معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
تتنافس البحرين وأبوظبي على من يصبح المركز الرئيسي للعملات المشفرة والعملات الرقمية اللامركزية التي تستخدم تقنية "البلوك تشين". وقام كل من البلدين بتطوير أطر تنظيمية للعملات المشفرة وعمليات مبادلتها بالعملات الرسمية واستثمارها في الشركات الناشئة ذات الصلة بالعملات المشفرة. ويعتبر كل من بنك البحرين المركزي وسوق أبوظبي العالمي من الجهات الرائدة في مواكبة التطور السريع لقطاع العملة المشفرة في المنطقة. وكان صانعو السياسة في مواقع خليجية أخرى أكثر حذرا فيما يتعلق بدمج العملات المشفرة في اقتصاداتهم. وهناك آمال كبيرة في أن يدعم تطوير العملة المشفرة جهود التنويع الاقتصادي، لكن يجب موازنة مخاطر الاستثمار في تكنولوجيا سريعة التطور تعتمد على توازن تنظيمي دقيق.
العملات المشفرة في الخليج
ويوجد اهتمام متزايد بالعملات المشفرة في جميع أنحاء الخليج تزامنا مع الجهود العالمية لتنظيم الأصول الرقمية وجذب شركات العملات المشفرة. وتطبق المراكز المالية الكبيرة في نيويورك ولندن لوائح الخدمات المالية التقليدية على العملات المشفرة. وتوفر الولايات القضائية الأصغر والأقل تنظيما حماية أقل للمستثمرين. وتحاول كل من البحرين وأبوظبي رسم مسار بديل يجمع بين الأمن التنظيمي القوي وحوافز الاستثمار الجذابة.
وقدرت شركة "زد بي إكس"، وهي شركة تشفير مقرها سنغافورة، أن إنشاء شركة لها في البحرين سيكلفها نحو 200 ألف دولار، في حين أن تكاليف إعداد شركة مماثلة في لندن قد تصل إلى 750 ألف دولار. ويجب أن تقوم شركات الأصول المشفرة في سوق أبوظبي العالمي بدفع رسوم ترخيص أولية قدرها 125 ألف دولار، ورسوم إشراف سنوية قدرها 60 ألف دولار.
ويدفع صناع السياسة الاقتصادية في البحرين لتصوير البلاد على أنها مركز العملات المشفرة الرئيسي في الشرق الأوسط. وفي 31 يوليو/تموز، أعلنت "رين" لتداول العملات المشفرة، التي تتخذ من البحرين مقرا لها، أنها أصبحت أول بورصة عملات مشفرة خاضعة للتنظيم الكامل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأغلقت جولة تمويل بقيمة 2.5 مليون دولار. وحصلت "رين" على ترخيص تنظيمي لإدارة الأصول المشفرة من بنك البحرين المركزي. وتعمل شركة "رين" داخل "فاين تك" بالبحرين، وهي عبارة عن مساحة عمل مشتركة تركز على التكنولوجيا المالية وتتلقى التمويل من مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين، والبنك المركزي في البحرين، ونحو 35 من الداعمين من القطاع الخاص. وتعمل الجهات الرقابية الحكومية البحرينية بشكل وثيق مع رواد الأعمال، حيث يملك موظفو البنك المركزي مكاتب في "فاين تك" في البحرين.
ويتصدر "سوق أبوظبي العالمي" مهمة وضع سياسة العملة المشفرة وتنظيمها في دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال هيئة تنظيم الخدمات المالية في المنطقة الحرة المالية. وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران منحت السلطة العديد من شركات تداول العملة المشفرة، مثل "بيت أوسيس" و"ميد تشينز" و"البورصة العربية"، موافقة مبدئية على العمل. وتعمل "بيت أوسيس"، وهي بورصة العملات المشفرة الأكثر نشاطا في الإمارات، منذ ما يقرب من 4 أعوام في بيئة غير منظمة نسبيا. ويقع "ميد تشينز" في "هاب 71"، مسرع الأعمال في سوق أبوظبي العالمي، ولديه فرع كذلك في نظيره في البحرين "فاين تك". واستثمرت "مبادلة"، الشركة القابضة المملوكة للدولة، في "ميد تشينز"، من خلال "مبادلة فنتشرز"، وهو صندوق فرعي يأمل في توسيع محفظة أصوله إلى نحو مليار دولار بحلول عام 2021.
