شؤون خليجية-
"هل يمكن أن تصبح السعودية وإيران شريكان في إدارة المنطقة" تساؤل جريء طرحته صحيفة أمريكية، في ظل صراعات متنامية وعلى عدة جبهات بين الرياض وطهران، فثمة ألغام وفخاخ في طريق أي حوار محتمل بين الطرفين، فإيران تمتلك مصادر تهديد للأمن القومي السعودي والخليجي، ونجحت في تقويض مساعي الحسم السياسي والعسكري للأزمة اليمنية والسورية، وتهدد عبر شبكة ميلشيات شيعية استقرار الأنظمة الخليجية عبر سلسلة حروب طائفية.
ويبقى السؤال هل لا زالت هناك فرصة للتوصل لحوار ثم مصالحة ثم شراكة سعودية خليجية إيرانية، وما هي الشروط الواجب توافرها ومن هم الوسطاء القادرين على قيادته؟
تشارك الجوار..كيف مع النهج الثوري؟
طرح جريء قدمه تقرير نشرته صحيفة "ذا ناشيونال انترست" الأميركية، وترجمه موقع هافينغتون بوست عربي أمس الثلاثاء محوره"هل يمكن أن تصبح إيران والسعودية شريكين في إدارة المنطقة؟" مشيرا إلى نه لم تنل قضية على طاولة القمة الأميركية الخليجية الأسبوع الماضي في الرياض قسطاً أكبر من الذي نالته قضية كيف تتعامل الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي مع إيران.
كان الرئيس الأميركي ألقى باللائمة على تصاعد حدة التنافس بين الرياض وطهران على صدارة المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بإذكاء نيران الفوضى وحروب الوكالة في سوريا والعراق واليمن، داعياً الطرفين إلى تعلم كيف "يتشاركان الجوار معاً"
كما شدد أوباما خلال القمة على الحاجة إلى تحلي إيران بمزيد من المسؤولية، وأن تعمل على الاندماج في المنطقة، لكن كيف ستبدو معالم وقسمات تلك الرؤية؟ وهل فعلاً يجوز للولايات المتحدة أن ترجو ذلك وتترقبه فيما تتبنى حكومة نظام طهران النهج الثوري؟
خلق نظام تعاون جديد
في طرح نوعي ذكر التقرير أنه قبل انعقاد القمة الأسبوع الماضي، ألمح -المستشار السابق المقرّب من الرئيس روحاني والأستاذ بجامعة برنستون، سيد حسين موسويان، في مقال افتتاحي كتبه لموقع المونيتور الإخباري -إلى أن المجتمع الدولي وبالأخص الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا، ينبغي عليها جميعاً المساهمة في خلق نظام تعاون يضم إيران والعراق ودول مجلس التعاون، مقترحاً اتخاذ نموذج من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE التي أنشئت خلال الحرب الباردة عام 1975 لتسهيل الحوار من أجل المصالح الأمنية الأوروبية المشتركة، والتي أرست دعائمها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
إيران تهدد أمن الخليج..كيف؟
وأشار التقرير إلى أنه منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 والتواجد العسكري الأميركي يعد الأبرز فيما يتعلق بأمن الخليج. فبوجود الدرع الأميركية التي تحمي الحلفاء العرب والإسرائيليين في المنطقة بينما يعزل إيران، لم تجد طهران لنفسها بداً من ممارسة ضبط النفس ومد أذرع قوتها العسكرية وتعزيزها عبر صواريخها البالستية وإنشاء تحالف مع حزب الله اللبناني وبقية وكلائها في المنطقة، فضلاً عن إنشائها أسطول قوات بحرية متفوقة غير متماثلة أو متكافئة بغرض تهديد حركة الشحن في الخليج العربي وتهديد الهيمنة البحرية الأميركية.
الردع الخليجي العسكري
هناك عراقيل تحول دون بدء حوار أو شراكة إيرانية سعودية خليجية، فإيران صارت مصدر تهديد لدول المنطقة، وفي المقابل هناك قدرات الردع الخليجية، وبحسب التقرير تملك دول مجلس التعاون اليد العليا فيما يتعلق بالقدرات العسكرية التقليدية، خاصة القوات الجوية.فالسعودية والإمارات وحدهما تنفقان 6 أضعاف ما تنفقه إيران على التسلح. وحتى رغم أن جيوش دول مجلس التعاون ليست أمهر مَنْ اقتنى تلك الأسلحة المتطورة التي يملكونها، إلا أنه ليست لديهم أسباب كبيرة للخوف من غزو إيراني.
ولفت التقرير إلى أن الصواريخ البالستية هي الشوكة العنيدة في خاصرة التوازن العسكري هذا. فإيران ماضية قدماً في تطوير صواريخها قصيرة المدى رغم كل مساعي الأمم المتحدة والولايات المتحدة لتقييد إنتاجها والاختبارات التي تجرى بشأنها. ولولا دعم الولايات المتحدة لأنظمة الدفاع الصاروخي، لوجدت دول أنفسها تصارع القوة الإيرانية الصاروخية في نهاية المطاف.
قلب وتقويض الأنظمة
بشأن جوهر الصراع كشف التقرير أنه مع ذلك فإن المنافسة السعودية الإيرانية ليست صراع واقع سياسي على الهيمنة الأمنية، فخوف دول مجلس التعاون الأكبر هو من مساعي إيران لتغيير وقلب الأنظمة الدينية والسياسية في المنطقة، حيث أن إيران مستمرة في تصدير نفوذها وأفكارها الثورية عبر "محور المقاومة" (أو جبهة المقاومة) التي تضم شبكة شركاء الحرس الثوري من وكلاء وميليشيات شيعية تمتد من البصرة إلى بيروت وتهدد بالتوسع صوب اليمن والبحرين.
