الخليج أونلاين-
تواصل الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الكويتي التصاعد، وذلك بالتزامن مع أزمة سياسية تعيشها البلاد بعد استقالة الحكومة التي جرى تشكيلها منتصف ديسمبر الماضي، الأمر الذي يزيد من تحديات البلاد خلال الفترة المقبلة.
فقد أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني الكويت عند المرتبة (-AA) مع نظرة مستقبلية سلبية، وذلك في ضوء استمرار نفاد الاحتياطات المالية للبلاد.
وفي يوليو 2020، غيّرت الوكالة تصنيف الكويت السيادي من مستقر إلى سلبي، مع قرب نضوب صندوق الاحتياطات العامة للبلد.
وتوقعت "ستاندرد آند بورز"، في تقريرها الصادر منتصف يناير الجاري، اتساع عجز الموازنة العامة للكويت إلى نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2020-2021، مقارنة بعجز قارب الـ10% في السنة المالية المنتهية 2019-2020.
وفي حين تتفاقم الأزمة المالية المترتبة على تداعيات جائحة كورونا وما أعقبها من تهاوٍ في أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس في البلاد، فإن زخم الإصلاح الأوسع المأمول يتحرك ببطء كما تقول الوكالة.
هذا الإصلاح الشامل الذي تستهدفه الكويت ليس بطيئاً وحسب، لكنه يتأثر أيضاً بالأزمة السياسية التي خلقها تحفّز مجلس الأمة الجديد المنتخب، في ديسمبر الماضي.
فقد أدّى هذا التحفز البرلماني إلى استقالة الحكومة الأولى في عهد الأمير الجديد، الشيخ نواف الأحمد، بعد شهر واحد من تشكيلها، بيد أن القادم قد يكون أسوأ؛ في حال لم يتعاون المجلس مع الحكومة التي ستخلف تلك المستقيلة.
ومع ذلك فإن البلد الخليجي ما يزال غنياً ويمتلك فوائض مالية كبيرة ومشروعات نفطية استراتيجية قد تساعده في التصدي لأزمة التراجع الراهنة، وما يزال إجمالي المدخرات الحكومية للدولة أزيد من 500% من الناتج المجلي الإجمالي، بحسب "ستاندرد آند بورز".
البرلمان في وجه الحكومة
وكان الشيخ نواف الأحمد قال للنواب في افتتاح البرلمان الجديد، منتصف ديسمبر 2020، إن هناك حاجة لوضع برنامج إصلاحي شامل لمساعدة البلاد على الخروج من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود، وإنه لا يوجد متسع من الوقت "لافتعال الأزمات".
وأكد الأمير في كلمته تلك أنه "لم يعد هناك متسع لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات، والتي أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين، وعقبة أمام أي إنجاز".
وفي سوابق تاريخية كثيرة أدى تواتر الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان؛ مما عرقل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تحتاجها البلاد، كما أصاب الحياة السياسية بالجمود.
وتصدرت قضايا الفساد، والوضع الاقتصادي، وعجز ميزانية الدولة، وتداعيات أزمة كورونا، برامج أعضاء مجلس الأمة الانتخابية، وهو ما دفع النواب لتحرك سريع فوز انعقاد الدور التشريعي الجديد.
وحفلت هذه البرامج بالكثير من الشرح والتفصيل للحلول والمقترحات التي يمكن من خلالها تدارك العجز وتنمية موارد البلاد؛ وأبرزها الالتفات نحو الصناعات النفطية وتكرير البترول بدلاً من تصدير الخام فقط.
مستقبل مرهون بتغيير النهج
المحلل الاقتصادي الأردني نمر أبو كف قال: إن "اقتصاد الكويت لا يمكن فصله عن اقتصادات العالم أو اقتصادات الخليج"، مشيراً إلى أن "العجز الحالي في الموازنة الكويتية هو الأزمة الكبرى في تاريخ البلاد منذ الغزو العراقي سنة 1990".
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال أبو كف: إن "هذه الأزمة سببها الأساسي هو اعتماد الكويت في 90٪ من دخلها على النفط"، معتبراً أن "هذا أحد العيوب الكبيرة للاعتماد على مصدر وحيد للدخل".