وتستضيف الإمارات هيئات تنظيمية أخرى مكلفة بالإشراف على العملات المشفرة، لكن هذه السلطات لم تكن فعالة مثل هيئة الأوراق المالية والسلع، التي تشرف على الأوراق المالية والسلع الرقمية في جميع أنحاء البلاد. وتشرف هيئة دبي للخدمات المالية على تنظيم الخدمات المالية في مركز دبي المالي العالمي. وفي سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت هيئة دبي للخدمات المالية بيانا عاما للمستثمر مفاده أن العملات المشفرة "لها مخاطر فريدة خاصة بها، والتي قد لا يكون من السهل تحديدها أو فهمها"، محذرة من أن هذه "العروض يجب أن يتم اعتبارها استثمارات عالية المخاطر".
واتبعت دول الخليج العربي الأخرى منهجا تحذيريا تجاه العملات المشفرة. ولا تعترف وزارة المالية في الكويت بالعملات المشفرة في المعاملات التجارية الرسمية، ويحظر البنك المركزي في البلاد المتاجرة بالعملات المشفرة. وفي فبراير/شباط 2018، منع البنك المركزي القطري البنوك المحلية من التعامل مع العملات المشفرة. ولم يصدر البنك المركزي العماني أي سياسات أو إرشادات لتنظيم العملات المشفرة، لكن بدلا من ذلك، حث البنك المركزي في البلاد المواطنين على توخي الحذر فيما يتعلق بهذه العملات.
وأعرب صناع السياسة في المملكة العربية السعودية عن مخاوفهم بشأن العملات المشفرة مثل "بتكوين"، لكن البلاد جربت في نفس الوقت أشكالا أخرى من العملات الرقمية. وفي عام 2018، أطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي، والبنك المركزي لدولة الإمارات، مشروع "عابر" الرقمي، وهو عملة رقمية مشتركة لتسهيل التسويات المالية بين البلدين. وسيصدر المشروع العملة الرقمية تحت الاختبار بين عدد محدود من البنوك، مما يؤكد على بطء وتيرة المبادرة.
سوق واعد
في كتابه "المال والأسواق والممالك: مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر"، قدّر "آدم هنية" القيمة الجماعية للثروة والأصول الأجنبية للحكومات وصناديق الثروة السيادية والشركات الخاصة والأفراد في دول الخليج العربية، في عام 2016، بنحو 6 تريليون دولار. وقد شجعت هذه الأصول شركات العملة المشفرة والشركات الناشئة على تسويق منصاتها وتطبيقاتها بنشاط في منطقة الخليج.
وعقدت "إيثيريوم"، وهي نظام برمجي مشفر للعملات الإلكترونية، شراكة مع خبراء ماليين في الخليج لإظهار التوافق مع مبادئ التمويل الإسلامي وجذب الاهتمام من صناديق الثروة السيادية الإقليمية. وحصلت "إكس 8 إيه جي"، أحد مطوري "فاين تك" من سويسرا، على شهادة من مكتب المراجعة الشرعي في البحرين عن عملته الثابتة المستندة إلى نظام "إيثيريوم"، وهي عملة رقمية مدعومة بسلة من العملات والذهب من أجل الحد من مخاوف التقلبات والمضاربة.
ويواجه تطوير العملة المشفرة في الخليج عقبات أخرى. وتشعر كل من الحكومات والمستثمرين بالقلق إزاء نقاط الضعف في السمعة والبنية التحتية المرتبطة بالتقنيات المالية الجديدة. ولا يزال الأمن السيبراني ضروريا لاستدامة الصناعة على المدى الطويل. وقد استهدف هجوما إلكترونيا وكالة الأمن القومي ووزارة الداخلية ومكتب النائب الأول لرئيس الوزراء في البحرين في 5 أغسطس/آب، ما أثار مخاوف حول أمن المراكز المالية الرقمية.
وتعتبر الإجراءات الفعالة لمكافحة غسل الأموال والتعرف على العميل أمرا حاسما لضمان عدم قيام الجهات الخبيثة بالاستفادة من منصات تشفير العملات القائمة في الخليج للولوج إلى النظام المالي العالمي. وفي هذا السياق، تبرز المنامة وأبوظبي في مقدمة عواصم المنطقة الساعية لريادة تنظيم أنشطة العملة المشفرة. لكن إمكانات النمو في صناعة العملة المشفرة في منطقة الخليج تبقى غير مؤكدة؛ ويبقى أن نرى ما إذا كان الرهان على التقنيات المالية سريعة التطور سيؤتي ثماره.