فبالرغم من إظهار سياسيي إيران ودبلوماسييها التمسك بشعارات تتعلق بالأمن الجماعي، إلا أن مساعي قادة الحرس الثوري تشي كذلك دون مواربة بأن هدفها تقويض أنظمة دول العراق وسوريا ولبنان وتعميق "الصبغة الإيرانية" على هياكلها الأمنية.
جدوى إنشاء قوات غير تقليدية
وختم التقرير بالتأكيد على أنه حتى لو أقدمت دول الخليج على إنشاء قوات عسكرية غير تقليدية أقدر على التصدي لأنشطة إيران والرد عليها بكفاءة أكثر – مثلما جاء في تصريحات قمة كامب ديفيد العام الماضي - فهناك شكوك من جدوى ذلك ونفعه على المدى الطويل لمصالح المنطقة نفسها أو مصالح الولايات المتحدة، حتى لو قدمت السعودية في المستقبل دعمها ورعايتها لقوات ردع ومقاومة على غرار الحرس الثوري تكون متصلة بالقوات السُّنية الموجودة في سوريا والتي تتعامل معها الرياض وغيرها من دول مجلس التعاون.
ما شروط الحوار مع إيران؟
السؤال الأهم ما الشروط السعودية لبدء حوار محتمل مع إيران ومدى إمكانية تحقيقها والذي يكشف مدى صعوبة التوصل لشراكة سعودية إيرانية في الأمد القريب، إلا بضغوط دولية غير قائمة وسط تخلي أمريكي واضح عن الحليف الخليجي التقليدي، بدوره قال الأمير تركي الفيصل، أحد أفراد الأسرة المالكة السعودية البارزين، إن بلاده مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع إيران، المنافس الإقليمي، بشرط أن تبدي طهران رغبتها في سحب قواتها من سوريا، وأضاف في حواره لبي بي سي في 16 مارس 2016 أن الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، استطاع بالتعاون مع العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله إنهاء قطيعة بين البلدين خلال فترة سابقة في ثمانينيات القرن الماضي، وقال إن البلدين تربطهما مصالح مشتركة يمكنهما التركيز عليها.
رسميا قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في 27 مارس 2016 بمؤتمر صحفي "لقد مددنا يدنا لإيران منذ 35 عاما، منذ ثورة الخميني في العام 1979 ولم نتلق شيئا في المقابل..لقد أردنا أن تكون لدينا علاقات سلمية مع إيران لكننا واجهنا تدخلا في شؤوننا الداخلية، وتعطيل مناسك الحج، واغتيال أحد دبلوماسيينا، والهجمات ضد سفارتنا والخلايا الإرهابية التي زرعتها إيران في بلادنا والدول المجاورة..إذا غيرت إيران سلوكها، فإن الباب سيكون مفتوحا أمام علاقات طبيعية."
كذلك أكد اللواء أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بالرياض في 6 يناير 2016 خلال مداخلة هاتفية على قناة "الغد العربي"، أن "السعودية ستضع عدة شروط للتصالح مع إيران أبرزها، انسحاب طهران من دولتي سورية، والعراق، والتوقف عن دعم جماعة الحوثيين اليمنية، وعدم إحداث أي قلائل في هذه الدولة".
تعد تركيا مرشحة للقيام بالوساطة بين السعودية وإيران، فقد بدأت تتبلور ملامح مقايضات سياسية مزدوجة كشف عنها مصدر إيراني مطلع لـ «الحياة»، بقوله: أن "رئيس الوزراء التركي داود أوغلو، طلب من طهران التوسط لترطيب العلاقات مع موسكو، في مقابل سعي أنقرة إلى ترطيب العلاقات (الإيرانية - السعودية)، مشيراً إلی أن "عودة العلاقات الطبيعية بين موسكو وأنقرة ينسجم مع المصالح الإيرانية".
بعد التطبيع مع إسرائيل ماذا عن إيران
في طرح جريء أكد الكاتب المصري فهمي هويدي أن "إيران أصبحت رقما مهما في المنطقة يتعذر تجاهله، لا نستطيع أن نتجاهله ونكتفي بشيطنته وهجائه في وسائل الإعلام ليل نهار، لذلك فإن الملف يستحق حوارا جادا بين الطرفين العرب وإيران ينطلق من أن الطرفين مضطران إلى التعايش مع بعضهما البعض رغم ما بينهما من خلافات، ليس فقط بأمر الجغرافيا ولكن أيضا لأن ثمة عقيدة سماوية ينتسبان إليها كل على طريقته."
وأضاف "هويدي" في مقاله بصحيفة الشروق المصرية تحت عنوان "هل تصبح إيران شيطان العرب الأكبر؟" في 7 مارس 2016 "لست أشك في أن لدى الجانبين عقلاء يستطيعون إدراك مخاطر استمرار الخصام والتنابذ، ومن ثم القيام بنقد موضوعي يمهد لصياغة تلك العلاقة على نحو يعالج الفجوة القائمة ويحقق التعايش المنشود.
وشدد "هويدي" على أننا ينبغي أن ندرك أن الشعب الإيراني يظل شقيقا مهما تباعدت عنه المسافات أو تراكمت المرارات، وأيا كان رأينا في ممارسات حكومته، فإن انتماءه إلى الأسرة الإسلامية يظل باقيا، وسؤال الساعة برأيه هو: أين دور العقلاء والراشدين من الجانبين؟ وهل يعقل أن تهدأ وتيرة الصراع ضد إسرائيل في حين يشتد أوار التجاذب والخصام مع إيران؟