مريم الحبيل- العربي الجديد-
تحفل الجامعات السعودية بقصص لطالبات جامعيات خضن تجربة الإنجاب والدراسة الجامعية بنجاح في التوقيت ذاته، وخلال رحلتهن صادفتهن عقبات كثيرة، منها ما كان متعلقا بالمؤسسة التعليمية، ومنها ما هو متعلق بسلوكيات المجتمع تجاه تنظيم الإنجاب والمشاركة في أعباء الأسرة، وفي حين أن كثيرا منهن ينجحن في تجاوز هذه العقبات، فإن الضغوط قد تؤدي لانسحاب بعضهن من الدراسة.
رفض الاستسلام
«أم خالد»، عشرينية متزوجة وأم لطفل واحد، تعبر عن ارتياح بالغ لعدم استسلامها لفكرة الانسحاب وترك الدراسة، وتقول إنها كانت ستقدم على ذلك لولا تشجيع زوجها وباقي أسرتها، تقول: «أعرف كثيرات ممن تركن الدراسة بسبب الإنجاب والحمل، وحتى من توقفن مؤقتا بنية العودة، للأسف حالما تتوقف الطالبة يندر أن تعود للدراسة».
تصف «أم خالد» (اسم مستعار)، كيف أن مشاكل إدارية في الجامعات مثل تجاهل لوائح وقوانين الأجازات شكلت عقبات إضافية لها، إذ اضطرت إلى قطع أجازة الولادة، ومدتها أسبوعان، لحضور اختبار، وهذه الإجازة (أسبوعان في حالة الولادة الطبيعية) هي الاستثناء الوحيد للطالبة الأم، وتتساوى قوانين الغياب والحرمان فيما عدا ذلك، ولا يقبل العذر الطبي للأم المرافقة لطفلها كعذرعلى تغيبها وقد يؤدي ذلك لحرمانها من المقرر. ( المنع من الاختبار والرسوب حين تجاوز ما يمكن تقديره في الغالب بين 3 أو 4 أيام غياب في الفصل).
وتشاركها الخريجة الجامعية «سهيلة» (متزوجة وأم لطفلين) في رأيها السابق، وتقول: «أتمنى وجود قانون جامعي يجعل العذر الطبي للطفل عذراً لأمه المرافقة».
تجاوز التثبيط
في حين يكون تشجيع الأسرة العامل الذي يدفع بالطالبة الأم للاستمرار، فقد يشكل التثبيط الذي يقوم به الآخرون عقبة أخرى تسعى المرأة السعودية إلى تجاوزها، مثل الطالبة «أم عائشة»، (27 عاما متزوجة وأم لثلاثة أطفال) والتي تقول: «يخبرني المحيطون بي ما فائدة دراستك ما دامت لن تضمن لكِ الوظيفة؟».
تصف «أم عائشة حالها بالقول: «كنت أحاول الاعتناء بطفلاتي وتدريسهن وتوصيلهن للمدرسة، ثم أتابع دراستي بالإضافة إلى الأعمال المنزلية، وعلى الرغم من كل العقبات السابقة"، فإن «أم عائشة، لا تنوي الاكتفاء بالبكالوريوس بل هي عازمة على مواصلة تحصيلها في الدراسات العليا وتحصيل الماجستير.
وتعتبر صديقتها «هالة»، الإرهاق النفسي والجسدي الذي تشعر به الطالبة الأم؛ مشكلة كبيرة، وتقول: «الأمر ليس سهلا، إنه مرهق جسديا ونفسيا ولقلة النوم أثر كبير جداً في الإجهاد، حين مرض طفلي خلال فترة الاختبارات النهائية لإحدى المواد، كنت أتغيب عن الاختبار أو أحضره بلا استعداد، في النهاية رسبت في كل مواد ذلك الفصل».
شاركة الزوج و تأجيل الإنجاب
وحول ما كان أزواجهن يساعدن في المهام المنزلية أو الاعتناء بالأطفال، أجابت من استطلعت معدة المادة آراءهن بـ«لا» على السؤال السابق، وشرحن أنه في الغالب تساعد الأم وربما أم الزوج في العناية بالأطفال عند غياب الأم، وتؤكد إحدى المشاركات أنها ناقشت مع زوجها توقيت وتنظيم الحمل وكانت ترغب في التأجيل، لكن زوجها لم يرغب بذلك.
العنوسة التعليمية
يشكل نظام القبول في الجامعات، عثرة أمام المرأة السعودية، إذ تنص بنوده على أن خريجي وخريجات الثانوية يجب أن يتقدموا خلال ثلاث سنوات من التخرج (في حالة كليات التميز) وخمس سنين في حالة التقدم إلى الجامعات لنيل شهادة البكالوريوس، وتؤكد سعوديات أن هذا القانون يشكل مشكلة أكبر للنساء، إذ أن المرأة عموما وخصوصا الأمهات اللاتي قررن التفرغ للإنجاب والتربية، يفقدن فرصهن التعليمية حين تسمح ظروفهن بذلك، أضف إلى ذلك أن النساء قد يعملن لسنوات للحصول على الحرية والاستقلال الكافي للحصول على التعليم لتجد أن الأوان قد فات.
وفي حادثة غريبة قبلت إحدى كليات التميز مجموعة من الطالبات ممن لا تنطبق عليهن الشروط بالخطأ، وبعد حضورهن أول يومين، تم طردهن، إلا أن الطالبات رفضن الاستسلام وعدن أخيرا بعد أشهر، من بينهن «سارة» إحدى المفصولات (اسم مستعار)، والتي كانت هي وزوجها، المتزوجان حديثا، قد بدأا للتو في مواصلة تعليمهما العالي بعد توقف كل منهما بعد الثانوية لظروف مختلفة، وبعد تحسن ظروفهما واجهتهما عراقيل أخرى بدأت بالفصل من الكلية.
تقول «سارة»: «لقد كانت صدمة لنا، فبعد أن تم تأكيد قبولنا وحضورنا وابتداء الدراسة ليومين، وتم ترتيب حياتنا على هذا الأساس، فوجئنا بالقرار».
وكان زوج «سارة قد مر بمشكلة مشابهة، إذ فوجئ بعدم قبوله في أي من الكليات التي حاول التسجيل فيها، وحين راجع الجامعة أخبروه بأن نتيجته لاختبار القدرات منتهية الصلاحية، وأنه لا يستطيع أداء الاختبار مجددا لأنه استنفذ المرات المسموح بها».
وبحسب شهادة الطالبات في قصة كلية التميز السابق ذكرها يبدو أن القبول كان ناجما عن خطأ في النظام الإلكتروني، ومن حسن الحظ أن هذا الخطأ سمح بهذا الاستثناء، لكن هذه الكليات والجامعات تواصل رفض الآلاف من المتقدمين والمتقدمات ممن يخالفون الشرط العمري كالعادة، من بينهن دعاء الأم الثلاثينية، التي تروي محاولاتها لإكمال تعليمها، قائلة: «بعد طلاقي قبل عامين حاولت التسجيل في عدة مؤسسات منها جامعات للدراسة عن بعد أو كليات تميز، ولم يتم قبولي حتى مع محاولاتي المتكررة ومراجعتي للجامعة وذلك لتجاوزي الفترة المسموحة للتقدم».
وحول أسباب عدم التحاقها بالجامعة بعد التخرج من الثانوي تقول: «لم تكن الفكرة حاضرة وقتها بنفس القوة، كان معتادا ألا تكمل الفتاة تعليمها مقارنة مع اليوم».