ويوضح أبو كف أن "القوى العاملة في الكويت، والتي تقترب من 5 ملايين عامل أجنبي، رغم مساهمتها في تنمية اقتصاد البلاد، فإنهم يضغطون على الاقتصاد بسبب تحويلاتهم المالية الكبيرة".
وخسرت الكويت نحو 33 مليار دولار بسبب أزمة كورونا، وخفض إنتاج النفط، وتحول دول كثيرة من الاعتماد على النفط إلى مصادر الطاقة النظيفة، بحسب المحلل، الذي قال: "إن استمرار الكويت في نفس نهجها الحالي يهدد بأزمة مستقبلية كبيرة".
ويتابع في هذا الصدد: "تأثرت مدخولات الكويت التي بلغت نحو 62 مليار دولار عام 2019، وكان تراجع الجمارك وأسعار النفط وزيادة الإنفاق الذي فرضته كورونا سبباً في هذا التراجع الكبير".
وأضاف: "رغم أن الكويت وضعت خطة لتطوير الاقتصاد وإصلاح عيوبه فإن الخلاف الدائم بين مجلس الأمة والحكومة يحول دون تطبيق هذه الخطة، كما أن رفض المجلس تطبيق ضرائب على المواطنين، ووقف الوظائف الحكومية، وتعطيل قانون الدين العام، أدى لتراجع أداء الدينار الكويتي خلال أزمة الجائحة".
وتابع: "بشكل عام اقتصاد الكويت قوي رغم أنه ليس ضخماً، ومن ثم على الحكومة المضي قدماً في تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط وحده؛ حتى لا تواجه الكويت مزيداً من العجز في موازنتها".
وخلص المحلل الأردني إلى أنه "بات لزاماً التعاون بين البرلمان والحكومة واتخاذ إجراءات مؤلمة؛ مثل فرض ضرائب تصاعدية، فضلاً عن حتمية البحث عن مشروعات لتنويع الاقتصاد".
وفي حال تراجعت الجائحة يقول أبو كف إن "الاقتصاد الكويتي سيتعافى بسرعة لأنه صنّف كواحد من أسرع الاقتصادات نمواً"، موضحاً أن "الأزمة الحالية أعطت الحكومة درساً قوياً في ضرورة تغيير نهجها".
إصلاح وتحديات
ويواجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد بالأساس على مورد وحيد هو النفط، عجزاً يبلغ 46 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس 2021؛ بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط، وفقاً لما قاله وزير المالية السابق براك الشيتان، في أغسطس.
وللتغلب على هذه المعضلة تسعى الحكومة لتمرير مشروع قانون الدين العام الذي يسمح لها باقتراض 20 مليار دينار (66 مليار دولار) على مدى 20 عاماً، وهو المشروع الذي رفضه البرلمان السابق؛ لأن الحكومة لم تقدم خططاً مقنعة لتنويع مصادر الدخل.
وفي أكتوبر 2017، انتهت صلاحية قانون الدين العام في الكويت، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الشد والجذب بين مجلس الأمة والحكومة، التي أكدت مراراً وتكراراً ضرورة إقرار قانون جديد يتيح لها الاقتراض عبر اللجوء إلى إصدار سندات دولية.
وتسبب تراجع أسعار النفط منذ 2014 بتسجيل الكويت عجزاً مالياً ضخماً تجاوز الـ125 مليار دولار، وقد فاقمت أزمة كورونا من هذا العجز، خاصة مع تعهد الدولة بدعم القطاعات المتضررة.
وقد انعكست الأزمة الاقتصادية على الوضع الداخلي للبلاد، حيث أمر الأمير الراحل، الشيخ صباح الأحمد، بمواجهة الفساد بكل حزم، وبغض النظر عن مرتكبيه. كما أكد الأمير الحالي أن الفاسدين سيحاسبون أيّاً كانوا.
وفتحت الكويت خلال العام المنصرم جملة من قضايا الفساد التي طالت نواباً ومسؤولين حكوميين سابقين وحاليين، وهي تواصل مسيرها من أجل مساعدة البلاد على الخروج من أزمتها، التي كان للفساد دور كبير فيها.