضمام. ولا توجد دولة داخل مجلس التعاون الخليجي من ضمن الموقعين.
ويؤثر هذا الوضع سلبًا على الجهد العالمي ضد جرائم الإنترنت ويوسّع العجز العالمي من حيث القدرات والرد. ولا يكفي توخّي اليقظة والحذر. ففي عام 2012، أصبح هجوم «شمعون» الإلكتروني ضد شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، الهجوم الأكبر عالميًا في التاريخ. وبالانتقال سريعًا إلى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، فإنّ الهجوم الذي تعرّض له قطاع النقل السعودي ومؤسسات حكومية أخرى، قد استخدم نفس البرنامج الخبيث.
ولازالت التحقيقات جارية في هذا الهجوم، ولم يعلن بعد عن الدافع وراء الهجوم أو الضرر الذي ألحقه. ولم يتمّ تعلم الكثير خلال هذه السنوات الأربع. وبالإبقاء على نهجها الفردي، تعرّض دول مجلس التعاون الخليجي نفسها إلى خطر لا داعي له على الأمن والرخاء الاقتصادي وتعرّض حكوماتها وشركاتها ومواطنيها لمخاطر متزايدة.
ولم يعد من الممكن تطوير جهود مكافحة جرائم الإنترنت في عزلة عن العالم، والتعاون الدولي شيءٌ ضروري للنجاح في التغلّب على التهديدات. وإذا أرادت دول مجلس التعاون الخليجي أن تؤمن بنية تحتية آمنة للإنترنت وتعزّز رخاءها الاقتصادي، فعليها أن تدمج الاستثمارات الضخمة في مجال الأمن الإلكتروني مع جهود التعاون الدولي وتضع نفسها لاعبًا رئيسيًا في مكافحة الجريمة الإلكترونية.
تشاتام هاوس- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-